مرحبًا بك في "واحة الديناصورات" وفي قولٍ آخر "واحة الموت"! أنت الآن تقف وحيدًا على ضفاف "نهر العمالقة" حيث تتبارى الحيوانات الأشرس على الإطلاق في صراعات دامية من أجل البقاء.
ليس أمامك سوى اختيار واحد من تلك الكائنات الضخمة ليكون حليفك في تلك الرحلة لتنجو من ذلك المكان الدامي وتعود إلى موطنك الذي يبعد حوالي 100 مليون سنة.
حسنًا، هل تختار تلك الزواحف الطائرة التي تحوم في السماء من حولك؟ أم تختار "سبينوصورس"، أضخم ديناصور مفترس عاش على وجه الأرض؟ أم أنك نباتي تفضل "إيجيبتوصورس" أو "منصوراصورس" آكلي العشب؟
أم ستفعلها وتختار أشرسهم ليكون حليفك؟ لكن هل تعتقد حقًا أن بإمكانك ترويض أحد أشرس الكائنات التي وطأت الأرض، بطول 6 أمتار، وفكيه المفترسين وأسنانه البارزة كنصال السكاكين وقدماه الخلفيتين المدججتين بالعضلات الضخمة التي تمكنه من الفتك بأعدائه والذي اعتبره العلماء "تي ريكس قارات العالم الجنوبية القديمة" وأي نوع من ديناصورات تي ريكس؟ تي ريكس الأمبراطور! نتحدث هنا عن "هابيل المصري". أحدث الاكتشافات الجيولوجية، وإنجاز دولي بقيادة فريق مصري على أرض صحراء مصر الغربية.
لعل كونه أحد أفراد عائلة "الأبيلوصوريات" الضخمة آكلة اللحوم والمعروفة أيضًا بـ "ديناصورات هابيل" هو ما أكسبه اسمه؛ تكريمًًا للعالم الأرجنتيني "روبرتو هابيل" مكتشف أول حفرياتها.
لو عدنا بالزمن للخلف ملايين السنين، تحديدًا للعصر الطباشيري، لوجدنا الأرض مقسمة لقارتين فقط، ووجدنا ديناصورات "تي ركس" الشرسة تجوب أنحاء القارة الشمالية "لوراسيا"، بينما تجوب نظيراتها من عائلة "هابيل" القارة الجنوبية "جندوانا". مع ذلك "هابيل المصري" هو أول تسجيل لوجود أفراد من عائلة "هابيل" في المنطقة "الأفرو-عربية".
لا تنتهي الرحلة باكتشاف الحفرية، إنما تبدأ..
عام 2016، في إحدى البعثات الاستكشافية الاعتيادية لصحراء مصر الغربية، تحديدًا في الواحات البحرية، اجتمع فريق مركز الحفريات الفقارية بجامعة المنصورة بمصر مع مجموعة من باحثي وزارة البيئة. ومن هنا بدأت القصة، إذ أسفرت بعثتهم عن العديد من البقايا الأحفورية والكنوز الجيولوجية المحجوبة في صخور تلك الصحراء، وكان من بينها "فقرة" عُثر عليها بالقرب من جبل "الدست" في المنطقة الشمالية من منخفض الواحة البحرية. أدرك الباحثون حينذاك أن الفقرة مميزة، لكن ما لم يكونوا على علم به، هو أن تلك الأحفورة المطموسة بين الرمال والمغطاة برواسب من الحديد، هي الخيط الذي سيقودهم لكشف سر جديد عن العصور السحيقة والكائنات الفتاكة التي عاشت على أرض مصر.
لبضعة سنوات منذ اكتشافها، عكف الباحثون على استقصاء أصل الأحفورة ودراستها وتحليل خواصها التشريحية تحليلًا تفصيليًا ومقارنتها بآلاف الحفريات والأدلة السابقة حتى توصل "بلال سالم"، الباحث الرئيسي للدراسة والمعيد بجامعة بنها وعضو فريق "سلام لاب" والمبتعث لجامعة أوهايو الأمريكية، إلى أن تلك "الفقرة" المكتشفة تمثل الفقرة العنقية العاشرة لديناصور مفترس متوسط الحجم، يبلغ طوله حوالي ستة أمتار كان يسكن أرض الصحراء الغربية في العصور السحيقة.
