تسعى العديد من بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعد نقطة ساخنة للطاقة المتجددة، إلى الاستفادة من مواردها في إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر، فخلال عام 2021 افتتحت الإمارات العربية المتحدة مشروع الهيدروجين الأخضر الذي يعمل بالطاقة الشمسية، كما أعلنت المملكة العربية السعودية عن تحالفها مع ألمانيا لتوليد واستخدام الهيدروجين النظيف.
وعلى هامش قمة المناخ التي عقدت بمدينة شرم الشيخ خلال نوفمبر الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن إطلاق مشروعها الرائد لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يعد جزءًا من إستراتيجية مصر المستدامة، لإنتاج الهيدروجين بأرخص الأسعار.
طاقة نظيفة
مع تصاعد أزمة المناخ، تتوجه أنظار العالم نحو الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة الخالية من الكربون، ويتفق معظم الخبراء على أن هناك حاجة ملحة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب فيها الوقود الأحفوري بدرجة كبيرة مسببا أزمة الاحترار العالمي. ويعد الهيدروجين الأخضر بمثابة طوق نجاة للتخفيف من الآثار السلبية لتغير المناخ، ولتحقيق أهداف اتفاقية باريس.
تشير تقديرات وكالة الطاقة الدولية لعام 2019 إلى أن الطلب العالمي على الطاقة يرتفع بنسبة 1.3% سنويًا حتى عام 2040، وهو ما يعني زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، لذلك يمكن الاعتماد على الهيدروجين الأخضر بدلًا من الوقود الأحفوري، لتشغيل الصناعات وتزويد المركبات بالوقود.
في عام 2021 بلغ إجمالي الطلب العالمي على الهيدروجين حوالي 94 مليون طن متري، وبالنظر إلى السياسات والتدابير التي وضعتها الحكومات في جميع أنحاء العالم، فإنه من المحتمل أن يصل الطلب عليه إلى 115 مليون طن متري بحلول عام 2030.
إنتاجه
يتم إنتاج الهيدروجين الأخضر عن طريق عملية تعرف باسم التحليل الكهربائي للماء، باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، والتي يتم من خلالها فصل الهيدروجين عن الأكسجين باستخدام تيار كهربي لتكسير جزيئات الماء. في الغالب يجب أن تحتوي المياه المستخدمة على أملاح ومعادن لتوصيل الكهرباء.
وتشير الوكالة الدولية للطاقة إلى أن هذه الطريقة في الحصول على الهيدروجين الأخضر ستقلل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي بلغت نسبتها 830 مليون طن سنويًا، وهو ما يعادل الانبعاثات الكربونية للمملكة المتحدة وإندونيسيا مجتمعتين.
مزايا وعيوب الهيدروجين الأخضر
للهيدروجين الأخضر العديد من الإيجابيات والسلبيات التي يجب أن نكون على دراية بها.
فمن بين إيجابياته:
1- مستدام: لا ينبعث منه أي غازات ضارة سواء أثناء عملية الاحتراق التي ينتج عنها بخار الماء فقط، أو أثناء عملية الإنتاج إذا تم الاعتماد في تصنيعه على مصادر الطاقة المتجددة كطاقة الرياح والشمس.
2- قابل للتخزين والنقل: بمجرد إنتاجه يكون من السهل تخزينه ونقله، مما يسمح باستخدامه في العديد من الأغراض، فيمكن نقله عبر خطوط الأنابيب لتزويد المنازل والمباني بالطاقة.
3- متعدد الاستخدامات: سواء في الأغراض التجارية أو الصناعية، فيمكن استخدامه في توليد الكهرباء ووسائل النقل، كما يمكن له أن يحل محل الهيدروجين التقليدي المشتق من الغاز الطبيعي في صناعات مثل إنتاج الأسمدة.
4- كفاءته أفضل من مصادر الطاقة الأخرى: في الواقع يحتوي الهيدروجين الأخضر على ثلاثة أضعاف كمية الطاقة الموجودة في الوقود الأحفوري.
5- يمكن إنتاجه بسهولة أينما وجد الماء والكهرباء، فليست هناك حاجة لنقل الأدوات اللازمة لإنتاجه من بلد لأخر مثل الوقود الأحفوري.
