جدري القرود - جدري القردة - منظمة الصحة العالمية

جدري القرود | هل يجب أن نقلق؟

في 13 من شهر مايو من العام الجاري، أعلنت منظمة الصحة العالمية (WHO) ظهور حالتين مؤكدتين للإصابة بـ"جدري القرود" في المملكة المتحدة، ليثير هذا الخبر حالة من الذعر، خاصةً لما تبعه من إخطار بالمزيد من الإصابات في دول أوروبية مختلفة، وصلت إلى 120 حالة في غضون أيام معدودة. فهل نحن بصدد جائحة عالمية جديدة؟

تاريخ جدري القرود

اكتُشف جدري القرود لأول مرة في عام 1958، عندما لاحظ الباحثون تفشي مرض يشبه الجدري في مستعمرات القرود المستخدمة في الأغراض بحثية، ولذلك سُمي بـ«جدري القرود». سُجلت أول إصابة بشرية بجدري القرود في عام 1970 بالكونغو. ومنذ ذلك الحين، لم تُسجل سوى حالات معدودة في دول وسط وغرب إفريقيا. ولكن في شهر مايو من العام الجاري، بدأ ظهور حالات جديدة في بعض الدول الأوروبية، اتسمت معظمها بالظهور في رجال مثليي وثنائيي الجنس، وفق ما ذكرته منظمة الصحة العالمية.

أعراض جدري القرود                           

تتراوح مدة الحضانة - أي المدة ما بين الإصابة بالفيروس وظهور الأعراض- للفيروس المسؤول عن الإصابة بجدري القرود، ما بين (5-21) يومًا.

تشمل تلك الأعراض:

أعراض جدري القرود - منظمة الصحة العالمية

هل جدري القرود مميت؟

على خفة أعراض الإصابة بجدري القرود نسبيًا، وتخطي الإصابة بأمان في أغلب الأحيان، إلّا أنه وفقًا لمركز مكافحة الأمراض (CDC)، فإن نسب الوفاة من جراء الإصابة بجدري القرود تصل إلى 10%. 

 تشمل عوامل الخطر التي قد تتسبب في رفع نسب الوفيات ما يلي:

  • صغر السن عند التعرض للإصابة.
  • التعرض للفيروس لفترات طويلة.
  • مصاحبته لمشاكل صحية أخرى.
  • حدوث المضاعفات، حيث قد تتسبب الإصابة بجدري القرود في بعض المضاعفات المميتة، اعتمادًا على مناعة المُصاب، وشدة الإصابة. 

ومن أبرز تلك المضاعفات:

  • الالتهاب الرئوي.
  • تسمم الدم، نتيجة حدوث رد فعل مناعي مبالغ فيه، وقد يظهر في صورة: تسارع ضربات القلب وصعوبة التنفس وانخفاض حاد في ضغط الدم ما يستدعي التدخل الطبي فورًا.
  • التهاب أنسجة المخ، ما قد يتسبب في الهلوسة  ونوبات الصرع، واضطرابات الذاكرة والحواس.
  • عدوى القرنية التي قد تؤدي إلى العمى.
  • التعرض للإصابة بعدوى بكتيرية ثانوية، نتيجة ضعف الجهاز المناعي.

في أغلب الأحيان، تستمر أعراض جدري القرود (2-4) أسابيع، وتختفي دون الحاجة إلى علاج خاص. ولكن، في ظل التهديد بتحول الإصابات إلى جائحة عالمية، يمكن استخدام بعض العلاجات والتطعيمات المُستخدمة سابقًا في السيطرة على انتشار مرض الجدري (Smallpox)، نظرًا لتسلسلهما من العائلة الفيروسية نفسها. 

وفقًا لمنظمة الصحة العالمية (WHO)، فإن لقاح الجدري فعال بنسبة 85% تقريبًا في منع الإصابة بجدري القرود. فإذا تلقيت لقاح الجدري سابقًا وأصبت بفيروس جدري القرود، فقد تكون أعراضك خفيفة إلى حد بعيد.

