تخيل أنك على متن طائرة تحلق تحت السماء الأولى وسط طيات السحاب بينما تحتسي فنجانًا من القهوة على كرسيك الذي يلتصق بشباك الطائرة، في رحلة حول الأرض من قلب غلافها الجوي، وفي حين أنك لن ترى أمامك إلا أجمل المناظر على الإطلاق باللون الأزرق الدافئ للسحاب والذهبي الساطع للشمس، حتى تشرد بخيالك من هول وجمال المنظر، لتتساءل كيف تكوّن هذا الجمال وتناسقت مكوناته الخلابة بهذا الشكل؟
قصة محيط من الغازات
بينما أنت بمقعدك تستمتع برشفة أخرى من قهوتك محلقًا في محيطٍ من غازات غير مرئية بإحدى طبقات الغلاف الجوي المحيط بالأرض، والذي يمتد إلى أكثر من 1000 كيلو متر من جميع الاتجاهات؛ تذكر أن ما تراه قد استغرق مليارات السنين حتي وصل لهذا الشكل الذي تتأمله، وأن الأرض قبل حوالي 4 مليار عام كانت عبارة عن كرة نارية ملتهبة من الصهير.
نعم، فمع شدة ارتفاع درجة الحرارة في ذلك الوقت، وبعد أن نفست البراكين المكبوتة ما بداخلها في كل بقعة من بقاع الأرض؛ كانت السخونة كفيلة بتبخير معظم العناصر الموجودة بالأرض لتفِر خارج محيطها وتتكثف حولها بفعل الجاذبية، الأمر الذي استغرق سنينًا طِوال حتى تكونت أولى المراحل التي مر بها الغلاف الجوي.
حاليًا وبعد مليارات السنين أصبحت الأرض تملك غلافًا كثيفًا معقدًا ممتلئ بالغازات التي تجول طبقاته، وطِبقًا لوكالة ناسا الفضائية فإن نسب هذه الغازات كالآتي: النيتروجين يمثل الجزء الأكبر بنسبة 78% من مساحة الغلاف الجوي، يليه الأكسجين 21% ومن ثم الأرجون 0.93% وأخيرًا ثاني أكسيد الكربون (CO2) الذي يمثل النسبة الأقل في الغلاف الجوي 0.04% والذي يسبب زيادته الكثير من المعضلات مثل الاحتباس الحراري العالمي، وأقل من 1% هي نسبة باقي الغازات والتي تتضمن النيون والهليوم والكريبتون والهيدروجين وبخار الماء.
طبقات غير مرئية
في حين أن غطاء الأرض هذا يتكون كليًّا من الغازات، إلا أنه ليس نطاقًا متجانسًا، فهو عبارة عن عدة طبقات تتراكم فوق بعضها لتتحدد درجات الحرارة التي تتغير بدورها تبعًا للارتفاع عن مستوى سطح الأرض.
الطبقة الأولى (التروبوسفير “Troposphere”)
قاعدة هذه الطبقة أكثر حرارة من قمتها، لأن الهواء فيها يكتسب حرارته بواسطة سطح الأرض الذي يمتص طاقة الشمس.
الطبقة الثانية (الستراتوسفير”Stratosphere”)
ترتفع درجات الحرارة بها بسبب زيادة كمية الأوزون (O3)، لأنه يمتص الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس.
الطبقة الثالثة (الميزوسفير”Mesosphere”)
هذه الطبقة تتسم بشدة البرودة وخاصةً قمتها حيث يمكن أن تصل درجة الحرارة بها إلى -90 درجة مئوية، ذلك أنها لا تستطيع امتصاص الحرارة مباشرةً من أشعة الشمس نظرًا لوجود عدد قليل من جزيئات الغاز بها، وبالتالي يكون مصدر حرارتها هو طبقة الستراتوسفير.
الطبقة الرابعة (الثرموسفير”Thermosphere”)
تحتوي على عدد جزيئات هواء أقل بكثير مقارنةً بالطبقات الأخرى، وهي حساسة جدًا للنشاط الشمسي ويمكن لها أن تسخن حتى درجة 1500 مئوية أو أعلى عندما تكون الشمس في أوج نشاطها.
الطبقة الخامسة (الإكسوسفير”Exosphere")
المكان الذي يندمج فيه الغلاف الجوي مع الفضاء الخارجي، وتحتوي بشكلٍ أساسي على ذرات الأكسجين والهيدروجين لكن بأعداد قليلة جدًا، حيث أن الذرات والجزيئات نادرًا ما تصطدم مع بعضها.
أهمية الغلاف الجوي
كالقشرة على سطح البرتقالة يحيط غلافنا الجوي بسطح الأرض، وعلى الرغم من فوائده التي لا تُحصى، إلا أن كونه سر تنوع الحياة على الكوكب يُعد على رأس القائمة، وإلى جانب كونه مصدرًا وفيرًا للأكسجين - شريان الحياة لمعظم أشكال الحياة على الأرض- فإنه أيضًا يحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الضارة للشمس بفضل طبقة الأوزون التي تعمل على عكس الأشعة فوق البنفسجية ومنعها من الوصول إلينا، كما يحافظ على درجة الحرارة ويجعلها ثابتة بحيث تكون مناسبة لدعم الحياة.
وجود الغلاف الجوي مهم للغاية في دورة المياه، حيث يعمل على تيسير عملية تكوين السحب الناتجة من تبخر المياه الموجودة على الأرض حتى تظل مُعلقة وثقيلة بما يكفي لتتدفّق على الأرض مرة أخرى على هيئة أمطار.
وأخيرًا يحمينا من الشهب الصغيرة والحطام الذي يمكن أن يصطدم بالأرض، فهناك أكثر مِن 100 طن مِن الحطام الفضائي يضرب الأرض يوميًا لكنه يصادف الغلاف الجوي ويتفتت فيه نتيجة الاحتكاك قبل وصوله إلى سطح الأرض.
فما ظنّك إذ لم يكن للأرض غلافًا كهذا؟ على الرغم من أن الأرض ستهلك بمن عليها وتُدمر كليّا إلا أنه لن تتسنى لك الفرصة مرة أخرى لتحظى بفنجان قهوة آخر على كرسي يلتصق بشباك طائرة تحلق فوق السحاب ليشرد ذهنك إلى مثل تلك الأمور.
شاهد أيضاً طبقه لدنه من الصخور الحاره تقع تحت القشره الارضيه.