الميكروبيوم والتغير المناخي

"الميكروبيوم الصحي" طريقك إلى التكيف المناخي

تخيل أن عدد الخلايا الميكروبية في جسدك يتجاوز عدد نظيرتها البشرية! فالجسم البشري المتوسط الحجم والعمر والوزن، يحتوي في المتوسط على حوالي 30 تريليون خلية بشرية، و39 تريليون خلية ميكروبية، ما بين بكتيريا وفيروسات وفطريات، ولكن لصغر حجمها فإنها تمثل 1 : 3% تقريبا من كتلة أجسامنا.

لا تقلق، فمجموع تلك الميكروبات المتعايشة مع الإنسان أو أي من الأحياء الأخرى -ويطلق عليها الميكروبيوم-، موجودة داخل أجسامنا وعليها للحفاظ على صحتنا ولإبقائنا على قيد الحياة، حيث تؤدي مهام حيوية للمضيف "الكائن الحي الذي يستضيفها"، كان آخرها ما أثبته فريق بحثي ألماني في دراسة تشير نتائجها إلى أنه يمكنها الإسهام في التكيف مع التغيرات المناخية.

الدراسة الجديدة، المنشورة مطلع يوليو الماضي بدورية "نيتشر كومينيكيشنز"، مثل أغلب الدراسات التي تعتمد على النماذج الحيوانية في دراسة الميكروبيوم ووظائفه، اعتمد الفريق البحثي فيها، على شقائق النعمان البحرية، واكتشفوا دوره المحوري في التأقلم مع ارتفاع درجات الحرارة.

لماذا شقائق النعمان؟ 

شقائق النعمان البحرية، أول حيوان متعدد الخلايا له جينوم متسلسل، وسرعان ما أدى توافر هذا الجينوم إلى جعله حيوانًا رئيسيًا في كل من علم الأحياء التطوري وعلم الجينوم المقارن، وكان أحد المفاجآت المباشرة والرئيسية هي اكتشاف أن الجينوم الخاص به، يشبه الجينوم البشري، في كثير من النواحي، أكثر مما هو عليه في نموذجين من اللافقاريات الأكثر شيوعا، وهما "ذبابة الفاكهة سوداء البطن" و"الربداء الرشيقة"، ومنذ ذلك الحين، يُعتمد عليه باستمرار في المختبرات بجميع أنحاء العالم.

دخل هذا الحيوان البحري في دراسة هي الأولى من نوعها، أثبت الباحثون من خلالها كيف يساعد الميكروبيوم الكائن الحي على التكيف مع الظروف البيئية المتغيرة، مثل درجة الحرارة والرطوبة ودرجة الحموضة والضوء والملوحة والضغط.

وتمكن الباحثون من التدليل على أن الاستعمار البكتيري للحيوانات يتغير نتيجة للتأقلم، ليصبح كائن شقائق النعمان أكثر مقاومة للإجهاد الحراري.

بالإضافة إلى ذلك، نجحوا في إثبات وجود علاقة سببية: فعندما قاموا بنقل الميكروبيوم المتكيف مع الحرارة إلى شقائق النعمان غير المتأقلمة، فإن الأخير يصبح أيضا أقل حساسية لدرجات الحرارة المرتفعة.

تستند الدراسة الجديد إلى دراسة طويلة الأمد، درس خلالها الباحثون تكيف شقائق النعمان مع الظروف البيئية المتغيرة لأكثر من أربع سنوات. 

عمل الباحثون مع حيوانات مستنسخة لحيوان أصلي واحد، وقارنوا 50 من شقائق النعمان المتطابقة وراثيا في كل من 15 مستعمرة مختلفة، وقسّموا هذه المستعمرات إلى ثلاث مجموعات تم حفظها في درجات حرارة 15 و 20 و 25 درجة مئوية لتحليل تأقلمها مع درجات الحرارة المختلفة.

اقرأ أيضاً:  5 تطبيقات هامة للصوف الزجاجي

تقول لورا بالداسار، الباحثة بجامعة هاينرش هاينه في دوسلدورف بألمانيا، والباحثة الرئيسية بالدراسة، في تقرير عن الدراسة نشره الموقع الرسمي للجامعة: "كانت التغييرات في تحمل درجات الحرارة مثيرة للاهتمام، حيث اختلفت شقائق النعمان بشكل كبير في مقاومتها لدرجات الحرارة المرتفعة، فعند تعريضها لدرجة حرارة عالية جدًا تصل إلى 40 درجة مئوية لمدة ست ساعات، فإن الحيوانات التي تأقلمت على درجة حرارة 25 درجة مئوية تحملت الحرارة ونجت".

يشير سيباستيان فراون قائد الفريق البحثي إلى أن هذا التأقلم أو ما يسمى باللدونة المظهرية، وهي قدرة النمط الوراثي على إنتاج أكثر من نمط ظاهري عند التعرض لبيئات مختلفة، يمكن التحكم فيه جزئيًا بواسطة البكتيريا، وبالتالي فإن "حقيقة أن هناك بالفعل علاقة سببية بين التغيير في الميكروبيوم والتكيف مع درجة الحرارة قد تم إثباته".

وتوفر أجسام الكائنات الحية بيئة مواتية للميكروبيوم من أجل تطوره، وفي المقابل، يؤدي الميكربيوم من خلال عوامل بكتيرية مختلفة، عددا معينا من الوظائف التي لا غنى عنها لجسمنا.

وظائف متعددة

أشكال الاستفادة المتبادلة بين الكائنات الحية والميكروبيوم كثيرة، وهذه العلاقة المشتركة تدفع الباحثين إلى اعتبار "الميكروبيوم" عضوا افتراضيا في الجسم، فبينما يتكون الجينوم البشري من حوالي 23000 جين، فإن الميكروبيوم يشفر أكثر من ثلاثة ملايين جين وينتج آلاف المستقلبات (المواد الناشئة عن عملية الأيض)، والتي تحل محل العديد من وظائف الكائن الحي المضيف، وبالتالي تؤثر على لياقته وصحته ونمطه الظاهري.

وعددت دراسة فوائد الميكربيوم المتوازن، ومنها أنه يوفر القدرات الأساسية لتخمير الركائز غير القابلة للهضم مثل الألياف الغذائية والمخاط المعوي الداخلي، ويدعم هذا التخمير نمو الميكروبات المتخصصة التي تنتج الأحماض الدهنية قصيرة السلسلة، وهي مصدر الطاقة الرئيسي لخلايا القولون، مما يجعلها ضرورية لصحة الجهاز الهضمي.

الدراسة ذاتها، ربطت الميكروبيوم بشكل خاص بالعديد من الأمراض، حيث لوحظ انخفاض التنوع البكتيري بشكل واضح لدى الأشخاص المصابين بمرض التهاب الأمعاء، والتهاب المفاصل الصدفي، وداء السكري من النوع الأول والثاني، والاضطرابات الهضمية، والسمنة وتصلب الشرايين، والمصابون باضطرابات نفسية مثل الاكتئاب والقلق والفصام والتوحد.

كل هذا، ولا نكاد نلحظ وجودها أو ندرك فوائدها العظيمة لأجسادنا أو حتى أضرارها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share