البلاستيك الحيوي سره في السكر

بلاستيك حيوي.. سِرُه في السكر

صديق للبيئة وحل ناجع لمشكلة البلاستيك التقليدي، لكن يجب حل مشاكل إنتاجه بشكلٍ فعال.

منذ صغره كان السويسري جيريمي لوترباخر، يُستفز كثيرًا من عبوات البلاستيك التي يصطدم بها أثناء السباحة على أي من شواطئ المتوسط، وكان دائمًا ما يسأل نفسه: ألم يفكر العلم في طريقة تخلص العالم من هذا الوباء البلاستيكي الذي يزداد يومًا بعد آخر؟

نعم، ظاهرة انتشار النفايات البلاستيكية بدأت تأخذ منعطفًا خطيرًا ومقلقًا، خلال السنوات الأخيرة، فأغلب تلك النفايات ينتهي بها الأمر إلى البحار والمحيطات التي تغطي 70% من مساحة سطح الأرض، ما يشكل تهديدًا كبيرًا على الكائنات البحرية، وعلى الطيور، وعلى صحة الإنسان.

لماذا وكيف؟ ببساطة لأن معظم المواد البلاستيكية قائمة في تصنيعها على الوقود الأحفوري، وليست قابلة للتحلل الحيوي، فتبقى في البيئة مئات السنين، وبسهولة يمكن أن تتسلل تلك اللدائن بعد تحللها إلى جزيئات دقيقة (سامة وضارة بالبيئة)، إلى السلسلة الغذائية لتغزوها بشتى الطرق، وينتهي بها المطاف في أجسامنا.

إنفوجراف - تسلل البلاستيك الدقيق (الميكروبلاستيك) إلى السلسلة الغذائية

ظل لوترباخر، الذي أصبح اليوم باحثًا في معهد العلوم والهندسة الكيميائية بمدرسة البوليتكنيك الفيدرالية في لوزان، دؤبا يبحث في كل المحاولات السابقة لحل تلك المشكلة والتي تم تنفيذها في هذا الإطار، ليتأكد أن الحل الناجع هو "البلاستيك الحيوي" صديق البيئة، لكن يجب حل مشاكل إنتاجه بشكل فعال. 

البلاستيك الحيوي، هو نوع من أنواع البلاستيك مصنوع من مصادر حيوية (نباتية أو حيوانية) يتحلل عضويًا في ظروف البيئة الطبيعية دون أي نواتج تحلل مضرة بالبيئة، ولكن محاولات إنتاج هذا النوع من البلاستيك رغم وجاهتها ونجاحها على النطاق المعملي، إلا أن أغلبها لم يأخذ طريقه نحو التطبيق العملي.

هناك أربعة اتجاهات لإنتاج البلاستيك الحيوي، النوع القائم على النشا، المشتق من نشا الذرة، وآخر قائم على السليلوز، يتم إنتاجه باستخدام مشتقات السليلوز المُستخرجة من البواقي الزراعية وغيرها من مصادر الكتلة الحيوية، وثالث قائم على البروتين، ويتم إنتاجه باستخدام مصادر البروتين مثل جلوتين القمح والكازين، وهو البروتين الرئيسي المستخرج من اللبن، وأخيرًا بلاستيك قائم على الكيتوزان، وهي المادة المُستخرجة من الهيكل الخارجي للأسماك الصدفية والقشريات البحرية مثل الجمبري. 

وعلى مدار أعوام طويلة من البحث، أثمرت هذه الاتجاهات البحثية عن عشرات التجارب، أغلبها لم يغادر نطاق المعمل، بينما اصطدمت قلة منها في طريقها نحو التطبيق بارتفاع تكلفة الإنتاج، كما أن البلاستيك الناتج لم يكن بالصلابة الكافية، ومن ثم لم ينتشر على نطاق واسع، كغيره من المنتجات التقليدية واسعة الانتشار من بلاستيك "البولي إيثيلين تريفثالات"، والمعروف اختصارًا باسم "PET".

طرق إنتاج البلاستيك الحيوي

ما خلص له لوترباخر بعد سنوات من البحث، هو أن هناك حاجة إلى منتج يتجاوز مشكلات المحاولات السابقة، بحيث تكون تكلفة إنتاجه بسيطة وخواصه الميكانيكية مناسبة، مثل بلاستيك "البولي إيثيلين تريفثالات".

