الاحترار يهدد نحل العسل بالانقراض

في عام 2021، وتحديدًا في شهر مايو، تصدرت الصحف والمجلات صور للفنانة الأمريكية الشهيرة؛ أنجلينا جولي، والنحل يغطي وجهها وجسدها. جاءت هذه الصور ضمن مبادرات "ناشيونال جيوجرافيك"، للفت الانتباه إلى الحاجة الملحة لحماية النحل من المخاطر البيئية التي تهدده، وذلك في اليوم العالمي للنحل.

تمثل نحلة العسل نوع واحد من مجموعة متنوعة وضخمة من أنواع النحل التي تتخطى 20 ألف نوع، لكنها تعد الأشهر كونها ذات قيمة صحية وبيئية بالغة.

ومن المفارقات العجيبة أن يكون نحل العسل، وهو رمز للخلود عند قدماء الإغريق؛ في خطر يهدد بانقراضه بسبب تغيرات بيئية من صنع البشر.

ليس النحل وحده هو المهدد بالخطر في الوقت الراهن، بل يأتي ذلك التهديد ضمن مخاطر "الانقراض الجماعي السادس" الذي يشهده عالمنا في الوقت الحالي، والذي يصفه العلماء بأنه أقرب ما يكون إلى الفترة التي أدت إلى انقراض الديناصورات منذ زمن سحيق. ويرجح الباحثون أن ثلاثة أرباع أنواع الحيوانات الموجودة في عالمنا في الوقت الحالي قد تختفي في غضون 300 عام.

لماذا يمثل الأمر مشكلة؟

قد يطرق ذهنك تساؤل في باطنه بعض المنطقية: ما المشكلة إذا انقرضت بعض السلالات؟ أليس ذلك تطور طبيعي؟

حسنًا، قد يكون ذلك صحيحًا إذا كانت هذه التطورات تحدث بشكل طبيعي دون أن نكون -نحن البشر- سببًا في تسريع حدوثها بأفعال تدمر البيئة وأنظمتها الإيكولوجية.

وبالحديث عن النحل تحديدًا، فلعل أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نخشى اختفاءه هو إنتاجه للعسل، تلك المادة الطبيعية التي تنطوي على العديد من الخصائص الفريدة، والتي جعلته يُستخدم منذ آلاف السنين وحتى وقتنا الحالي في وصفات علاجية عديدة.

أشار الباحثون في دراساتهم إلى احتواء العسل على مواد مضادة للأكسدة ومضادة للميكروبات والالتهابات، كما أشاروا إلى خصائصه التي قد تقي من بعض أنواع السرطان. 

تشمل منتجات النحل الأخرى التي يمكن أن تفيد صحة الإنسان؛ شمع العسل الذي استخدم سابقًا في عزل المواد ضد المياه، وأيضًا في صناعة الوقود. لكن أبرز فوائده التي ما زالت تُستخدم حتى وقتنا الحالي هو صناعة المراهم ومنتجات العناية بالبشرة؛ نظرًا لقوامه المميز وخصائصه الفريدة.

في حين تتميز منتجات النحل بأهمية اقتصادية بالغة، إلا أنها لا تمثل الدافع الأهم لحماية النحل من الخطر الذي يهدده. بل يعد الدافع الأهم هو أن النحل يلعب دورًا مهمًا في تلقيح النباتات والمحاصيل المختلفة، حيث يستخدم النحل الشعر الخفيف الذي يغطي أجسامه لنقل حبوب اللقاح بين النباتات؛ ما يعني أن انخفاض أعداد النحل قد يهدد الأمن الغذائي بشكل مباشر، ويفاقم مشكلة نقص الغذاء التي يعانيها عالمنا.

أكثر العوامل تأثيرًا على النحل

كيف يؤثر تغير المناخ على النحل؟

تعد درجات الحرارة المتغيرة أبرز العوامل المؤثرة في دورة حياة النحل ونمو النباتات التي من المفترض أن يتغذى النحل على رحيقها. فمع ارتفاع متوسط درجات الحرارة، تتفتح معظم الزهور في وقت مبكر من الربيع، ما يؤدي إلى حدوث اختلاف ملحوظ في التوقيت الموسمي بين وقت إنتاج هذه الزهور لحبوب اللقاح والوقت الذي يكون النحل فيه جاهزًا لنقل تلك الحبوب. 

كذلك قد تتسبب درجات الحرارة المرتفعة في زيادة نسب إصابة النحل بالأمراض؛ خاصةً الطفيلية. كما قد تزيد انتشار الحشرات التي تهاجم النحل. 

أشارت دراسة حديثة إلى غزو وتكاثر الدبور الشرقي، وهو أحد المفترسات الخطيرة التي تهدد النحل، في محافظة شمال سیناء، نتيجة التغيرات المناخية المتطرفة التي حدثت في هذه المنطقة خلال العقدين الماضيين. 