تنقسم طبقات الأرض، السجل الأوحد الذي يخبرنا المسار الزمني لتطور الكائنات، إلى عصور زمنية مختلفة موثقة في الخرائط والأبحاث الجيولوجية، ما يعني أن وجود حفرية في طبقة معينة من تلك الطبقات يعطي دليلًا جازمًا على عمر تلك الحفرية. استنادًا إلى ذلك، وبالإضافة إلى استخدام تقنيات النظائر المشعة في تحديد عمر الأحافير، فإن هذا الوحش المفترس عاش على أرض صحراء مصر الغربية منذ حوالي 98 مليون عام خلال العصر "السينوماني" الذي يمتد من 93-100 مليون عام، وينتمي إلى العصر الطباشيري العلوي.
بشكل عام، تتميز ديناصورات هابيل بشكل مرعب مع طبيعة مفترسة جعلتها أشبه ما يكون بديناصورات "تي ريكس" بشراستها وفتكها بأعدائها. كما تتميز بالجمجمة الخفيفة نسبيًا، وأسنانها البارزة من فكيها كنصال السكاكين. وفي حين تتمتع قدماها الخلفيتان بكتلة عضلية ضخمة تمكنها من الهجوم وتمنحها السرعة اللازمة للحاق بفرائسها، إلا أن أطرافها الأمامية قصيرة إلى حد الضمور، على عكس نظيراتها "تي ركس" التي تتمتع بأطراف أمامية قوية. والجدير بالذكر أنه على الرغم من وسطية حجم ديناصور "هابيل" المكتشف حديثًا بين أبناء عشيرته من ديناصورات الواحات البحرية، إلّا أنه يُعتبر من بين الكائنات الأشرس على الإطلاق التي سكنت تلك المنطقة.
إنجاز عالمي بقيادة مصرية
لا تقتصر أهمية الاكتشاف على كونه الدليل الأول من نوعه الذي يثبت وجود ديناصورات عائلة "هابيل" في المنطقة التي تُعرف حاليًا بالواحات البحرية بصحراء مصر الغربية خلال العصر الطباشيري العلوي، بل إنه يضيف إلى سجل الديناصورات الآكلة للحوم ويثبت هيمنة أعدادها على نظيراتها الآكلة للعشب في تلك العصور السحيقة.
كما تشير الدراسات التحليلية إلى وجود قرابة بين تلك الفقرة ونظيراتها في أماكن مختلفة حول العالم مثل مدغشقر وأمريكا الجنوبية. ولكن بعد مقارنة تلك الفقرات معًا، أظهرت نتائج شجرة الأنساب أن صلة ديناصور "هابيل" الجديد أقرب إلى أقرانه في أمريكا الجنوبية منها إلى أقرانه في مدغشقر، ما يدعم الاعتقاد بأن انفصال مدغشقر عن القارة الأفريقية حدث قبل انفصال أمريكا الجنوبية عنها.
نظرة على نصيب مصر من الديناصورات إلى الآن
أخيرًا، إنه لمن المدهش حقًا كيف يمكن لـ"عظمة" واحدة مطموسة بين صخور ورمال الصحراء لآلاف بل ملايين السنين أن تكشف لنا ذلك الكم من المعلومات التفصيلية عن حياة لم يكن الإنسان ليعرف أي منها. إن ذلك الاكتشاف العظيم الذي توج الجهود المضنية للباحثين المصريين وأضاف إلى سجل الإنجازات المصرية في مجال الجيولوجيا -بالتأكيد- ليس الأخير من نوعه، وما زالت طبقات الأرض تحوي الكثير من الكنوز التي تروي قصص وتاريخ عظيم لم يكن الإنسان جزءًا منه ليرويه.