هل يؤثر تغير المناخ على أشكال الحيوانات؟ 

تواجه الحيوانات ظروف الطقس القاسية -كما الإنسان- ولكن بطرق مختلفة؛ وتلجأ بعض الأنواع إلى تغيير أنماط سلوكها وحتى تكاثرها، وترتحل أخرى إلى أماكن جديدة. 

ترجح دراسات أن محاولات التأقلم تصل فى بعض الأحيان إلى تغير شكل وبنية الحيوان (التغيرات المورفولوجية)، استجابة لضغوط تغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة، بشكل مستقل عن التغيرات البيئية الأخرى أو مجتمعة معها.

ألين وبيرجمان

تستند أكثر الدراسات الداعمة لهذا الطرح إلى قاعدتي ألين وبيرجمان؛ وهما قاعدتان تمت صياغتهما فى القرن التاسع عشر، تحمل كل منهما اسم صاحبها جويل ألين وكارل بيرجمان، وتنص الأولى على أن الحيوانات فى المناخات الحارة لديهم أطراف أكبر، بينما تمتلك الحيوانات المتكيفة مع المناخ البارد أطرافًا قصيرة نسبيًا، بينما تفترض الثانية أن الأفراد فى سلالة ما يصبحون أقل حجمًا فى المناطق الأكثر دفئا وأكبر حجمًا في المناطق الأبرد.

وحللت دراسة نشرت في دورية "علم البيئة والتطور" عام 2021، نتائج دراسات سابقة رصدت التغير المورفولوجي للحيوانات بمرور الوقت فى سياق التنظيم الحراري، ورجحت أن تغير شكل الحيوانات حدث استجابة لضغوط تغير المناخ ومحاولة الحيوانات التأقلم مع ارتفاع درجة الحرارة، واستندت إلى قاعدة ألين في تبرير ما توصلت إليه من نتائج.

وبحسب الدراسة حدثت أكبر التحولات لأكثر من 30 حيوان من فصائل الببغاء الأسترالي، حيث زاد حجم مناقيرها بنسبة 4% إلى 10% منذ عام 1871. كما زاد حجم منقار طائر الجنك في أمريكا الشمالية، وزاد طول ذيل فأر الخشب وحجم ذيل وساق الزبابة.

وأوضح الباحثون أن هذه الحيوانات تستخدم هذه الزوائد مثل المناقير أو الآذان الكبيرة لتبديد الحرارة مما يساعدها على تبريد أجسامها.

ونوهت الدراسة إلى أنه لا يوجد أدلة كافية على أن هذه التغييرات بإمكانها أن تساعد الحيوانات على التكيف مع تغير المناخ، وأوصت بإجراء مزيد من الدراسات لرصد مدى انتشار هذه الظاهرة والتنبؤ بالتغيرات التي قد تحدث في المستقبل.

اتفقت دراسات أخرى مع نظرية بيرجمان وكشفت عن انكماش حجم بعض الأنواع في المناخ الحار، منها دراسة لجامعة كيب تاون نشرت عام 2019، ذكرت أنه خلال الفترات الماضية من الاحتباس الحراري أصبحت الحيوانات البحرية والبرية أصغر حجمًا وأن هناك ترجيحات أن الاحترار المعاصر يمكن أن يؤدي إلى صغر حجم الحيوانات ولكن حتى الآن الأدلة التي تدعم ذلك "نادرة".

 ودرس فريق الباحثين التغيرات في وزن طائر ذعرة الجبل بجنوب أفريقيا ومدى تأثرها بارتفاع درجة الحرارة، للتحقيق في مدى صحة هذه النظرية.

وأظهرت النتائج أن الأفراد الأخف وزناً كانوا يحلوا محل الأثقل في السكان وأنهم نجوا بشكل أفضل في درجات الحرارة المرتفعة. وهذا يشير إلى أن الضغط التطوري كان يؤثر على الطيور لتصبح أخف، وأوضح الباحثون أن هناك الكثير من العوامل الأخرى التي تؤثر بدورها على حجم الجسم، لكنهم خلصوا إلى أن النتائج جاءت داعمة لفكرة أن تغير المناخ هو السبب في أن هذه الطيور أصبحت أصغر حجمًا مع مرور الوقت.

