"إذا منحنا كل فرد الكمية الصحيحة من الغذاء والتمارين الرياضية، لوجدنا الطريق الأكثر أمانًا إلى الصحة."
هكذا نصح "أبقراط" الطبيب اليوناني الشهير المعروف بـ "أبو الطب" طلابه في عصور ما قبل الميلاد. لم يكن "أبقراط" مدركًا لآلية حدوث التأثيرات البالغة للنشاط البدني على جسم الإنسان، لكنه أدرك بالضرورة ارتباط النشاط البدني بتعزيز صحة الفرد ووقايته من الأمراض. غير أنه لم يخبر طلابه بأن الأمر سيكون بهذه الصعوبة في بدايته، ولم يذكر لهم شيئًا عن ألم العضلات بعد التمرين.
صور النشاط البدني
تختلف صور النشاط البدني في طرق تأدية التمارين الخاصة بكل منها، كما تختلف في الهدف المرجو من ممارستها، لكنها تسير جنبًا إلى جنب لتتفق جميعًا في الهدف الرئيسي من ممارستها، وهو تعزيز الصحة العامة، كما تتفق أيضًا في الصعوبة النسبية للبدء فيها أو في العودة إلى ممارستها بعد فترة من الانقطاع أو الخمول البدني. فلماذا ألم العضلات بعد التمرين؟
لماذا تكون ممارسة الرياضة أصعب ما يكون في بدايتها؟
يتسم نمط الحياة التي نعيشها حاليًا بالخمول البدني والكسل، سواء بسبب التطورات التكنولوجية البالغة التي تمكن الفرد من الوصول إلى ما يريد بلمسة إصبع واحدة، أو بسبب جائحة كورونا التي أجبرت الجميع على التزام منازلهم، ما أدى إلى حدوث انخفاض حاد في معدلات ممارسة النشاط البدني على مستوى العالم أجمع.
لعلك أدركت خطورة الخمول البدني في فترة ما من حياتك، أو ربما لاحظت زيادة طفيفة في وزنك، لتقرر بعدها ممارسة أي من الرياضات البسيطة، ليس فقط لفقدان الوزن الذي اكتسبته، بل أيضًا لاختبار صحة المعلومات التي تزخر بها آلاف المقالات العلمية عن الفوائد الجمة لممارسة الرياضة، لتتفاجئ أول مرة تنخرط فيها في أي نشاط بدني أكثر من اعتيادك اليومي أن الأمر شاق للغاية.
فتدرك أن أصعب الأمور بداياتها، وتذكر نفسك مرارًا وتكرارًا بأن الأمر يستحق. لكن سرعان ما تبدأ بالتشكيك في إرادتك ويتسلل الملل إلى نفسك، لتعزف في النهاية عن قرارك وتنقطع عن ذلك النشاط البدني.
عنيت العديد من الدراسات بالبحث عن تفسير واضح لصعوبة البدء في ممارسة التمارين الرياضية. تشير دراسة حديثة إلى أن بروتين (Piezo1) الذي تفرزه الخلايا الطلائية المبطنة للسطح الداخلي للأوعية الدموية يلعب دورًا في التأثيرات التي نواجهها في فترات الانقطاع عن ممارسة الرياضة، ما يجعل العودة مرة أخرى لممارسة أبسط التمارين الرياضية أمرًا شاقًا.
تعمل هذه البروتينات كمستشعرات لزيادة تدفق الدم، الذي يحدث في أثناء ممارسة التمارين الرياضية. يؤدي استشعار هذه البروتينات لزيادة تدفق الدم إلى دفعها لزيادة كثافة الشعيرات الدموية التي تحمل الدم إلى العضلات المعنية، لتضمن وصول مصادر الطاقة الكافية لاستمرار انقباض تلك العضلات.
