عام 1992، عُقد مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتنمية بمدينة ريو دي جانيرو بالبرازيل، ما عرف وقتها باسم قمة الأرض، التي شارك فيها 172 دولة على مستوى العالم، لتكن بذلك قمة غير مسبوقة من حيث الحجم ومجال الاهتمام، حيث دعت لإعادة التفكير بشأن التنمية الاقتصادية، وإيجاد سبل فعالة لوقف تدمير الموارد الطبيعية وتلويث كوكب الأرض.
منذ ذلك الحين، بدأ الاهتمام العالمي بمجال الحفاظ على البيئة والسعي للحد من آثار التغير المناخي، بالتزامن مع ظهور مصطلح التنمية المستدامة، التي تلبي احتياجات الحاضر، دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.
التغير المناخي في الشرق الأوسط
يشير مصطلح تغير المناخ إلى التحولات التي تحدث على المدى الطويل في درجات الحرارة وأنماط الطقس. منذ القرن التاسع عشر أصبحت الأنشطة البشرية هي المحرك الرئيسي لتغير المناخ، وتحديدًا تلك المتعلقة بحرق الوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز.
ينتج عن حرق الوقود الأحفوري انبعاثات غازات الاحتباس الحراري "ثاني أكسيد الكربون والميثان"، التي تعمل كغطاء ملفوف حول الأرض، يؤدي إلى حبس حرارة الشمس ورفع درجة الحرارة على الكوكب.
تنتج هذه الغازات عن الكثير من الأنشطة البشرية، مثل استخدام البنزين كوقود للسيارات، أو استخدام الفحم للتدفئة، كما يؤدي تطهير الأراضي والغابات إلى إطلاق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، بالإضافة إلى مقالب القمامة التي تمثل مصدرًا أساسيًا لانبعاثات غاز الميثان، لذلك تُعد أغلب الأنشطة البشرية المرتبطة بالطاقة والصناعة والنقل والبناء وحتى الزراعة واستخدام الأراضي من بين المصادر الأساسية لزيادة غازات الاحتباس الحراري.
مع أن المسؤولية التاريخية الواقعة على دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التسبب في هذه الانبعاثات، أقل كثيرًا من مثيلاتها من دول أوروبا وأمريكا الشمالية، فإن تحديات تغير المناخ تقع على عاتق جميع دول العالم، دون التفريق بين المسؤولين الأساسين وغيرهم، فالكل يعاني الآثار نفسها لتغير المناخ حتى لو اختلفت أشكالها ونسبها.
للمزيد حول هذا الموضوع والآثار المترتبة على التغير المناخي والاستدامة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - يمكنكم الاستماع إلى هذه الحلقة الشيقة من بودكاست مستدام، مع كريم الجندي - مؤسس ومنسق مبادرة كربون، في ضيافة فاتن عاشور.
تواجه دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديين رئيسيين فيما يتعلق بقضايا تغير المناخ وهما:
- تحدي أساسي: حيث يتطلب الوضع الحالي من دول المنطقة أن تكون جزءًا من عملية تخفيف انبعاثات الكربون، لتفادي أسوأ الأضرار التي يمكن أن تقع في حال استمرار الوضع الراهن، وهو تحدي طويل المدى ويحتاج لجهود مستمرة للوصول إلى الهدف الرئيسي من مؤتمر باريس لتغير المناخ، بخفض درجة حرارة الكوكب بمقدار درجة ونصف خلال هذا القرن.
- تحدي فرعي: يتمثل هذا التحدي في التكيف مع تغير المناخ، كالارتفاع الملحوظ لدرجات الحرارة في دول المنطقة العربية على مدار العقود القليلة الماضية، كما يستلزم الأمر دمج نتائج هذا التكيف في كل مشروعات التنمية التي تقوم بها دول المنطقة.
ماذا نتوقع في مناخ المنطقة مستقبلًا؟
هناك العديد من الآثار الناتجة عن تغير المناخ، التي يتوقع العلماء أن تحدث على مدار السنوات القادمة، على مستوى العالم إذا لم يتغير الوضع الحالي، مثل:
- ارتفاع درجات الحرارة العظمى والصغرى
- ارتفاع منسوب مياه البحر
- ارتفاع درجة حرارة المحيطات
- زيادة هطول الأمطار الغزيرة
- تقلص الأنهار الجليدية
- ذوبان الجليد الدائم
- زيادة العواصف القوية
- زيادة الجفاف في بعض المناطق
تتأثر المنطقة العربية بأغلب هذه التأثيرات كما هو الحال في أغلب دول العالم، وهي آثار أولية متمثلة في ارتفاع درجات الحرارة في عدة مدن عربية، منها دبي مثلا، التي يتوقع العلماء أن ترتفع درجة الحرارة بها لـ3.3 درجة مئوية مقارنة بالعام 2005، وربما تزداد درجات الحرارة العظمى في المنطقة العربية بسبع درجات أعلى مما هي عليه الآن.
