في عام 1965 قام الطالب «راندي جاردنر» بتطبيق تجربة توقف فيها عن النوم، ونجح في تسجيل 11 يومًا و ٢٤ دقيقة بدون نوم، محققًا بذلك رقمًا قياسيًا جديدًا في موسوعة جينيس للأرقام القياسية. لا يكمن الأمر في الرقم، وإنما في منع هذا النوع من تسجيل الأرقام الخاصة بتجارب الحرمان من النوم، خصوصًا بعد ظهور مخاطرها على الصحة البشرية.
ربما يجب أن تعلم الآن أن لاضطراب النوم آثارًا سلبية على صحتك العقلية واتزان جسدك وتقلباتك المزاجية، كما يرتبط النوم بالصحة الفسيولوچية للإنسان أيضًا. لذا إن كنت تعاني من اضطرابات في ساعات نومك، فاعلم أنك على حافة خطر، ربما يتفاقم ليودي بصحتك المستقبلية، وبالأخص تلك المتعلقة بأمراض القلب وتصلب الشرايين.
قلة النوم قد تؤدي إلى تصلب الشرايين
في الـ 13 من فبراير/شباط 2019 نشرت مجلة «نيتشر - Nature» دراسة تم إجراؤها بمستشفى ماساتشوستس العام في بوسطن بالولايات المتحدة الأمريكية، توضح علاقة بين قلة النوم وبعض الأمراض؛ أظهرت أن عدم الكفاية من النوم يزيد من خطر حدوث مشكلات صحية كبيرة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية، من أبرزها ؛ «تصلب الشرايين - Atherosclerosis».
تحدث مشكلة تصلب الشرايين في العموم نتيجة تراكم مواد دهنية مثل الكوليسترول بين بطانة جدار الشرايين وعضلاتها الملساء، حينها يفزع الجهاز المناعي ويبدأ في تسخير الخلايا البيضاء لتكسير هذه الدهون والتخلص منها، لكن سرعان ما تنقلب هذه الفرقة من الجيش المناعي على الجسم، إذ تتراكم كريات الدم البيضاء بمكوناتها الإلتهابية بمرور الوقت مع الكوليسترول، مكونة كتلة دهنية صلبة تساهم في حدوث خطر تصلب الشرايين، وهو ما يؤدي إلى عجز في صحة الجهاز الدوري.
وأضافت الدراسة أن النوم بشكلٍ كافٍ يحمي من تراكم المواد الدهنية بما فيها الكوليسترول، ونتيجة لذلك يساهم في تحجيم تصلب الأوعية الدموية. وضحت الدراسة كذلك، الآلية التي يؤدي بها عدم كفاية النوم إلى زيادة إنتاج خلايا الدم البيضاء، المعروفة بأنها من العوامل الرئيسية المساهمة في تصلب الشرايين.
كيف يحميك النوم من هذا الخطر؟
يصرّح الدكتور «فيليب سويرسكي» في البيان الصحفي المرافق للدراسة، والذي يعمل في مركز أبحاث مستشفى ماساتشوستس لبيولوجيا الأنظمة، وأحد المشاركين الرئيسيين في الدراسة، قائلًا:
لقد اكتشفنا أن النوم يساعد على تنظيم إنتاج النخاع العظمي للخلايا الالتهابية، وهو ما يعزز من صحة الأوعية الدموية، وعلى النقيض، يُخل اضطراب النوم بالسيطرة على إنتاج هذه الخلايا، مما يؤدي إلى المزيد من الالتهابات والمزيد من أمراض القلب.
للتحقق من مدى العلاقة بين الحصول على قسط كافي من النوم والحماية من خطر التصلب، قام فريق سويرسكي بتعريض فئران تم برمجتها جينيًا لتطوير تصلب الشرايين، إلى انقطاع متكرر في النوم.
