صورت لنا أفلام الخيال العلمي منذ زمن بعيد، رؤى عن المستقبل المليء بالتطورات التكنولوجية، كرؤية السيارات الطائرة في كل مكان حولنا. ويبدو أن هذا المستقبل أصبح قريبًا جدًا.
فمؤخرًا وبعد 14 عام من العمل، أعلنت شركة "سامسون سكاي" الأمريكية، عن إنتاجها لسيارة طائرة، اعتُمدت من قِبل إدارة الطيران الفيدرالية، في 15 يوليو الماضي باعتبارها آمنة للطيران.
"سامسون سويتش بليد"، هي أول سيارة رياضية ثلاثية العجلات في العالم بمقصورة داخلية تتسع لشخصين، قادرة على الإقلاع والهبوط العمودي، تتميز بسرعات أرضية وجوية تزيد عن 125 و200 ميل في الساعة، على التوالي.
التحليق بالسيارات حلم قديم
ظهر حلم السيارات الطائرة قبل حتى محاولات الأخوان رايت، وبدأ الإصرار على تحقيقه منذ بدايات القرن العشرين. ففي عام 1917، ظهر جلين كورتيس بسيارته ذات النوافذ البلاستيكية والثلاثة أجنحة والهيكل المصنوع من الألومنيوم، لكنها لم تنجح في التحليق وانحرفت عن مسارها مع قفزها بعض القفزات القصيرة.
وبعد تجربة كورتيس، توالت المحاولات. حيث بنى شيرمان فيرتشايلد في عام 1926 نموذج أولى لسيارة طائرة بأجنحة تُطوى للداخل. وفي عام 1947، ظهرت السيارة الطائرة كونفير لثيودور بارسونز والتي حلقت في رحلة لمدة ساعة، ولم تلبث أن تحطمت السيارة وأحلام ثيودور بسبب الهبوط الاضطراري لانخفاض الوقود، أما في عام 1949، ظهرت السيارة الطائرة "تايلور أيروكار" لمولتون تايلور وهي من أولى السيارات الأمريكية الطائرة، وجرى تطويرها أكثر من مرة ليصدر منها ست نماذج، ولكن حطمت أزمة الوقود الآمال في استمرارية خطط السيارة الطائرة.
وعلى الرغم من كل تلك التطورات السريعة في هذا القرن، لم تنته أي من المحاولات السابقة بالنجاح. ولم نحصل على نماذج متقدمة من السيارات الطائرة القادرة على التحليق لساعات دون أي حوادث، بسبب ضعف التمويل وعدم الالتزام بكامل معايير تصميم السيارات الطائرة.
إلى أين وصلت صناعة السيارات الطائرة؟
لم ينته حلم الطيران بالسيارة، ففي قرننا الحالي، تُخطط العديد من الشركات لإصدار سيارات طائرة عما قريب. وقد أعلنت شركتا "بيل نيكسوس" و"جوبي آفييشن"، المستحوذتان على شركة "أوبر إليفيت" لخدمات سيارات الأجرة، إطلاق سيارات الأجرة الطائرة، التي تعتمد على الكهرباء وبنظام الإقلاع والهبوط العمودي، في عام 2023.
ومن بين السيارات التي ستنطلق أولى رحلاتها قريبًا، هي "سامسون سويتش بليد"، لكن لم تصرح الشركة عن وقت انطلاق محدد واكتفت بتوضيح أن انطلاقها على بُعد بضعة أسابيع من الآن.
ما تريد معرفته عن "سويتش بليد"
تم تجهيز السيارة بمحرك قدرته 190 حصان. وتبلغ سرعة السيارة القصوى 200 كيلومتر/ ساعة على الأرض و257 كيلومتر/ ساعة في الجو. وخزان وقود بسعة 125 لترًا، يكفي لتغطية 725 كيلومتر.
للإقلاع، تحتاج السيارة إلى مَدْرَج مسطح بطول 335 مترًا من الأسفلت، ولهبوطها يكفي 213 مترًا.