كما يتُوقع زيادة الرطوبة في منطقة الخليج العربي، ما يمكن أن يمثل خطرًا على صحة الإنسان، وربما يؤدي للوفاة، إذا ما اجتمع ارتفاع درجة الحرارة بارتفاع درجة الرطوبة، وهو التصور الأسوأ الذي يتوقع العلماء أن يحدث بحلول العام 2080، إذا لم نتدارك الأمر سريعًا ونبادر إلى خطوات جدية من أجل التقليل من آثار تغير المناخ.
أما عن النتائج الثانوية لتغير المناخ، فيتوقع العلماء أن يتأثر الاقتصاد في بعض الدول العربية مثل المغرب والجزائر ومناطق شرق المتوسط في سوريا ولبنان وفلسطين والأردن، بسبب زيادة هطول الأمطار، الذي سيؤثر بطبيعة الحال على الزراعة في هذه الدول.
كما يتوقع أن تمر المنطقة العربية بتذبذب في هطول الأمطار، فقد تشهد المنطقة مزيدًا من الجفاف في بعض المناطق، بينما تشهد مناطق أخرى المزيد من السيول، ويمكن أن تتأثر المناطق التي ضربتها السيول بسنوات من الجفاف، والعكس بالعكس.
كذلك، يتوقع حدوث بعض الأعاصير القوية، مثل إعصار شاهين الذي ضرب شمال سلطنة عمان ربما لأول مرة، بسبب ارتفاع درجة الحرارة في خليج عمان والبحر العربي.
كذلك يمثل ارتفاع منسوب المياه في البحر خطرًا على بعض المناطق، مثل دلتا النيل في مصر ومنطقة جنوب العراق، وبعض السواحل الجنوبية للمدن ولكن بحدة أقل مثل دبي وأبو ظبي والمنامة والدوحة، بالإضافة لبعض المناطق في شرق تونس.
الآثار الاقتصادية لتغير المناخ في الشرق الأوسط
لتغير المناخ العديد من الآثار الاجتماعية والاقتصادية، فزيادة هطول الأمطار وتغير درجة الحرارة ربما يؤديان لخفض الإنتاجية الزراعية في الدول المعتمدة على الزراعة، ما يؤثر في الأمن الغذائي لهذه الدول، ويضعها تحت وطأة تغير أسعار الأسواق العالمية والحاجة لاستيراد المزيد من المحاصيل الزراعية، التي يمكن أن يؤثر تغير المناخ أيضًا على الدول المصدرة لها، بما لا يسمح إلا بسد احتياجاتها فقط.
كذلك يمكن أن يتأثر القطاع السياحي في العديد من دول المنطقة بارتفاع درجات الحرارة، ما قد يؤدي لخسارة عدد من الوظائف وزيادة هجرة السكان من الريف إلى المدن بحثًا عن وظائف أخرى، فترتفع نسب البطالة في الدول بشكل عام، ولا تستطع الحكومات والمجالس المحلية توفير الخدمات اللازمة، ما قد يؤدي لاحتقان اجتماعي لا تحمد عقباه.
قد لا تكون هذه الأضرار الاقتصادية والاجتماعية مؤكدة الحدوث، ولكنها تظل خطيرة ومتوقعة بما يكفي لتوخي الحذر من عواقبها الوخيمة على الأفراد والدول في آن معًا.
التنمية المستدامة وعلاقتها بتغير المناخ
في الواقع، لا يمكن أن ينفصل التغير المناخي عن التنمية المستدامة، حيث يساهم تغير المناخ في تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. يمكن الربط بين تغير المناخ والتنمية المستدامة في ثلاث نقاط أساسية:
- أولًا: يتسبب ارتفاع درجات الحرارة الحالي في إحداث تغييرات سلبية على النظم الطبيعية والبشرية، ما يعيق بشكل خطير التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
- ثانيًا: يساعد الهدف المناخي الطموح الذي يسعى إليه العالم بعد اتفاقية باريس، المتمثل في الحد من أثر الاحتباس الحراري، في تحقيق معظم أهداف التنمية المستدامة.
