النفايات الإلكترونية عبء ثقيل على كوكبنا

هل تتذكر ذلك الهاتف المحمول الذي استبدلته بآخر منذ عدة سنوات؟ أعرف أنك فكرت مرارًا في طريقة جيدة للتصرف به، لكنك ظللت في حيرة حتى انتهى الأمر باحتفاظك به في أحد أدراج مكتبك أو وحدات التخزين الخاصة بك.

في اليوم العالمي للنفايات الإلكترونية، والذي يوافق 14 أكتوبر، قد نضع سويًا حدًا لتلك الحيرة، مع إدراك المخاطر البيئية لهذه الأجهزة الصغيرة، وقد نتبنى آراء تنقذ عالمنا من تلك المخاطر.

لماذا هي مشكلة بيئية؟

بدايةً، يشير مصطلح النفايات الإلكترونية إلى جميع المعدات الكهربائية والإلكترونية ومكوناتها التي لم تعد قيد الاستعمال، سواء ظلت في مكانها أو انتهى بها الأمر إلى مكبات النفايات.

تعد إدارة النفايات الإلكترونية مشكلة كبيرة تواجه العالم أجمع. فبسبب النمو السكاني السريع ونمط الحياة الاستهلاكي الذي نعيشه في الوقت الحالي، تطور مجال صناعة الإلكترونيات على نحو غير مسبوق وزاد معه معدل توليد النفايات الإلكترونية بصورة لم يشهدها العالم من قبل.

تنتج هذه النفايات عن الأجهزة الإلكترونية بمختلف أحجامها وأشكالها، من الرقائق الإلكترونية الصغيرة التي تختزن المعلومات والهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر وحتى الأجهزة الضخمة الموجودة على مستوى المنشآت الحكومية والشركات الكبرى.

تجتذب قضية النفايات الإلكترونية الباحثين والعلماء؛ لما تمثله من خطر يهدد صحة الإنسان والبيئة على حد سواء.

وفقًا للدراسات، تكمن مشكلة النفايات الإلكترونية في احتوائها على العديد من المواد الخطرة شديدة السمية؛ أبرزها: الرصاص والزئبق والكادميوم والنحاس والمعادن الثقيلة الأخرى، والعديد من الملوثات العضوية أيضًا.

 قد تؤدي هذه المعادن الثقيلة؛ خاصةً الرصاص والكادميوم إلى تأثيرات دائمة على الجهاز العصبي ما يتسبب في تلف الخلايا الدماغية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الكادميوم يعد أحد المواد المسرطنة كونه يعمل على تغيير الحمض النووي الريبوزي المنقوص الأكسجين في الخلايا البشرية. كما يؤثر وجود الزئبق في النفايات الإلكترونية على الجهاز التنفسي ويلحق أضرارًا بالغة بالقناة الهضمية.

ولا يقتصر تأثير النفايات الإلكترونية على صحتنا فحسب، بل يمتد ليؤثر على البيئة. على سبيل المثال، تتأثر خصوبة التربة على نطاق واسع بسبب دفن النفايات الإلكترونية أو حتى مجرد رميها في مكبات النفايات؛ حيث أن أيونات المعادن الثقيلة الموجودة في النفايات الإلكترونية قد تتسرب وتنتشر عبر التربة وتصل إلى المسطحات المائية والمياه الجوفية فتتسبب في تلوثها. 

وما يزيد الأمر سوءًا أن أغلب هذه المركبات تظل في الطبيعة فيما يعرف بعملية التراكم البيولوجي؛ أي أنها تتسبب في اختلال ملحوظ في النظم البيئية الطبيعية، كما يتم تخزينها في أنسجة الكائنات الحية التي تصل إليها هذه الملوثات.

كل ذلك يستدعي تطوير إستراتيجيات مناسبة لإعادة تدوير تلك النفايات، للحفاظ على سلامتنا وسلامة البيئة من حولنا.

هل إعادة التدوير هي الحل؟

هناك العديد من الطرق المتبعة لإعادة تدوير النفايات الإلكترونية حول العالم. تتفق أغلبها في المرحلة الأولى منها؛ وهي تفكيك الجهاز المراد إعادة تدويره إلى عناصره، حتى نتمكن في المراحل التالية من عزل المعادن الموجودة به.