ومع ذلك يوجد للهيدروجين الأخضر العديد من الجوانب السلبية، منها:
1-التكلفة العالية: الطاقة المتجددة التي يتم استخدامها في عملية الإنتاج، والتي تعد عنصرًا أساسيًا لتوليد الهيدروجين الأخضر، هي أكثر تكلفة من غيرها من مصادر الطاقة التقليدية، مما يجعل الحصول على الهيدروجين أعلى من حيث التكلفة.
2- مخاوف تتعلق بالسلامة: الهيدروجين عنصر شديد التقلب وقابل للاشتعال ولذلك يلزم اتخاذ كافة تدابير الأمان اللازمة لمنع حدوث أي تسرب أو انفجارات.
3- استهلاك كميات أعلى من الطاقة: يتطلب إنتاج الهيدروجين بشكل عام والهيدروجين الأخضر بشكل خاص طاقة أكثر من أي نوع آخر من أنواع الوقود، فضلًا عن أنه في بعض الأحيان يتم الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية كالفحم والنفط في إنتاجه، ما ينتج عنه كميات هائلة من الانبعاثات.
4- النقل: يتطلب نقل الهيدروجين من مكان لآخر أن يكون تحت ضغط عالٍ حتى يحافظ على كفاءته، كما لا يمكن نقله إلا بكميات محدودة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة، مما يتسبب في زيادة تكاليف النقل.
تحديات الهيدروجين الأخضر
بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فإن شح الماء يمثل تحديًا كبيرًا أمام إنتاج الهيدروجين الأخضر، وعلى الرغم من وجود العديد من الطرق لإدارة إمدادات المياه، إلا أن محطات التحلية تعد الخيار الأمثل، لكنها تعتمد في النهاية على الاستخدام المكثف للكهرباء، وبالتالي تكاليف إضافية تكمن وراء تطوير الهيدروجين وتصديره في المنطقة.
إحدى العقبات الأخرى التي يواجهها إنتاج الهيدروجين الأخضر هو ارتفاع تكلفة إنتاجه، بسبب ارتفاع أسعار المحلل الكهربائي، ففي حين يكلف إنتاج الهيدروجين الرمادي حوالي 1.50 يورو للكيلوغرام الواحد، والهيدروجين الأزرق من 2 إلى 3 يورو، فإن الهيدروجين الأخضر يكلف حوالي 3.50 يورو إلى 6 يورو للكيلوجرام، ولكن وفقًا للمفوضية الأوروبية من المتوقع انخفاض أسعار المحلل إلى النصف بحلول عام 2030، ومن المتوقع أيضًا انخفاض التكاليف مع إنتاج الهيدروجين على نطاق أوسع.
يمثل التحدي الرئيس في التحول إلى استخدام الهيدروجين الأخضر، في جعله قادرًا على المنافسة اقتصاديًا وقابل للتطبيق تجاريًا. وعلى الرغم من أن العديد من البلدان قد أعلنت عن برامجها الوطنية لإنتاج الهيدروجين، إلا أنها لم تخطط بعد لكيفية تسويقه.
مستقبل الهيدروجين الأخضر
قدرت إحدي الدراسات أنه بحلول عام 2030، من الممكن أن تصل أرباح الاستثمار في الهيدروجين بالولايات المتحدة نحو 140 مليار دولار، ويدعم 700 ألف فرصة عمل.
ويتوقع العديد من الخبراء أن تمر 10 سنوات قبل أن نرى انتشار الهيدروجين الأخضر؛ ومع ذلك توجد العديد من مشاريع الطاقة الخضراء في العديد من دول العالم.
في عام 2020، أطلقت الأمم المتحدة مبادرة "منجنيق الهيدروجين الأخضر"، التي جمعت سبعة من أكبر مطوري مشاريع الهيدروجين الأخضر في العالم، بهدف خفض تكلفة الإنتاج إلى أقل من 2 دولار للكيلوجرام، بحلول عام 2026.
حاليًا تعد الصين أكبر منتج للهيدروجين حيث تقدر نسبة الإنتاج بحوالي 33 مليون طن سنويًا، في حين تخطط الهند لإنتاج 5 ملايين طن سنويًا بحلول عام 2030.
العالم يقف على قدم وساق للتخفيف من حدة الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وإيجاد مصادر للطاقة أكثر استدامة، فهل يمكن أن يساعد الهيدروجين الأخضر في تقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري؟