حبس العالم أنفاسه وهو يتابع رحلة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي إلى تايوان منذ أكثر من شهر، بينما كانت نذر الحرب تتصاعد في خليج تايوان، وارتفعت لهجة التهديد المتبادل بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية، التي اعتبرت الزيارة تعدياً على سيادتها الوطنية، بينما ترى الولايات المتحدة أهمية الزيارة لتأكيد وقوفها بجانب تايوان، خاصة في وقت تزايدت فيه المخاوف من اجتياح صينى للجزيرة مثل الاجتياح الروسى لأوكرانيا.
إلا أن الهدف الأهم من الزيارة هو تأمين المصالح الأمريكية في الحصول على الدوائر المتكاملة الأكثر تقدمًا، التي تنتج حصريًا في تايوان، وتدخل في منتجات الشركات الأمريكية الكبرى مثل: شركة آبـل الرائدة في صناعة الهواتف المحمولة، وشركة الأجهزة الدقيقة المتقدمة (إيه إم دي) الرائدة في صناعة وحدات تشغيل الحواسب، وشركة إنفيديا الرائدة في صناعة منصات الذكاء الاصطناعى وعلم الروبوتات.
تلك الرقائق المتقدمة من أشباه الموصلات تدخل في صناعات السيارات عالية الأداء وذاتية القيادة، ومعدات الاتصالات، والحواسب، والطاقة النظيفة، والرعاية الصحية.
وهنا، نلقي الضوء على مشكلة نقص تلك الرقائق، والدور العالمى الكبير لدولة تايوان في علاج هذا النقص، وسعي الدول إلى توطين صناعة رقائق أشباه الموصلات الأكثر تقدمًا في أراضيها، تحسبًا لأزمات مستقبلية قد تهدد النظام العالمى، بالإضافة إلى مستقبل هذه الصناعة في إحدى دول المنطقة، مصر.
أزمة نقص رقائق أشباه الموصلات المتقدمة
يعاني الاقتصاد العالمى من الركود والتضخم بسبب جائحة كوفيد-19 منذ أواخر عام 2019، وتلتها الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنهما من تعطيل سلاسل الإمداد التي تعد من أهم آليات العولمة.
ويرجع النقص في رقائق أشباه الموصلات إلى أوائل عام 2020، حيث لزم الناس منازلهم للحد من انتشار الوباء، وتوقفت المصانع في العديد من المجالات التي تستخدم الرقائق المتقدمة عالميًا عن العمل.
وتظهر التقارير العالمية أن مشكلة نقص الرقائق لن تنتهي قريبًا نظرًا لوجود العديد من المشاكل المتعلقة بالتوريد، وفيما يلي ثلاثة أسباب رئيسية لنقص تلك الرقائق:
أولًا: قطاع السيارات العالمي
يعتبر قطاع السيارات الحديثة أحد أسباب نقص رقائق أشباه الموصلات، حيث تستخدم رقائق الكمبيوتر في السيارات الحديثة وأنظمة الأمان المرتبطة بالقيادة، وفي بداية تفشي الوباء علقت شركات صناعة السيارات طلبيات الرقائق الجديدة، متوقعة انخفاضًا في الطلب على السيارات الجديدة.
وتحاول شركات صناعة السيارات والحكومات حاليًا تعزيز إنتاج رقائق الكمبيوتر مما سيستغرق بعض الوقت حتى يعود السوق إلى حالة الاتزان بين العرض والطلب.
تعتقد شركة فولكس فاجن الألمانية أن المعروض من أشباه الموصلات من غير المرجح أن يلبي طلب صناعة السيارات حتى عام 2024.
ثانيًا: ارتفاع الطلب على الأجهزة الإلكترونية
خلال فترات الإغلاق بسبب تفشي الوباء لزم الناس منازلهم، واستعانوا بالمعدات الإلكترونية المنزلية الحديثة للتواصل والعمل عن بعد، وأدى ذلك إلى زيادة هائلة في الطلب على الأجهزة الإلكترونية، ولم تستطع الشركات المنتجة مواكبة الطلب، فقد كان العرض إما محدودًا أو مقيدًا.
ثالثًا: سلاسل الإمداد والتوزيع اللوجستي
بخلاف المشكلة الرئيسية المتعلقة بنقص إنتاج الرقائق، هناك مشكلة نقل الرقائق من مكان إلى آخر، فقد أدت الجائحة إلى تعطيل سلاسل الإمداد التي تعد أحد أهم آليات العولمة، وحتى الآن لم تلتئم سلسلة التوريد بعد، بل إنها تفاقمت بسبب الحرب الروسية الأوكرانية.
الشركات التايوانية
أحرزت الشركات التايوانية تقدمًا كبيرًا فى إنتاج الدوائر الإليكترونية الأكثر تقدمًا في العالم، وبالرغم من هذا التقدم الكبير فإن المخاوف من الغزو الصيني، وعمليات الإغلاق، واضطرابات سلسلة التوريد، وغيرها من المخاطر، تمثل مصدر قلق للمستثمرين والشركات الكبرى التي تتعامل مع الشركات التايوانية، ومن بين أهم هذه الشركات، شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة وشركة الأجهزة الدقيقة المتقدمة.
تأثيرات أزمة نقص المكونات الإلكترونية
أدى نقص المكونات الإليكترونية إلى موجة من الركود والتضخم بسبب النقص الحاد في الرقائق المتاحة لتصنيع السيارات الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السيارات المستعملة وبالتالي دفع التضخم إلى أعلى.
وخلال السنوات الأخيرة انخفضت حصة الولايات المتحدة من إنتاج الرقائق العالمي بشكل حاد، في حين استثمرت الصين ودول أخرى بكثافة في هذه الصناعة.
لذلك أقر مجلس النواب الأمريكي مؤخرا التشريع CHIPS 2022 الخاص بتصنيع رقائق أشباه الموصلات داخل الولايات المتحدة الأمريكية، لتعزيز القدرة التنافسية للولايات المتحدة مع الصين، ويشمل هذا التشريع، المعروف بقانون الرقائق والعلوم، تخصيص أكثر من 52 مليار دولار من الإعانات للشركات الأمريكية المنتجة لرقائق الكمبيوتر، فضلاً عن مليارات أخرى من الإعفاءات الضريبية لتشجيع الاستثمار في تصنيع الرقائق في الولايات المتحدة مع الحد من الاعتماد على المصادر الأجنبية، كما يوفر التشريع عشرات المليارات من الدولارات لتمويل البحث العلمي، وتحفيز الابتكار والتطوير في التقنيات الأمريكية الأخرى.
وتقوم شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات المحدودة ببناء مصنع في ولاية أريزونا الأمريكية، ومن المنتظر أن يبدأ الإنتاج عام 2024.
مشروع المجمع الصناعى لرقائق أشباه الموصلات في مصر
تأثرت مصر كغيرها من الدول بالأحداث العالمية السابق ذكرها، وفي مواجهة المخاطر الناشئة عن تهديد سلاسل الإمداد من الخارج، كان من الضروري أن تحتفظ مصر على أراضيها بضمانات تحقق استقرارها، وأن تقوم الدولة بتعظيم اعتمادها على الموارد المحلية لتلبية احتياجاتها، وأصبح من الضرورة الدخول في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات من الرمال البيضاء المتوفرة في صحراء سيناء، وبالفعل تم اتخاذ قرار بمنع تصدير هذه المادة الخام إلى الخارج، وقد قاربت مصر بالفعل على الانتهاء من مشروع المجمع الصناعي للشرائح الإلكترونية في جنوب الصعيد.