يؤمن مربو الكلاب أن حيوانهم الأليف يتمتع بذكاء فريد، ينفذ أوامر صاحبه بدقة، يمكنه قراءة لغة الجسد ويتصرف وفقها، وله قدرة مميزة على قراءة المشاعر البشرية، يتفق العلم مع ذلك بالتأكيد، إلا أنه يخالف الرأي الشائع الذي يعتبر أن "الماعز" كائنات غبية، ربما فقط مؤخراً مع تراكم عدة دراسات كاشفة للذكاء المختبأ في عيونها الجانبية الحادة.
بنتمي الماعز إلى "ذوات الحوافر" و التي تضم مجموعة من أكثر الحيوانات ذكاءً كالفيلة والدلافين والحيتان، تم استئناسها قبل قرابة 10 آلاف سنة من قبل البشر، لتعييش تحت حمايتهم وتوفر ألبانها ولحومها وغيره مما يحتاجه اللبشر.
اعتاد العلماء وربما العامة، النظر إلى الحيوانات المستأنسة من أجل الإنتاج الزراعي والحيواني مثل الماعز والبقر، على أنها في درجة أقل ذكاء من أقرانها المستأنسة لتوفير الحماية أو مشاركة البشر نشاطات مختلفة مثل الكلاب، إلا أن علماء جامعة "الملكة ماري" بلندن يتحدون تلك النظرة التقليدية.
فواكه ونظرات استغاثة
كشف اختبار أجراه باحثون من جامعة "الملكة ماري" بالتعاون مع "مؤسسة العلوم الزراعية" في زيوريخ عام 2014، أن للماعز القدرة على حل ألغاز معقدة للوصول إلى جائزة من الفاكهة، ابتكر تلك التجربة علماء الرئيسيات، الي تضم الشمبانزي والبونوبو إحدى أكثر الحيوانات ذكاءً.
للوصول إلى الجائزة كان على مجموعة مكونة من 12 ماعزاً أن تقوم بشد حبل قصير لتشغيل رافعة، ثم تقوم بعد ذلك باستخدام خطومها لرفعها إلى أعلى، حيث تحصل على الجائزة الثمينة من الفاكهة الشهية، استطاع مجمل 9 من أصل 12 ماعز القيام بالمهمة بنجاح، إلا أن التجربة لم تنته، حيث أعاد الباحثون إجراء اختبار الفاكهة مجدداً بعد 10 أشهر، و من المذهل أن كل الماعز تذكر جيدأ كيفية الحل، وقام بالمهمة في أقل من دقيقة!
وفي ذلك تقول "إلودي برياف" الباحثة الرئيسية في الدراسة :" أن السرعة التي استطاع الماعز خلالها حل اللغز بعد 10 أشهر، مقارنة بالوقت الذي استغرقه ليتعلمها من قبل، يكشف مدة قوة الذاكرة طويلة الأمد لديه".
للماعز سمات نفسية مذهلة أيضا، ففي دراسة نشرت قبل عامين في دورية "Biology Letters"، اختبر قدرة 34 من الماعز على فتح غطاء علبة للحصول على جائزة من الطعام، بينما يقف أحد المدربين بجانبها، بعد قيام الحيوانات الأليفة بأداء والنجاح في التجربة عدة مرات، قدم الباحثون علبة غير قابلة للفتح، أو بصياغة أخرى لغزأ غير قابل للحل، وهو اختبار لاكتشاف مدى تعلق الحيوانات المستأنسة بالبشر.
كما الكلاب، نظر الماعز إلى المدرب نظرة مطولة بعد أن فشلت كل محاولاته، كما أن نظراته كانت أكثر تركيزاً واستغرقت مدة أطول عندما كان المدرب ينظر إليهم، مقارنة إذا نظر للجهة الأخرى.
إن تلك النتائج تقدم دليلاً قوياً، لقدرات تواصل مميزة مع البشر، عند نوع حيواني استأنس بشكل أساسي لأغراض زراعية فقط، وتظهر تشابهم مع حيوانات استأنست للرعاية أو العمل كالكلاب و الأحصنة، هكذا يقول "كريستيان ناورث" مدرب الماعز والباحث الرئيسي في الدراسة، والذي يحاول من خلال أبحاثه الوصول إلى فهم أكبر للقدرات الإدراكية لأنواع مختلفة من الماشية.
إن لم تكن تلك الدراسات تكف لتغير نظرتك عن الماعز، أضاف باحثو جامعة الملكة ماري قبل أيام دراسة جديدة عن الماعز، بنتائج عاطفية للغاية، فوفقاً لاستنتاجات الباحثين يحب الماعز أن يراك سعيدأ ويبتهج لابتسامتك.
خلال الدراسة أطلقت فئة من 20 ماعزأ، 8 من الإناث والباقي من الذكور في حظيرة مزينة بصور أشخاص بعضهم مبتسم والآخر تبدو عليه علامات العبوس والغضب، تجنب الماعز تلك الفئة بينما اقترب واستغرق وقتاً أطول بالقرب من الصور المبتسمة.
يستطيع الماعز إذاً قراءة المشاعر البشرية، يحب أن يراك مبتسماً، يحل المشاكل المعقدة ويستعين بك في أوقاته الصعبة، له القدرة على بناء مجتمعات معقدة، ولكل مجموعة لهجتها المميزة، أن أخذ كل ذلك في الحسبان عند تربيتها "سيساعد على توفير رعاية أفضل والوصول على إنتاجية أكبر" وفقاً لـ "آلان ماكليجوت" أستاذ السلوك الحيواني والمشرف على الدراسة الأخيرة، كما أنها على الأغلب ستحمل لك ذكرى طيبة في ذاكرتها طويلة الأمد.