اقرأ أيضاً:   المناخ الغاضب يهدد بفيضانات جارفة

يمكن تأدية مرحلة عزل المعادن باستخدام الحرارة في عملية تستهلك الكثير من الطاقة وتشمل تعريض عناصر الجهاز الإلكتروني إلى الحرق والصهر والذوبان باستخدام درجات حرارة مرتفعة للغاية.

في حين تمكننا هذه الطريقة من استعادة المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية، إلّا أنها في الوقت نفسه تمثل تحديًا بيئيًا كبيرًا. فخلال هذه العملية الحرارية، لا مفر من تكون السخام والانبعاثات الضارة، ما يستبعد أن تكون هذه العملية هي الخيار الأمثل على الصعيد البيئي.

وهناك أيضًا نهج تقليدي آخر لاستعادة المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية، يعتمد بشكل أساسي على مركبات كيميائية تتفاعل مع أجزاء من النفايات الإلكترونية بعد فرزها. ولعل أكثر ما يميز هذا النهج هو ارتفاع نسبة المعادن التي يتم عزلها مقارنة بالطريقة الحرارية، بالإضافة إلى عدم الاحتياج إلى كميات من الطاقة أو درجة حرارة مرتفعة. لكن تظل الميزة الكبرى لهذه الطريقة هي قلة النفايات الثانوية الناتجة عنها، وعدم انبعاث كميات ملحوظة من الغازات الضارة من ناتج هذا التفاعل.

نهج آخر يُعتبر أكثر استدامة وحفاظًا على البيئة، وهو الاعتماد على بعض أنواع الميكروبات في عملية فصل المعادن الثمينة من النفايات الإلكترونية. باعتبارها أقل الطرق استهلاكًا للطاقة وأقلها احتياجًا إلى استخدام المواد الكيميائية، فإن هذا النهج يعد الخيار الأفضل للسيطرة على مشكلة النفايات الإلكترونية على نطاق واسع. 

5 أسباب تدفع المستخدمين في أوروبا إلى اكتناز النفايات الإلكترونية

لكن، ماذا عن المستهلك؟

لعل أكثر ما يشغل بالك الآن، كل ذلك قد يفيد على مستوى الحكومات والشركات، لكن هل هناك ما يمكنني فعله على المستوى الشخصي للحد من مشكلة النفايات الإلكترونية؟

في الحقيقة بيدك الكثير؛ فأغلب هذه الأجهزة يتم إنتاجها من الأساس لخدمتك كمستهلك. لذلك، إذا أردت أن تساهم بشكل إيجابي في اليوم العالمي للنفايات الإلكترونية، ما عليك سوى محاولة إطالة عمر استخدام الأجهزة الإلكترونية التي تحت تصرفك قبل انتهاء المطاف بها في مكبات النفايات.

على سبيل المثال، إذا كنت تفكر في تغيير أحد الأجهزة الإلكترونية التي تمتلكها بأخرى لظهور إصدار حديث منها، رغم عدم حاجتك إلى إمكانات هذا الإصدار في عملك أو في معاملاتك الشخصية، أعد التفكير مرة أخرى. 

أما إذا قررت التغيير في النهاية، ولا يزال الجهاز الذي تمتلكه في حالة جيدة أو لا يتطلب سوى إصلاحات طفيفة، فكر في إعطائه لشخص آخر سواء من الأصدقاء أو العائلة، أو تبرع به إلى إحدى المؤسسات الخيرية بدلًا من الاحتفاظ به أو رميه في مكبات النفايات.

يمكنك أيضًا محاول إعادة العنصر إلى الشركة المصنعة إذا كان غير قابل للاستخدام؛ فهناك العديد من الشركات التي تتبع سياسات إعادة تدوير منتجاتها. لكن، إذا كان هذا الخيار غير متوفر، يمكنك البحث عن منظمة محلية موثوقة لإعادة تدويره.

وفي حين تمثل النفايات الإلكترونية تحديًا بيئيًا بالغًا يتطلب قوانين عالمية ومحلية صارمة لمواجهته، إلّا أن مساهماتنا الفردية البسيطة قد تصنع فارقًا ينقذ عالمنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share