في دراسة حديثة أُجريت تحت إشراف الجمعية الملكية ووكالة البحث القومي الفرنسية (CNRS)، وبالتعاون بين مجموعة من العلماء من فرنسا والمملكة المتحدة وفنلندا والولايات المتحدة الأمريكية ونيوزلاندا والمجر وألمانيا في 24 مارس 2020؛ وُجد أن الإناث في الحيوانات يعشن لمدة أطول من شركائهم بنسبة تصل إلى 18%، وقد تحققت النتيجة نفسها في حوالي 60% من أكثر من 100 نوع من الحيوانات التي اشتملتها الدراسة، في حين أنه بالنظر إلى الإنسان كانت النسبة التي تفوقت بها النساء عن شركائهم في السن تُقدر بحوالي 7.8% فقط.
"نحن نعلم من زمن طويل بالفعل أن المرأة بشكلٍ عام تعيش فترة أطول من الرجل، فالأمر أشبه بالبديهي وليس جديدًا أبدًا، ولكن المثير حقًا هو أن نجد ذلك جليًا وبشكل أوضح في الحيوانات البرية."
بروفيسور تاماس سيكيلي أحد العلماء المشاركين في الدراسة
على سبيل المثال تعيش اللبؤة أكثر من الذكر بنسبة 50%، سابقًا كان يُعتقد أن السبب في هذا راجع إلى عملية الانتقاء الجنسي (Sexual Selection)، والذي يعني أن الذكور يتقاتلون لنيل الفخر والمكانة، وبالتالي يحصل على الأنثى؛ لكننا لا نستطيع الإقرار بأن هذا هو السبب الأساسي فالأمر أكثر تعقيدًا من هذه الفكرة التي قد يراها البعض سطحية.
يوجد توضيح آخر ربما يُؤهل ليصبح سببًا في ذلك، ألا وهو عيش أنثى الأسد تحديدًا في مجتمعات تتكون من الأم والأخوات، يصطدن سويًا ويعتنين ببعضهن البعض، أما الذكر فإما أن يعيش وحيدًا أو مع أخيه ولذلك فهو لا يحظى بنفس القدر من الدعم المحيط بالأنثى.
كذلك يصبح الذكر مشاركًا بشكل جزئي أو كلي في رعاية الأبناء في بعض الأحيان، مما ينعكس بالإيجاب على أُنثاه، وهذا قد يكون من الأسباب غير المباشرة في زيادة عمر الأنثى.
ولمزيد من الإثباتات قرر الباحثون نقل التجربة على الحيوانات الموجودة بحدائق الحيوان، والتي لا تعيش أي حياة تنافسية بالمرة؛ حيث توفر الطعام ولا مجال لقسوة الظروف، آملين أن يمكنهم ذلك من دراسة الأمر من الناحية البيولوجية بعيدًا عن كل العوامل السابق ذكرها.
وبالفعل خلصت التجربة إلى استنتاج مفاده أن الأمر له صلة كبيرة بارتفاع معدل انتشار العوامل الممرضة، والذي يُعتبر المُسبب الرئيسي للاختلاف الظاهر بين الأعمار في كلا الجنسين.
وماذا عن البشر؟
بتسليط الضوء على البشر نجد أنه أمر تعددت فيه الأقاويل وكثرت التفسيرات، والتي ربما أبرزها التوتر أو الإصابات الناتجة عن عمل الرجال؛ حيث تؤدي أحيانًا إلى الإصابة بأمراض القلب، وربما للأمر علاقة بالتدخين أو تناول المشروبات الكحولية.
لكن حتى هذا التفسير ليس مقنعًا؛ لأننا أصبحنا نعيش في عالم أهم ما يميزه هو المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء تقريبًا، فمثل هذه الأمور لم تعد تقتصر على الرجال وإنما للأمر أبعاد أخرى أعمق من ذلك.
إذن، فما الأسباب الحقيقية؟
من هنا نعود لنفس النقطة التي أشرنا فيها إلى الدور الذي تلعبه العوامل البيولوجية، حيث طرح العلماء مجموعة من التساؤلات: هل لكروسوم X علاقة بالأمر؟ هل يسبب وجود الكروموسوم Y في الذكور فقد الكثير من النسخ للعديد من الجينات؟
بمعنى هل للهرمونات الجنسية في الأنثى - والتي ثَبت أنها تؤثر في الجهاز المناعي - أن تؤثر أيضًا في طول مدة حياة الإناث؟
بالفعل أسفرت دراسة أخرى أُجريت على مجموعة من الرجال الذين استئصلت خصيتهم في سن ما، فلا يُفرز لديهم هرمون التستوستيرون أنهم يعيشون فترة أطول من غيرهم من الذكور الذين لم يمروا بنفس التجربة.
والآن وبعد كل ذلك... رغم طول المدة التي قد تعيشها المرأة مقارنةً بالرجل، إلا أنها في الوقت ذاته تصبح عرضة للاصابة بالأمراض وخصوصًا أمراض المفاصل والعظام بشكل كبير.