اقرأ أيضاً:  إعادة تدوير قيعان البحار والمحيطات لإنتاج الماس !
الحيوانات الأقل والأكثر تأثرًا بتغير المناخ

التفسير والعواقب

دعمت ورقة بحثية بعنوان "تقلص حجم الجسم كاستجابة بيئية لتغير المناخ"، نشرت في دورية نيتشر لتغير المناخ عام 2011، فكرة أن الأنواع تتخذ أحجامًا أصغر نتيجة لتغير المناخ ورجحت أن يتقلص العديد من الأنواع الأخرى استجابة لتغير المناخ المستمر، وقدمت تفسيرات متعددة لانكماش الحجم والعواقب المحتملة لذلك.

وذكرت أن هناك أبحاث أثبتت أن كل درجة من درجات الاحترار، تقلل حجم الجسم بنسبة 0.5-4٪ في اللافقاريات البحرية، ومن 6-22٪ في الأسماك، و1-3٪ في الخنافس ونسبة 14٪ في السلمندر.

وأشارت إلى عدد من الأنواع الأخرى التي تقلص حجمها نتيجة لظروف تغير المناخ منها الضفادع والسلاحف، ومن الثدييات الأيل الأحمر والدببة القطبية، ونوهت إلى أنه على الرغم من وجود بعض الاستثناءات لهذه الأنماطـ، إلا أنه من المرجح أن تكشف المزيد من الدراسات عن العديد من الأمثلة الأخرى للآثار السلبية لتغير المناخ على حجم الكائن الحي.

 وأشارت إلى وجود عدة تفسيرات للانكماش، مع ترجيح عاملين بيئيين وهما محدودية المياه والمغذيات، والتغيرات في معدل التمثيل الغذائي، فانخفاض توفر المياه على سبيل المثال سيؤدي إلى انخفاض التنفس ونمو النبات، ما يؤثر بدوره على حجم المستهلكين من الحيوانات كما أنهم يحتاجون إلى المزيد من الفرائس للحفاظ على حجم الجسم، بالإضافة إلى أن فقدان مغذيات التربة نتيجة لظروف تغير المناخ سيؤثر على حجم المستهلكين. كما يمكن أن تؤدي ظروف الجفاف إلى نسل أصغر مما يؤدي إلى متوسط حجم أصغر.

وبالنسبة لعواقب هذه التغيرات ذكرت الورقة أنها ليست مفهومة بالكامل بعد ولكن يمكن أن يكون لها عواقب بعيدة المدى على التنوع البيولوجي والبشر على حد سواء.

 رؤية مغايرة

على الجانب الآخر، جادلت دراسة نشرت في 2014، أصحاب النظرية الداعمة لمسؤولية تغير المناخ عن التغيرات المورفولوجية، وجاءت تحت عنوان: "التغيير المورفولوجي للطيور على مدار 120 سنة لا يفسره التكيف الحراري لتغير المناخ". 

ووصفت نتائج الدراسات التي افترضت أن التغييرات في الشكل أحد ردود فعل الحيوانات على ظاهرة الاحتباس الحراري، وأن زيادة درجات الحرارة المحيطة يؤدي إلى تقليل حجم الجسم بأنها "غير متسقة".

وذكرت أن ذلك يرجع إلى الطبيعة قصيرة المدى للبيانات المجمعة ونماذج تحليل البيانات والتفسير، كما أن هناك عوامل بيئية بخلاف تغير المناخ قد تكون مسؤولة عن هذه التغيرات في الشكل.

وحللت الدراسة ثلاث سمات مورفولوجية لحوالي 4529 عينة من أحد عشر نوعًا من الطيور، تم جمعها بين عامي 1889 و2010 في جنوب ألمانيا والمناطق المجاورة. وخلصت إلى أنه قلة من السمات كانت مرتبطة بشكل كبير بمتوسط ​​درجات الحرارة المحيطة.

 وجادلت أنه على الرغم من وجود تغييرات كبيرة في الشكل بمرور الوقت، فلا يوجد اتجاه ثابت لتقليل حجم الجسم، وبالتالي لا يوجد دعم لفرضية تقليل حجم الجسم بسبب تغير المناخ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share