في الوقت الذي تتناقل فيه عدة وسائل إعلامية محلية عالمية، مزاعم عن سرقة أعضاء سائح بريطاني كان يزور البلاد مؤخرًا، وبينما توجه دراسات وتقارير إعلامية أجنبية أصابع الاتهام لمصر، بكونها حاضنة لسوق سوداء خاصة بالاتجار بالإعضاء البشرية، نظمت وحدة أبحاث القانون والمجتمع في الجامعة الأمريكية، ندوة تناقش القوانين المنظمة لنقل الأعضاء في مصر.
وهذا وقد أدارت الندوة الأستاذة «نوران أحمد» الباحثة بالوحدة البحثية التابعة للجامعة الأمريكية، مستضيفًة كل من الدكتور «عبد الحميد إباظة»، وهو مساعد وزير الصحة الأسبق ورئيس اللجنة التي أشرفت على إعداد أول قانون مصري متكامل لتنظيم عمليات نقل الأعضاء البشرية، والدكتور «علاء غنام» خبير السياسات الصحية، ورئيس برنامج الحق في الصحة بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
قانون متأخر لكن متكامل
بدأت الندوة بكلمة د.أباظة التي شرح فيها أبعاد قانون 5 المصري لتنظيم الإعضاء الذي تم الانتهاء منه عام 2010، بحيث أوضح القانون المؤسسات المنوطة بتولي عملية تنظيم زراعة الأعضاء وهي اللجنة العليا لزرع الأعضاء البشرية وأمانتها الفنية، كما بين القانون أسس التبرع بالأعضاء سواء ما بين الأحياء أو ما بعد الوفاة.
اقرأ نص القانون كاملا من هنا: قانون رقم "5" لسنة 2010
كما أضاف أن القانون المصري حظر زرع الأعضاء من مصريين إلى أجانب لكي لا نتحول إلى «قطع غيار» لغير المصريين على حد تعبيره، إلا أنه سمح بزراعة الأعضاء من أجنبي إلى أجنبي في مصر شريطة موافقة بلاده، وهو ما يدعم السياحة العلاجية في مصر التي يتسم أطباؤها بالتميز.
على كلٍ أشار أباظة في كلمته إلى أن القانون المصري جاء متأخرًا للغاية عن سائر دول العالم بل ودول المنطقة العربية، وأن مناقشة القانون امتدت لقرابة 14 سنة قبل إصداره، إلا أنه فور الانتهاء منه كان قانونًا متكاملًا، أشادت دول العالم به.
تطرق أباظة أيضًا في كلمته إلى قضية زراعة قرنية العين، والتي أثارت ضجة قبل عدة شهور بعد أن اشتكى أحد المواطنين من نزع قرنية أخيه المتوفي، دون إخطاره. ليوضح أن زراعة القرنية لا تندرج تحت قانون 5، الذي يشترط الإرادة الحرة في التبرع، فتلك العملية تتبع قانون رقم 79 لتنظيم بنوك قرنيات العيون، الصادر بتاريخ عام 2003، والذي يسمح بانتزاع شريحة من قرنية المتوفي دون الحاجة إلى موافقة أهله.
موضحًا أنه خلال مناقشة قانون 5 أشرنا إلى أنه يجب تعديل القانون ليسمح بموافقة الأهل، إلا أننا يجب أن نتنبه أن الشريحة التي تؤخذ من القرنية لا تشوه الجثة نهائيًا، وتلك الشريحة قد تعيد نعمة الإبصار للعديد من المرضى.
اختتم أباظة حديثه مشيرُا إلى:
الحل الوحيد لمكافحة عصابات الاتجار بالأعضاء هي تطبيق هذا القانون بحذافيره، مضيفًا؛ إلا أن سمسرة الأعضاء لن تنته طالما كان هناك فقر وأمية.