هل يهددنا جدري القرود في المنطقة العربية؟

يتمثل الموطن الرئيسي لجدري القرود في مناطق الغابات الاستوائية المطيرة في وسط وغرب أفريقيا، ولكن ذلك لا يمنع انتشاره في مناطق أخرى حول العالم، ولعل أبرز دليل على ذلك هو رصد العديد من الحالات الحالية في دول أوروبية. لذلك، يصعب التنبؤ بمناطق محددة يتفشى فيها جدري القرود في الوقت الحالي. لكن، على كل حال، يجدر على الجميع توخي الحذر واتباع الإجراءات الوقائية للحفاظ على الصحة العامة. 

تاريخ الأمراض حيوانية المنشأ

على مر السنين، شهد العالم العديد من الجائحات التي نشأت نتيجة انتقال الميكروبات المسببة للأمراض من الحيوانات إلى البشر، وقد يتحور بعضها لينتقل بين البشر وبعضهم، وقد يحدث ذلك بطرق مختلفة.

جدري القرود,جدري القردة,جدري القرود سيصبح جائحة؟

يمكن أن ينتقل الفيروس المتسبب في الإصابة بجدري القرود عن طريق التعامل مع المصابين أو مع الأسطح الملوثة، فعادة ما يدخل الفيروس الجسم من خلال جروح جلدية دقيقة.

في حين أن انتقال العدوى من إنسان إلى آخر غالبًا ما تحدث من خلال استنشاق قطرات تنفسية كبيرة تحمل الفيروس في أثناء مخالطة المصابين أو عن طريق التعرض لسوائل الجسم مثل اللعاب أو الدم من أحد المصابين، لكن تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن معدلات انتقال الإصابة بجدري القرود من الإنسان إلى الإنسان محدودة.

أبرز الأمراض حيوانية المنشأ عبر التاريخ

الموت الأسود

يشير الموت الأسود إلى وباء الطاعون الذي اجتاح أنحاء أوروبا في القرن الرابع عشر، الذي أودى بحياة أكثر من 50 مليون شخص. يعد الطاعون أحد أكثر الأوبئة فتكًا في تاريخ البشرية، وهو أحد أشكال الأمراض حيوانية المنشأ، لأنه ناتج عن بكتيريا تُسمى (Yersinia pestis)، تعيش في الثدييات الصغيرة مثل الفئران، وتنقلها عنها البراغيث التي تتسبب في إصابة البشر.

اقرأ أيضاً:  لماذا نطور مضادًا فيروسيًا لكوفيد خالٍ من براءات الاختراع؟

السعار "داء الكلب"

السعار هو أحد الأمراض الفيروسية التي تؤثر على الجهاز العصبي للثدييات. ينتشر الفيروس المسبب للسعار عادةً عن طريق عض حيوان مصاب لحيوان أو شخص آخر. السعار مرض قاتل لا يمكن علاجه بمجرد ظهور الأعراض. لكن لحسن الحظ، يمكن الوقاية منه بشكل فعّال عن طريق الالتزام بتلقي اللقاح الخاص به.

الدرن (السل)

هو عدوى بكتيرية بأحد أفراد عائلة "المايكوبكتيريوم" التي تهاجم الرئتين في أغلب الأحيان، لكنها تستطيع أيضًا أن تصيب أجزاء أخرى من الجسم، مثل الدماغ والجلد والكلى. قد تنشأ الإصابة بمرض السل عن طريق استهلاك أغذية ملوثة حيوانية المنشأ مثل اللحوم ومنتجات الألبان.

اعتلال الدماغ الإسفنجي البقري 

يُعرف أيضًا ب"جنون البقر"وهو مرض انتكاسي مزمن يصيب الجهاز العصبي المركزي عند البقر. تؤدي الإصابة بجنون البقر إلى تغيرات سلوكية بالغة في الحيوانات المصابة، ما يؤدي إلى وفاتها. تَسبب "جنون البقر" في وباء أصيبت على غراره آلاف الأبقار، وتسبب في خسارة كارثية في الثروة الحيوانية. وفي عام 1996، أُعلن عن أول إصابة للبشر بهذا المرض.