- ثالثًا: ينتج عن تطبيق إجراءات الحد من آثار تغير المناخ فرصًا جديدة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أيضًا، لكن يتوقف ذلك على مدى التعاون الدولي.
التنمية المستدامة في الشرق الأوسط
يهدف النموذج الغربي للتنمية المستدامة إلى الحد من آثار تغير المناخ بخفض انبعاثات الكربون، مع رفع المناعة وزيادة المرونة في مواجهة هذه الآثار، ما يتطلب أن يسير الأمر في الاتجاهين معًا لتحقيق التوازن المطلوب بينهما.
مع ذلك، يجب الاعتراف بأن تطبيق النموذج الغربي للتنمية المستدامة غير ممكن في دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وكذلك الحال بالنسبة لمفاهيم المرونة والمناعة في مواجهة آثار تغير المناخ في المنطقة العربية.
حيث يقتضي تطبيق النموذج الغربي، التحول بشكل تدريجي بطئ من التوازن الحالي أو ما يسمى باقتصاد ما قبل الاستدامة، إلى توازن جديد بالتنمية المستدامة، وهو ما لا يمكن تطبيقه في الشرق الأوسط؛ لأن هناك الكثير من التحديات التي تعرقل هذا التحول التدريجي، منها الزيادة السكانية في بعض الدول، وحدوث النزاعات والاضطرابات الاقتصادية في دول أخرى.
ومع ذلك، هناك الكثير من الخطط القومية التي تدمج التنمية المستدامة كجزء من خطتها الاقتصادية العامة، مثل خطة التنمية المستدامة في مصر، ورؤية المملكة العربية السعودية 2030، فضلاً على الإمارات وقطر والكويت، ولكن تبقى لكل دولة أولوياتها ودرجة اهتمامها بملف التنمية المستدامة.
يختلف مقدار الطموح بشأن تغير المناخ بين الدول العربية، ولكن تظل الرؤى الخاصة بالمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هي الأكثر طموحًا بين دول المنطقة، حيث يصل طموحها إلى الوصول لصفرية الكربون وخفض درجة الحرارة بمعدل درجة ونصف خلال العقود القادمة.
وعلى الجانب الآخر، لا يمكن أن نغفل التطور الذي حدث في مجال الطاقة المتجددة في كلًا من المغرب ومصر والأردن والإمارات بهدف تقليل انبعاثات الكربون والبحث عن مصادر نظيفة للطاقة، كذلك تطوير قطاع النقل والمواصلات بإنشاء شبكات كبيرة في قطر والسعودية والمغرب، لخفض عدد السيارات الخاصة وتوفير بدائل للنقل ذات كفاءة أعلى من حيث استهلاك الطاقة.
مكافحة تغير المناخ على المستوى الفردي
يمكن للأفراد أن يؤثروا، بل ويصنعوا فارقًا فيما يخص تغير المناخ والتنمية المستدامة، حيث تتسم الدول ذات الدخول العالية، بارتفاع مستوى الاستهلاك غير المستدام من قبل الأفراد، ما يؤدي لهدر الكثير من الموارد، التي يمكن توفيرها فقط باستهلاك المطلوب، دون التأثير على مدى جودة مستوى المعيشة.
كذلك، يمكن أن يساهم التحول في أسلوب الحياة في خدمة هذا الهدف، حيث إن أكل اللحوم له بصمة كربونية عالية، في حين أن الطعام النباتي أقل كثيرًا في بصمته الكربونية، لذلك إذا تغير نمط الحياة باستهلاك المزيد من النباتات مقابل نسبة أقل من اللحوم، ربما يمكن تقليل البصمة الكربونية لنا كأفراد.
يمكن لتقليل استخدام الطيران، واستخدام المواصلات العامة بدلًا من السيارات الخاصة، وتقليل استهلاك الكهرباء في المنازل وأماكن العمل، أن يقلل من البصمة الكربونية ويساعد في الحد من تغير المناخ وتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
في النهاية، يجب أن ننتبه لآثار تغير المناخ التي تحدث حاليًا، والتكيف معها بالشكل المطلوب في منطقتنا العربية، بالعمل على توفير حلول لمشكلات ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة وزيادة منسوب مياه البحر، كما يجب السعي بجهد أكبر للحد من آثار تغير المناخ التي يمكن أن تحدث مستقبلًا.