هناك العديد من الطرق للحصول على مظهر صحي، قد تكون حمية غذائية تحمي الأعضاء من التدهور، أو ممارسة الرياضة التي تعزز الأداء الحيوي للجسد، وغيرها الكثير والكثير من الأمور التي قد تؤخر ظهور علامات تقدم السن وتمنحك أداءً صحيًا مُرضيًا لوظائفك الخلوية، لكن إنجاب الكثير من الأطفال!
ساد لزمن طويل، وفقًا لنظرية تاريخ الحياة، أن نمو إنسان بداخلك لمدة تسعة أشهر، ثم طرده بقوة قد تتسبب في كسر الحوض والذي يؤثر بدوره سلبيًا على الجسد الذي يدفع ضريبة كل هذا الجهد، فيما يعني أن إنجاب الأطفال يجب أن يسرع عملية الشيخوخة؛ فبالنهاية، الطاقة المستثمرة في التكاثر تُستخدم لتكوين الجنين، لا للحفاظ على أنسجة جسم الأم لامعة وجديدة.
إلا أن العلم في وضع لمساته على أكثر الأمور أهمية للجنس البشري، إذ ربطت دراسة مثيرة مؤخرًا بين إنجاب المزيد من الأطفال ووتيرة الشيخوخة الخلوية للأم المُنجبة، فهل يمكن أن يكون للإنجاب يدًا فعالة في تأخير الشيخوخة وعلامات تقدم السن؟
علاقة عدد المواليد بالشيخوخة
في الـ7 من يناير/ كانون الثاني عام 2016 أظهرت دراسة - هي الأولى من نوعها - لجامعة «سايمون فريزر» في مدينة برنابي بكندا، والتي أجراها أستاذ العلوم الصحية ورئيس مختبر صحة الأم والطفل الدكتور «بابلو نيبومناشي - Pablo Nepomnaschy»، والباحثة «سيندي بارها - Cindy K Barha» الحاصلة على الدكتوراه من كلية الطب بجامعة كولومبيا البريطانية، أن عدد الأطفال الذين ولدوا لمجموعة من النساء كان مرتبطًا بمعدل عمر خلايا أجسادهن، مما قد يستطيل أو ينقص من فترة بلوغهن الشيخوخة.
كيف تتحدد أعمار الخلايا؟
يرتبط عمر الخلايا في جسم الإنسان بقطعة طرفية تتواجد في نهاية الكروموسومات يطلق عليها «تيلومير - Telomere»، وهي عبارة عن تسلسل متكرر من الأحماض النووية التي تعمل على تثبيت الكروموسومات، حيث تسمح لها أن تتكرر بشكل صحيح أثناء انقسام الخلايا من خلال تشكيل غطاء طرفي يحميها من الإلتصاق ببعضها البعض، وهو ما قد يسبب خلل في بناء الخلايا بشكل سليم.
تبرز أهمية التيلوميرات في كل مرة تقوم فيها الخلية بتكرار الحمض النووي، حيث يتم أثناء هذه العملية تقصير الكروموسومات بحوالي 25 - 200 قاعدة، هنا تؤدي التيلوميرات دورها في الحماية، لنجد أن الجزء الوحيد المفقود من الكروموسوم هو التيلومير، محافظًا بذلك على الحمض النووي دون تلف أو فقدان.
مما سبق، يمكننا أن ندرك ببساطة أن زيادة معدل إنقسام الخلايا في جسم الإنسان على مدار العمر، ينجم عنه تآكل محسوب في التيلومير إلى أن يفنى الإنسان بفناء هذا القُسيم الطرفي.
علاقة معدل الإنجاب بالتيلومير
كشفت الدراسة المذكورة نتائج مذهلة. فبعد تطبيق البحث على النساء اللواتي يلدن المزيد من الأطفال، كانت النتيجة هي امتلاكهن لتيلوميرات أطول.
أتت هذه النتيجة بعد قيام الأستاذ نيبومناشي وفريقه بتقييم حوالي 75 امرأة في مجاورتين مختلفتين للسكان الأصليين بمجتمعات الغواتيمالا الريفية، وبحصر أعداد أطفالهن والكشف عن أطوال التيلوميرات الخاصة بهن من خلال العينات اللعابية في نقطتين زمنيتين يفصل بينهما 13 سنة. توضح هذه النتائج أن هناك تتناقضًا مع نظرية تاريخ الحياة التي تتنبأ بأن إنتاج عدد أكبر من النسل يسرع وتيرة الشيخوخة البيولوجية!
وأوضح نيبومناشي قائلًا:
إن التباطؤ في وتيرة التيلومير الموجود في النساء اللاتي أنجبن أطفال أكثر، قد يعود إلى الزيادة الهائلة في هرمون الاستروجين - الذي يُفرز أثناء الحمل - ويعمل كمضاد أكسدة قوي يحمي الخلايا من تقصير التيلومير.
عوامل أخرى في عين الإعتبار
أضاف الدكتور نيبومناشي أيضًا، أن البيئة الاجتماعية قد يكون لها تأثير على العلاقة بين القدرة الإنجابية ووتيرة الشيخوخة، ذلك أن النساء اللاتي تمت متابعتهن خلال الدراسة كُنّ من ضمن شريحة سكانية بالعالم لها سمات خصوبة جيدة، حيث تتلقى الأمهات اللواتي يحملن العديد من الأطفال في هذه الشريحة دعمًا اجتماعيًا أكثر من أقاربهن وأصدقائهن، ويمكن أن يؤدي المزيد من الدعم إلى زيادة كمية الطاقة الأيضية التي يمكن تخصيصها لصيانة الأنسجة بالجسم، مما يؤدي إلى إبطاء عملية الشيخوخة الخلوية.
وفي نهاية الدراسة، أكّد الباحثون أن الشيخوخة عملية معقدة للغاية لا يزال يتعين علينا تعلم الكثير عنها.
شاهد أيضاً اضطراب ما قبل الطمث الاكتئابي.