خطأ طبي أم ثورة علمية في فهم الذاكرة ؟!

 

  • هل تتذكر ما فعتله بالأمس؟
  • لا..
  • ماذا عن هذا الصباح؟
  • لا ..
  • هل تستطيع إخباري في أي يوم نحن من أيام الاسبوع؟
  • لا أستطيع

حوار مُسجل مع هنري عام 1992

"الرجل الذي نسي كل شىء" " الرجل ذو ذاكرة الـ 30 ثانية" كلها ألقاب لواحدة من أشهر حالات فقدان الذاكرة التي تم دراستها على مر العصور. إنه هنري مولايسون المعروف بHM  تُدرس حالته منذ أواخر سنة 1957 حتى وفاته عام 2008.

من أعظم المآسي تنتج أكبر الاكتشافات

حادث صغير أشعل عدة أحداث سلبت الحياة الطبيعية من بطل قصتنا اليوم هنري ملايسون، ولكنها ساعدت العلم في كشف الستار عن أعظم الأسرار الغامضة  عن العقل.. كيف تعمل ذاكرتنا؟.

حينما كان بعمرالسبعة أعوام  يلهو بدراجته، اصطدم هنري بدراجة أخرى، فسقط على الأرض، لكنه في الأخير كان بخير، إلا أن هذا الحادث سيترك أثاره المُدمرة لاحقًا؛ فحين بلغ عمره الـ 16 عام، وبينما هو  في سيارته أُصيب بنوبة تشنجات مهولة في كامل جسده تُسمي ( الصرع).

CC BY SA Laszlo Seress

في عامه 27  زاد مرضه لدرجة وجب عليه أن يخضع لجراحة على يد شخص وصفه زملاءوه بأنه: رجل لا يلتزم بالقواعد أو القوانين، إنه الجراح (ويليام سكوفيل) الذي ظن أن منطقة من دماغ هنري هي التي تتسبب في نوبات الصرع، و تُدعي (hippocampus)  الحُصيْن أو حصان البحر - وذلك للتشابه الشكلي الكبير بينهما، حيث كان المُعروف عنها في ذلك الوقت قليلًا، إذ لم يستطع الأطباء اكتشاف الدماغ إلى هذا الحد من قبل، ولكن ويليم لم يكن يحتاج إلا لبعض أدواته والعشوائية في إتخاذ قراراته والتي كانت مُدمرة في هذه الحالة؛ فأزال الحصين من دماغ هنري ليري ماذا سيحدث!

والنتيجة؟ 

ليس من الغريب أن يستقيظ هنري ليجد نفسه شخصًا آخرًا تمامًا عما سبق، نعم مازال محتفظًا بشخصيته، لكنه لا يستطيع تكوين أي ذكريات جديدة إطلاقًا، وكأن الزمن توقف به من فترة  طفولته إلى ما قبل الجراحة.

  • "نعم أظن أنني خضعت لعملية جراحية أو شىء من هذا القبيل.."
  • هل تستطيع إخباري عن ذلك
  • لا أتذكر
  • هل تتذكر اسم مثل ويليام سكوفيل؟
  • لا أتذكر"

 في البداية ظهر دكتور سكوفيل غير مبالي بما فعله، في النهاية أقر أن هذه الجراحة كانت درب من دروب العبث، وحثّ زملاؤه على عدم الإقدام على شىء من هذا  القبيل، ونشر بحث عن نتائج إزالة الُحصين من المخ. لعل الشىء الوحيد الجيد فيما قام به سكوفيل هو أنه دوّن بعض الكتابات والرسومات الدقيقة لما فعله وما تم إزالته من مخ هنري بالتفصيل، بهذا أنتج إنسان بلا ذاكرة بشكل مثالي.

اقرأ أيضاً:  لماذا يُعد الكلام ابتكارًا بشريًا؟

على جانب آخر كان دماغ هنري منجم ذهب للباحثين في علم النفس والمخ المهتمين بمعرفة كيفية بناء الذكريات عند البشر، فعلى مدى الخمسين سنة التالية كان يتم زيارته يوميًا من قبل الباحثين المتشوقين للعمل علي أبحاثهم.

أنه من المذهل عدد الابحاث القائمة على حالة هنري فقط التي وصل عددها إلى 10 آلاف، بدايةً من دراسة محتوى أحلامه مرورًا بذاكرته واستجابته للألم، وبذلك تُعد ثورة في مجال علوم الدماغ.

تجربة المرآة - اكتشاف ينسف ما قبله*

لكن تجربة بسيطة لا تتضمن أكثر من مرآة كانت السبب في الكشف عن مدى أهمية حالة هنري، إذ كان يُطلب من هنري أن يرسم خطًا في القناة بين النجمتين باستخدام القلم، على أن يرى حركة يده وهو يخط بالقلم من خلال مرآة؛ القيام بهذا الشيء من خلال المرآة هو شيء جديد، ولم يعتاد عليه هنري من قبل، وحينما قام بالتجربة بدأ بالخروج من الخط، لأن المرآة تعكس حركة اليد، ليصبح اليمن يسارًا واليسار يمينًا، فكان سرعان ما يبتعد الخط إلى خارج القناة بين النجمتين.

كلما عادت الدكتورة لاختباره يومًا بعد يوم، كانت قدرة هنري على الرسم بداخل القناة تتضاعف، حتى أصبح قادرًا على رسم الخط بدقة كبيرة وبسرعة، رغمًا عن عدم تذكره بالقيام بالتجربة هذه ولا مرة واحدة (وكأن يده تتذكر!) لكن عيناه نسيتا. حتى أنه لما رأى التجربة للمرة الثلاثون اعتقد أنه سيواجه صعوبة في رسم الخط، ولكن اكتشف أن الأمر كان سهلًا بالنسبة له، بالرغم من أنه قام بهذه التجربة لأول مرة في حياته، كما كان يظن.

تبين من ذلك أنه فقد القدرة على تكوين ذكريات في العقل الواعي، ولكنها لم تؤثر على قدراته التعليمية في الانشطة التي تتطلب ذاكرة حركية مثل ركوب الدراجة، فبالتالي لابد من وجود جزء آخر من المخ مختص بمعالجة الانشطة الحركية، وكانت المفاجأة وجود أنواع من الذاكرة وذلك كان بمثابة إنجاز ضخم لأننا لم نكن نعرف عن وجود أنواع متعددة من الذاكرة.

توفي هنري غوستاف مولاياسون سنة 2008 وهو في سن الـ 82، أُخذ مخه، وقُطع إلى 2041 شريحة، وصورت الشرائح للدراسة، حضر جنازته العديد من الأكاديمين المدينين له بنسف ما نعرفه تمامًا عن الذاكرة وفهم حقيقتها.

1 comments
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
جيمس أليسون, تاسكو هونجي, جائزة نوبل في الطب 2018, جائزة نوبل, طب, السرطان, علاج السرطان, اكتشافات علمية
طالع المزيد

العلاج المناعي للسرطان يربح جائزة نوبل في الطب لعام 2018

حاز تاسكو هونجي، جيمس أليسون على جائزة نوبل في الطب لعام 2018 عن اكتشافهما علاج للسرطان، من خلال تثبيط الآليات التي تعمل على إبقاء الجهاز المناعي تحت السيطرة.
Total
0
Share