كانت أولى محاولات لوترباخر في هذا الإطار عام 2016، حيث توصل مع فريقه البحثي بمختبر المعالجة المستدامة والحفازة بالمعهد، إلى أن إضافة إحدى مركبات "الألدهيد" يمكن أن تؤدي إلى تثبيت أجزاء معينة من المواد النباتية وتجنب تدميرها أثناء الاستخلاص.

اقرأ أيضاً:  اتفاقية ستوكهولم تنجح في خفض نسب "البوبز" في القطب الشمالي

تمكن لوترباخر من إعادة بناء مادة كيميائية حيوية جديدة مفيدة كسلائف بلاستيكية، وتم الإعلان عن هذا الإنجاز في دراسة نشُرت يوم 23 يونيو الماضي بدورية "كيمياء الطبيعة".

التقنية الجديدة تعتمد بشكل أساسي على الحفاظ على بنية السكر في النفايات الزراعية سليمة، ضمن التركيب الجزيئي للبلاستيك، وبذلك تكون الكيمياء المُستخدمة أبسط بكثير من البدائل الحالية.

يشرح لوترباخر في تصريحات خاصة لمنصة "ساينتفك عرب" تقنيته قائلًا: "باستخدام أحد مركبات الألدهيد، وهي حمض الجليوكسيليك، يمكننا ببساطة تجزئة الكتلة الحيوية للنفايات، وتحويل الهيميسليلوز من الكتلة الحيوية إلى سلائف بلاستيكية ثلاثية الحلقات، باستخدام جزيئات السكر كوحدات بناء بلاستيكية، وهذا أبسط بكثير من طرق الإنتاج في البدائل الأخرى المعروفة".

ويبدو أن السر في هذا الإنجاز هو جزيئات السكر، وهو ما يؤكده لوترباخر، قائلًا: "نظرًا لأن طريقتنا تحافظ على جزيئات السكر سليمة إلى حد كبير، فإن العملية أبسط من حيث التصميم، هذا لأن جزيئات السكر لا تحتاج إلى تعديل، لذا يمكنك توفير مجموعة من الخطوات، مما يؤدي إلى تحويل أرخص وأكثر استدامة".

ويتابع الشرح: "فأنت لا تسحب كيمياء النبات إلى كيمياء البترول، كما في الطرق الحالية، والتي تستهلك الكثير من الطاقة وتزيد من التكاليف وتقلل الاستدامة، لكن بدلًا من ذلك نقوم ببناء منتج جديد مصمم خصيصًا للمصنع الذي نبدأ به".

والمنتج الجديد وفق الاختبارات الميكانيكة التي أُجريت عليه، أثبت خواص ميكانيكية صلبة، تمثلت في قوة شد قصوى تبلغ 63-77 ميجاباسكال، ومعامل شد من 2000-2500 ميجاباسكال، واستطالة عند الكسر من (50%-80%).

الخطوة التالية التي سيعمل عليها لوترباخر ورفاقه هي العمل على منتجات بحجم مناسب، حتى يتمكنوا من القيام بالخطوات اللازمة لإدخال منتج جديد إلى السوق، يمكن أن يساهم في علاج واحدة من أهم المشكلات البيئة، حيث أصبح من الواضح بشكل متزايد أن الابتعاد عن الوقود الأحفوري وتجنب تراكم المواد البلاستيكية في البيئة، أمران أساسيان لمواجهة تحدي تغير المناخ.

رصد تقرير صادر عن البنك الدولي العام الماضي، ستة حقائق تؤكد العلاقة الوثيقة بين النفايات البلاستيكية والتغير المناخي، منها أن البلاستيك يأتي من الوقود الأحفوري، وتشكل صناعته نحو 6% من استهلاك النفط العالمي، ومن المتوقع أن تبلغ 20% بحلول عام 2050، وثاني الحقائق أن معظم البلاستيك يتم التخلص منه في البيئة الطبيعية، فما يُعاد تدويره لا يتجاوز 9% على مستوى العالم.

محاولات إنتاج البلاستيك الحيوي على نطاق واسع مستمرة ولكن لازالت بعيدة المنال، وتظل مبادرات حظر تداول الأكياس البلاستيكية واستبدالها بأكياس قابلة للتحلل، وعمليات إعادة التدوير، حلًا مؤقتًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share