أما الانتقال بين وضعي الطيران والقيادة، فيحدث الانتقال من الأول إلى الثاني بالضغط على زر وضع الطيران، حيث يفتح المحرك الكهربائي الذيل والأجنحة تلقائيًا وتتبدل دواسة الوقود إلى دواسة وقود يدوية بين المقاعد لكي تناسب وضع الطيران.
أما إذا أردت الانتقال من وضع الطيران إلى وضع القيادة مرة أخرى؛ فعليك أولًا إيجاد مكان آمن حتى تنغلق الأجنحة بالضغط على زر وضع القيادة، حينها أيضًا تتبدل دواسة الوقود اليدوية بدواسة الوقود الخاصة بالسيارة. مع وجود شاشة عرض رقمية لتوضيح كافة الأدوات والمقاييس، والتي تتبدل كذلك مثل الدواسات حسب الوضع المختار.
وبالنسبة للوقود المُستخدم في "سويتش بليد" فهو بنزين خالٍ من الرصاص أو البنزين الممتاز للسيارات -وهو أرخص من الخاص بالطائرات-؛ مما يجعلها مناسبة للبيئة ومنافسة للطائرات الخاصة الفارهة.
كيف أمتلك "سويتش بليد"؟
أول سؤال سيتبادر إلى ذهنك هو سعرها، والذي يتراوح بين 170 – 195 ألف دولار أمريكي، ويمكن لأي أحد امتلاك السيارة حتى إن لم يكن طيارًا. لكن لقيادتها؛ لابد من امتلاك رخصة قيادة دراجة نارية ورخصة طيّار كونها مسجلة كدراجة نارية خاصة، أو سيارة متعددة الأغراض.
ولكي تصبح طيارًا، يجب ألا يقل عمرك عن 17 سنة مع إتقان اللغة الإنجليزية. وهناك شقين من عملية الحصول على رخصة طيّار، الأول أنك ستتعلم نظرية وقواعد الطيران من خلال دورة تدريبية عبر الإنترنت أو في مدرسة للطيران. أما الشق الثاني فستتدرب مع مدرب معتمد؛ لتعلم الطيران على أرض الواقع. حيث سيتاح التدريب الإقليمي عبر مدارس الطيران ومراكز شركة سامسون وذلك بعد إطلاق السيارة في الأسواق.
بدأت الشركة في استقبال طلبات الشراء وتلقت بالفعل مئات الطلبات، والمثير أن أكثر من نصف الطلبات المقدمة جاءت من غير الطيارين.
تحديات ومخاوف
على الرغم من أن السيارات الطائرة ستعالج مشاكل كثيرة، إلا أنه ما زالت هناك مخاوف وتحديات حولها. ولا تقتصر تلك التحديات على الأمور التقنية فقط، بل هناك تحديات تجارية وأخلاقية. إذ تُعدُّ قضايا السلامة من أهمها، فهي متعلقة بالنظام الخاص للسيارات الطائرة وحماية الركاب وأيضًا السلامة البيئية، كذلك قابلية تسويق السيارات الطائرة عبر تصنيعها بأسعار معقولة وتدريب الطيارين للحصول على الرخصة، إذ لا يثق معظم الناس في تقنيات القيادة الذاتية.
قد تُحدث السيارات الطائرة كذلك اضطرابات في النظم البيئية وانتهاك للخصوصية وتلوث للبيئة. إذ ستؤثر بالسلب على الطيور، ولن ننجو نحن كذلك من التلوث الضوضائي.
وعلى الرغم من أهمية استخدام السيارات الطائرة لحل مشاكل الضغط المروري التي تتزايد عالميًا سواء في الدول المتقدمة أو النامية، إلا أنها لن تلغي طرق النقل التقليدية، لكن بالتأكيد ستقلل من الآثار الناجمة عنها. كما ستحتاج عملية تهيئة طرق خاصة لتلك السيارات إلى تكاليف ووقت وتسويق جيد، سواء لإقناع المواطنين أو لخفض تكلفة السيارات الطائرة لتناسب شريحة أكبر من المواطنين.