الحمى الصفراء

هي إصابة فيروسية حادة تنتقل عن طريق البعوض المُصاب بالعدوى. يتوطن الفيروس المناطق المدارية بالقارة الأفريقية وأمريكا الوسطى والجنوبية.

تحدث أوبئة الحمى الصفراء عندما ينقل المصابون الفيروس إلى مناطق مُكتظَّة بالسكان ينتشر فيها البعوض بكثافة عالية، وفي هذه الحالات، ينقل البعوض العدوى من شخص إلى آخر. لكن لحسن الحظ، يتوفر لقاح فعّال للغاية للوقاية من الحمى الصفراء، كما أن جرعة واحدة من ذلك اللقاح توفر حماية طيلة الحياة.

إنفلونزا الطيور 

هي مرض يصيب الطيور في المقام الأول، ولا يصيب البشر عادةً. لكن في عام 2006، تفشت إصابة البشر بفيروس (H5N1) في بلدان عدة وتوفى على إثره آلاف البشر. وفي عام 2015، تكرر تفشي المرض في بعض البلدان الأفريقية مثل نيجيريا وغانا والكاميرون، ولكن بصورة أقل حدة عن الوباء السابق، وتكرر رصد بعض الحالات منذ ذلك الحين، آخرها في أبريل الماضي، حيث رصدت الصين إصابة حالة جديدة بسلالة متحورة من فيروس إنفلونزا الطيور.

إنفلونزا الخنازير

نظرًا لإصابة آلاف البشر حول العالم، أعلنت منظمة الصحة العالمية عام 2009 أن إنفلونزا الخنازير التي تسبب فيها فيروس(H1N1) وباءًا عالميًا. وفي أغسطس 2010، أَعلنت منظمة الصحة العالمية انتهاء هذا الوباء، ليصبح فيروس الإنفلونزا (H1N1) بعد ذلك أحد السلالات التي تسبب الإنفلونزا الموسمية.

كوفيد 19

ضربت جائحة كورونا التي شهدناها جميعًا المثال الأبرز على خطورة الأمراض حيوانية المنشأ وكيف أنها قد تهدد حياة ملايين البشر بعد أن تسبب في إصابة ما يزيد عن 528 مليون شخص، ووفاة أكثر من 6 مليون شخص وفقًا للإحصاءات حتى الآن.

ماذا يجدر بنا فعله لتجنب الأمراض حيوانية المنشأ؟

هناك العديد من الإجراءات الوقائية التي يجدر بنا اتباعها لتجنب مخاطر الإصابة بالأمراض حيوانية المنشأ. تشمل هذه الإجراءات:

  • الالتزام بغسل اليدين.
  • استخدام طارد للحشرات أو طرق أخرى للتخلص من البعوض والبراغيث والقراد.
  • غسل الفاكهة والخضراوات قبل تناولها.
  • تجنب التعرض للعض أو الجرح من قبل أي حيوان.
  • الحرص على تطعيم الحيوانات الأليفة والالتزام بالزيارات المحددة للطبيب البيطري.
  • تجنب تناول الطعام أو لمس العينين أو الفم خلال التعامل مع الحيوانات.
  • استخدام القفازات عند الحاجة إلى التعامل مع حيوان يبدو عليه المرض بأي شكل.

أخيرًا، على ما تسبب فيه خبر رصد إصابات جديدة بجدري القرود من ذعر، ومع صعوبة التنبؤ بمدى انتشاره وتحوره إلى سلالات جديدة، يبقى سلاحنا الأوحد في مواجهة ذلك الخطر الداهم هو التزام الإجراءات الوقائية اللازمة للحفاظ على الصحة العامة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share