جوانب حقوقية
افتتح د.علاء كلمته بقوله:
من وجهة نظر حقوقية، بصفتي مسؤول عن برنامج لحقوق الإنسان، أود أن أوضح أن نقل الأعضاء يتوافق تمامًا مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، كالحق في الصحة والحق في الحياة، ومع التعليق العام رقم 6، الذي يفيد بأهمية اتخاذ كل التدابير الممكنة لزيادة معدل عمر الإنسان.
ومنوهًا أن يتم ذلك وفقًا للمعايير الدولية، التي تؤكد على ضرورة وجود صلة جينية أو قانونية أو عاطفية بين المتبرع والمتلقي، وأن يتم ذلك مجانًا دون دفع أموال أو مكافآت، إلا بعض المصاريف المعقولة بما فيها ما يوفي خسارة الدخل.
وبالحديث عن معوقات تطبيق القانون، أشار علاء إلى غياب ثقافة التشجيع على التبرع بالأعضاء، وأن مجتمعنا لم يتشرب بعد ثقافة التبرع من الموتى إلى الأحياء، وإن كانت «هي الرهان الحقيقي في التعبير عن رقي أي مجتمع» على حد تعبيره.
وأضاف كذلك بوجود عدة معوقات اقتصادية واجتماعية تدفع لوجود سوق سرية للأعضاء، وغياب نظام مصري صحي متكامل، يتيح الخدمة بشكل عادل لكل فئات المجتمع.
ليجيب في آخر كلمته عن سبب تأخر صدور القرار، أن أحد الأسباب تعود إلى جدل طبي فقهي حول تعريف الموت، وهل يعد الشخص الذي مات جذع مخه ميتًا، أم أن الموت يستلزم توقف كل أعضاء الجسم عن العمل.
قضايا خلافية
شمل الجزء الأخير من الجلسة فقرة نقاشية، شارك فيها جمهور الحضور الذي شمل أطباء وحقوقين ورجال دين وقانون، برزت فيها بعض نقاط الخلاف وبعض التساؤلات الهامة.
حيث عبر الدكتور «عبد الغني هندي» عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، عن تعجبه من غياب مشاركة من المؤسسة الدينية في منصة الندوة، مشيرًا إلى أن المؤسسة الدينية لم تعارض سابقًا سواء عمليات نقل الدم أو القرنية، وإن كان هناك خلاف فقهمي حول هل يملك الشخص أعضاءه ليتبرع بها، وعن مفهوم تحديد الموت، فإن الفقه تطور وتجاوز تلك النقاط، بل إن «مجمع البحوث الإسلامية» طالب منذ الثمانينيات بإيكال أمر تحديد الوفاة إلى الأطباء.
اقرأ : فتوي دار الإفتاء في زراعة الأعضاء
من جانبه أثار د. عاطي السنباطي من مكتب وكيل الأزهر، أزمة تحديد الوفاة، مشيرًا أن بعض الأطباء أخبروه أن الميت جذع مخه لايزال يعد حيًا، ليرد د.أباظة: أن ذلك الأمر حسم منذ زمن، والعودة للحديث عنه ارتداد لأفكار الماضي.
أجاب د.أباظة أيضًا على تساؤلات حول جاهزية الجهات الأمنية للتصدي لشبكات عصابية مشابهة، وعن الثغرات القانونية التي قد يفلت من خلالها المجرمون، بأنه خلال تفعيل القانون انخفضت معدلات الجريمة بشكل ملحوظ، إلا أن الأوضاع تغيرت منذ عام 2014 لأسباب رفض الإفصاح عنها.
من أبرز الحاضرين أيضًا كان الدكتور «أيمن مكاوي» مقدم البرنامج التلفزيوني الطبي«الحكيم في بيتك»، الذي أشار إلى أهمية دور الأعلام في تشجيع ثقافة التبرع بالأعضاء، وتوضيح النقاط الخلافية أو المبهمة منها للجماهير.