وفي حين لم تكن هناك تغيرات في الوزن ومستويات الكوليسترول أو الجلوكوز في الفئران مضطربة النوم عن الفئران التي نامت بشكل كافي، إلا أن الفئران التي تعرضت لاضطراب النوم كان لديها قدرة أكبر على تطوير كتل دهنية في جدران الشرايين، كما كانت لديها مستويات أعلى من مكونات كريات الدم البيضاء الالتهابية المعروفة باسم «Monocytes» و«Neutrophils»، وفي تجارب أخرى اكتُشف أن الفئران المحرومة من النوم، قد أنتجت في نخاعها العظمي تقريبًا ضعف المقدار من الخلايا الجذعية المسؤولة عن تكوين الكريات البيضاء بذاتها.
للأمر بُعد هرموني مساهم أيضًا، حيث أضاف دكتور سويرسكي في تصريحه أنه تم تحديد هرمون دماغي في نخاع العظم لديه القدرة على التحكم في عمليات ضبط النوم واليقظة، مما يساهم في الحماية من أمراض القلب والأوعية الدموية. وهذا الهرمون هو «الهيبوكريتين - Hypocretin» الذي يتم إنتاجه من منطقة تحت المهاد بالمخ، المعروفة بدورها الهام في تنظيم عملية النوم، والذي وُجد أن لها دورًا كبيرًا غير متوقع في تنظيم إنتاج الكريات البيضاء!
يتم إفراز هذا الهرمون - في الحيوان والإنسان على حدٍ سواء - بمستويات عالية أثناء ساعات اليقظة، وكان من الطبيعي إنخفاض مستواه بشكلٍ ملحوظ عند الفئران المعرضة لاضطرابات في نومها، عن تلك التي تحصل على نوم طبيعي آمن، لينتج عن ذلك خلل في إنتاج كريات الجهاز المناعي البيضاء، وهو ما يعني أن الهيبوكريتين يعتبر وسيط هام لحدوث الإلتهابات كما أضاف سويرسكي.
رغم ما توصلت إليه الدراسات، إلا أننا الآن ما زلنا بحاجة لتكثيف دراسة هذا المسار، والبحث عن آليات إضافية يحافظ بها النوم على صحة الأوعية الدموية، ويساهم بها في حماية الإنسان من مخاطر قد تقلل من عمره الإفتراضي أو تؤثر على جودة صحته العامة.
كم نحتاج من النوم حقًا؟
تقدم اللجنة التي تعقدها مؤسسة النوم الوطنية توصياتها التي انطوت على تحديد عدد ساعات النوم التقريبي الذي يحتاجه كل شخص على أساس العمر، بدءًا من الأطفال حديثي الولادة وصولًا إلى البالغين الذين يبلغون من العمر 65 عامًا فما فوق.
وعلى الرغم من أن البحث لا يستطيع تحديد عدد محدد ودقيق من احتياجات النوم للأشخاص من مختلف الأعمار، فإن المخطط الجديد يحتوي على الحد الأدنى والحد الأقصى للنطاقات الصحية بالإضافة إلى الحدود الموصى بها، ومع ذلك، من المهم الانتباه إلى الاحتياجات الفردية الخاصة بك من خلال تقييم ما تشعر به من خلال تجربة عدد ساعات مختلفة من النوم.
وقد صرحت مؤسسة النوم الوطنية، بأن النطاقات الصحية للنوم تقع في الحدود التالية:
1. المواليد الجدد (0-3 أشهر): 14-17 ساعة يوميًا.
2. الرضع (4-11 شهر): 12- 15 ساعة يوميًا.
3. الأطفال الصغار (1-2 سنة): 11- 14 ساعة يوميًا.
4. مرحلة ما قبل المدرسة (3-5): 10- 13 ساعة يوميًا.
5. الأطفال في سن المدرسة (6-13): 9 - 11 ساعة يوميًا.
6. المراهقين (14-17): 8 - 10 ساعات يوميًا.
7. البالغين الأصغر سنًا (18-25): 7 - 9 ساعات يوميًا.
8. البالغين (26-64): 7 -9 ساعات يوميًا.
9. كبار السن (65+): 7 - 8 ساعات يوميًا.
جزاكي الله خيرا دكتورة ياسمين و ان شاء الله من نجاح الي اخر