على مدى العشر سنوات الماضية، ارتفع الطلب على العملات المشفرة بشكل كبير، ووصل إجمالي القيمة السوقية لها إلى أكثر من ثلاثة تريليونات دولار، مما شجع الكثيرين على تجربة حصتهم منها، ولكن هل فكرت يومًا أن تلك العملات قد يكون لها أضرار بيئية؟
تشير دراسة حديثة إلى أن العملة المشفرة الأكثر شهرة في العالم (بيتكوين)، لها تأثيرات مناخية تتجاوز تأثير تعدين الذهب، وتساوي تأثير النفط الخام وتربية المواشي، إذ وجد الباحثون أن الاستخدام المستمر للبيتكوين في شكله الحالي سيؤدي إلى أضرار بيئية لا يمكن إصلاحها في المستقبل.
تشير الدراسة أنه بين عامي 2016 و2021، في المتوسط، كان كل دولار أمريكي من القيمة السوقية للبيتكوين مسؤول عن 0.35 دولار من "الأضرار المناخية العالمية".
ووفقًا لتحليلاتهم، فإن كل عملية تعدين للبيتكوين ينتج عنها أضرار مناخية بلغت قيمتها حوالي 11.314 دولار أمريكي، خلال عام 2021، مع العلم أن إجمالي الأضرار العالمية لجميع العملات التي تم تعدينها خلال نفس العام تجاوزت 3.7 مليار دولار.
ماذا نعني بتعدين البيتكوين؟
هي العملية التي يتم من خلالها سك عملة بيتكوين جديدة عن طريق حل مجموعة من الألغاز الرياضية، من خلال أجهزة كمبيوتر عالية الكفاءة. في الماضي كان يتم تعدين البيتكوين باستخدام أجهزة كمبيوتر مع وحدات المعالجة المركزية العادية، لكن هذه العملية كانت تستغرق وقتًا أطول من اللازم، فتم استبدالها بأنظمة التعدين التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
الأثر البيئي للتعدين
يعد حساب البصمة الكربونية للعملات المشفرة عملية أكثر تعقيدًا. وتشير التقديرات إلى أن البيتكوين قد يكون مسؤولاً عن 65.4 ميجا طن من ثاني أكسيد الكربون سنويًا، وهذا يعادل حوالي 0.19٪ من الانبعاثات العالمية، وهذا يعادل إجمالي الانبعاثات الناتجة عن دولة اليونان.
وتقترن عملية التعدين بعملية كثيفة الاستهلاك للطاقة تسمى إثبات العمل، حيث يقوم عدد كبير من المُعدنين بإجراء عدة عمليات حسابية معقدة في آن واحد للتحقق من صحة المعاملات وتأمينها وتسجيلها، وبالتالي تحتاج هذه العملية إلى عدد كبير من خوادم الكمبيوتر القوية التي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة.
مع وجود مئات الآلاف أو أكثر من أجهزة الكمبيوتر التي تستخدم في تعدين البيتكوين، فإن كمية الكهرباء التي يتم استهلاكها في كل معاملة تقدر بنحو 707 كيلو وات في الساعة، فضلًا عن أجهزة الكمبيوتر التي تستهلك كميات إضافية من الطاقة والحرارة، ووفقًا لتحليل جامعة كامبردج فإن عملية التعدين تستهلك طاقة تقدر بنحو 100.35 تيرا واط/ ساعة سنويًا، وهذا أكثر من استهلاك دولة كالأرجنتين، كما أن معدل الاستهلاك زاد بمقدار 62 مرة ما بين عامي 2015 و2021.
وبصرف النظر عن انبعاثات الكربون فإن النفايات الإلكترونية الناتجة عن عملية التعدين تثير مخاوف كبيرة، حيث يولد تعدين البيتكوين ما يقرب من 43 ألف طن من النفايات الإلكترونية سنويًا.
وحذرت إحدى الدراسات من أن البيتكوين من الممكن أن يؤدي إلى زيادة الاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين، وقدرت أخرى أن تعدين البيتكوين في دولة كالصين يمكن أن يولد حوالي 130 مليون طن متري من غاز ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2024، ومن الممكن أن تزداد هذه النسبة ما لم يتم الاعتماد على طرق أكثر استدامة، وخاصة مع انتقال التعدين إلى الولايات المتحدة ودول أخرى.