اقرأ أيضاً:  اتفاقية ستوكهولم تنجح في خفض نسب "البوبز" في القطب الشمالي

وقد يتسبب تغير المناخ أيضًا في فقدان النحل لمواطنه الأصلية؛ حيث يفشل في الهجرة إلى مناطق أكثر برودة لإنشاء خلايا جديدة. 

الإنتاج السنوي غير مبشر

أدت التقلبات المناخية الحادة إلى خفض إنتاج العسل في السنوات الأخيرة في كافة أنحاء العالم العربي. على سبيل المثال، انخفض إنتاج العسل في قطاع غزة بنحو النصف هذا العام. والسبب في ذلك أنه لا يوجد في القطاع سوى موسم واحد لإنتاج العسل، يبدأ مع بداية الطقس الأكثر دفئًا في مارس، ويستمر حتى الأسبوع الأول من مايو. لكن هذا العام ظل الطقس باردًا مع هطول أمطار غير متوقعة حتى الأسبوع الثاني من أبريل، ثم أصبح الطقس حارًا بشكل ملحوظ.

أثّر البرد الطويل على إزهار العديد من أشجار الحمضيات ومحاصيل الخضراوات، ما ترك النحل مع عدد محدود من الزهور ليجمع منها الرحيق، ما تسبب في انخفاض إنتاج غزة من العسل من 200 طن في العام الماضي، إلى 140 طن فقط هذا العام.

كذلك في ليبيا، فقد مربو النحل في ترهونة وسهل الجفارة، المواقع الرئيسية لإنتاج عسل السدر الشهير، ما لا يقل عن 2000 من حوالي 4500 مستعمرة نحل في موسم الصيف الماضي بسبب موجات الحر الشديدة، وفق تقديرات تقريبية من المنظمة الليبية لتربية نحل العسل بالبلاد. 

وفي اليمن، الأشهر بين دول المنطقة في إنتاج نحل العسل، قدر الإنتاج الحالي من العسل بنحو 1600 طن سنويًّا، وهو أقل بكثير من إنتاج عام 2020 الذي تجاوز 2822 طنًّا، وفق بيانات كتاب الإحصاء الزراعي.

وما كل ذلك إلا مجرد أمثلة بسيطة، تعكس الخطر الذي يهدد النحل في كافة أنحاء العالم، والمنطقة العربية على وجه الخصوص.

إذًا، ما العمل؟

تتوجه الجهود الحالية إلى إيجاد حلول عملية لإنقاذ نحل العسل من الخطر الذي يهدده. ففي مايو عام 2018، أصدر الاتحاد الأوروبي قرارًا بحظر ثلاثة مبيدات حشرية تُعرف باسم مبيدات "النيونيكوتينويد" للتخفيف من حدة آثارها على النحل، وهي من فئة المبيدات الحشرية التي تهاجم الجهاز العصبي المركزي.

كذلك أشارت إحدى الدراسات التي قادها فريق بحثي بجامعة دمنهور شمال مصر، إلى إمكانية إجراء بعض التعديلات في خلايا نحل العسل لحماية مستعمراته من الإجهاد الحراري خلال فصل الصيف. كما طرحت إمكانية تعزيز صفات النحل لزيادة قدرة تحمله للتغيرات المناخية الحادة؛ إما عن طريق التكاثر الانتقائي من خلال اختيار النحل الأصغر حجمًا ذو الإنتاجية الجيدة أو عن طريق تهجين النحل مع أجناس أخرى ذات خصائص تمكنه من مواجهة الحرارة.

وفي هذا السياق أيضًا، انطلقت العديد من المبادرات العربية للحث على زيادة أعداد مربي النحل في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أبرزها برنامج "خليتي" الذي أطلقته الإمارات العربية المتحدة بالمدينة المستدامة في دبي، والذي شاركت فيه مئات الأسر، لتتخطى أعداد النحل في هذا البرنامج أكثر من 20 مليون نحلة، ضمن ألف خلية.

تمثل مشكلة انخفاض أعداد نحل العسل قضية ملحة في الوقت الراهن. لذلك، يجب أن تتكاتف الهيئات المعنية، وأن تعمل جنبًا إلى جنب لإيجاد حلول عملية وسريعة، حتى لا ينقرض النحل وعسله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
كل ما تود معرفته عن حليب الصراصير - ENCOMILK
طالع المزيد

حليب الصراصير ذو الطعم الخطير؛ هل تغزو صراصير المحيط الهادئ الأسواق بحليبها؟

تخيل أن تجلس في أحد المطاعم وعند طلبك لكوب شاي بحليب فإذا بالنادل يسألك بكل تلقائية وبوجه تعلوه…
Total
0
Share