الإجراءات
في وقتنا الحالي، تواجه العديد من المنظمات حول العالم ضغوطًا للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي واستهلاك مصادر الطاقة غير النظيفة.
وإدراكًا للتأثير البيئي للعملة المتعطشة للطاقة، أطلقت أكثر من 200 شركة وفرد اتفاقية المناخ للعملات المشفرة العام الماضي، والتي تهدف إلى جعل العملة المشفرة صديقة للبيئة من خلال الوصول إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2030.
في عام 2018 وفي ضوء العواقب البيئية السلبية، كانت مدينة بلاتسبورج في ولاية نيويوك، أول مدينة أمريكية تحظر تعدين العملات المشفرة، كما أقر المجلس التشريعي لولاية نيويورك مشروع قانون من شأنه فرض حظر لمدة عامين على استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالوقود الأحفوري، وذلك لتقييم المخاطر البيئية لمنشآت تعدين العملات المشفرة.
وفي عام 2020، سيطرت الصين على أكثر من 65٪ من طاقة المعالجة العالمية التي تدير شبكة البيتكوين، ومع ذلك اتخذت مؤخرًا مجموعة من الإجراءات الصارمة ضد التعدين بسبب مخاوفها من الاستهلاك الهائل للطاقة، والذي يعمل ضد هدفها في الوصول للحياد الكربوني بحلول عام 2060.
نحو عملات مشفرة مستدامة
ماذا لو كان من الممكن تعدين البيتكوين باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، كالرياح أو الطاقة الشمسية أو الطاقة الكهرومائية؟
وفقًا لتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ فإننا بحاجة ماسة للوصول إلى صافي الصفر بحلول عام 2030، وتحقيقًا لهذه الغاية، يعمل علماء البيئة والخبراء التقنيون على تطوير حلول مبتكرة وصديقة للبيئة للتقليل من التلوث وتكاليف الطاقة الناتجة عن تعدين البيتكوين، ومنها:
1-إنشاء معدات تعدين أكثر استدامة: عن طريق تطوير تقنيات الحوسبة الأكثر كفاءة في استخدام الطاقة على نطاق واسع، ففي فبراير من العام الجاري أعلنت شركة إنتل تصنيعها لأشباه موصلات "موفرة للطاقة"، مصممة خصيصًا لتعدين العملات المشفرة، والتي تعمل على زيادة القدرة الحسابية بنسبة 95%، وتقلل من التكاليف واستهلاك الطاقة.
2- الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة: على الصعيد العالمي، تشير التقديرات إلى أن استخدام الطاقة المتجددة لتعدين البيتكوين يتراوح ما بين 40% إلى 75%، لكن بشكل عام، يقول الخبراء إن استخدامها سيؤدي إلى عدم وجود فائض لتشغيل المنازل أو المصانع.
3- تغيير طريقة تعدين البيتكوين بشكل أساسي: فعّلت بعض العملات المشفرة الصغيرة طرقًا مبتكرة لتوزيع العملات المعدنية، على سبيل المثال توزع العملة المشفرة "سولار كوين" عملتها كمكافأة للمنشآت التي تعمل بالطاقة الشمسية، يتلقى عمال المناجم 1 سولار كوين مقابل كل ميجاواط/ساعة يتم توليدها من تكنولوجيا الطاقة الشمسية.
4- ائتمانات الكربون: قد يؤدي تطبيق أرصدة الكربون الحكومية لشركات تعدين العملات المشفرة إلى شراء أرصدة الكربون من شركات أخرى، مما قد يساعد في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة على مستوي العالم.
المخاوف المتزايدة بشأن تغير المناخ تجعل من الضروري اللجوء إلى حلول مبتكرة وصديقة للبيئة، وبالتالي يتعين على الحكومات والمُعدنين في جميع أنحاء العالم الاعتماد على تقنيات جديدة للحد من نفايات التعدين، وبالتالي المساهمة في مستقبل مستدام للعملات المشفرة.