كما تشير الدراسة نفسها إلى أن الانقطاع عن ممارسة التمارين الرياضية لفترة طويلة، يؤدي إلى تعطيل عمل تلك البروتينات. حيث قارن الباحثون بين النشاط البدني لمجموعتين من الفئران، بعد عشرة أسابيع من خضوع إحدى المجموعتين لتعطيل الجين المسؤول عن إفراز بروتين (Piezo1) عن طريق الهندسة الوراثية.
وعلى الرغم من استطاعة الفئران في كلتا المجموعتين ممارسة النشاط البدني لمدة زمنية مماثلة، إلّا أن المجموعة التي خضعت لتعطيل الجين المسؤول عن إفراز بروتين (Piezo1) أظهرت انخفاضًا ملحوظًا في كفاءة ذلك النشاط البدني، كما أظهرت انخفاضًا في سرعة الجري، ما يشير إلى ارتباط تعطيل بروتين (Piezo1) بانخفاض القدرة على النشاط البدني.
تشير د. "فيونا بارتولي" -المشاركة في تلك الدراسة- بأنه بالرغم من إجراء هذه الدراسة على الفئران، إلّا أن البشر أيضًا يحملون الجين المسؤول عن إفراز بروتين (Piezo1). كما تقترح أن الصعوبة النسبية لممارسة التمارين الرياضية في البداية أو بعد فترة من الانقطاع عن النشاط البدني، يُعزى إلى تعطيل بروتين (Piezo1) الذي يؤثر على الأداء البدني للفرد عن طريق تقييد تدفق الدم إلى العضلات.
لا يقتصر الأمر على العضلات فحسب
تمثل العضلات العضو الأهم -بلا شك- في استجابة الجسم للنشاط البدني، عن طريق إفراز البروتينات الهامة للتواصل مع أنسجة الجسم الأخرى، فالأمر أشبه بحديث يدور بين خلايا وأنسجة الجسم المختلفة، عن
طريق إرسال الإشارات العصبية، وإفراز البروتينات والإنزيمات التي تعمل بدورها على تهيئة الجسم لذلك النشاط البدني.
ولكن استجابة الجسم للنشاط البدني لا تقتصر على العضلات فحسب، حيث يمكن أن يكون للأعضاء الأخرى خصائص شبيهة بالغدد الصماء، فتفرز بعض الهرمونات للتواصل مع باقي أنسجة الجسم خلال النشاط البدني.
أشار الباحثون في دراسة حديثة إلى الدور الذي تلعبه العظام في التكيف مع النشاط البدني، عن طريق إطلاق هرمون (الأوستيوكالسين)، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبته في الدم بشكل ملحوظ. يعمل (الأوستيوكالسين) على تعزيز استهلاك العضلات للجلوكوز خلال النشاط البدني، ما يوفر مصدرًا للطاقة اللازمة لانقباض العضلات.
لا تقتصر وظيفة (الأوستيوكالسين) على ذلك، بل تمتد لتحفز إفراز الخلايا العضلية ل (إنترلوكين 6) الذي يعمل بدوره على تكسير جزيئات الدهون بالخلايا الدهنية، وإفراز الأحماض الدهنية التي يستهلكها الجسم في إنتاج الطاقة، كما يعمل أيضًا على تحفيز تصنيع الكبد للجلوكوز اللازم لتوفير الطاقة.
هل يستحق الأمر ذلك العناء؟
مع صعوبة البدء في ممارسة النشاط البدني، بسبب ألم العضلات بعد التمرين، نبدأ في التفكير والتساؤل عما إذا كان الأمر يستحق تلك المشقة، لينتهي بنا الحال -في الأغلب- بالعزوف عن الأمر برمته، إما للتشكك في القدرة على الاستمرار والمواظبة على ممارسة التمارين الرياضية، أو لإغفال الفوائد الصحية الجمة لتلك التمارين البسيطة.
يشير مركز مكافحة الأمراض والسيطرة عليها (CDC) إلى تأثير ممارسة الرياضة على صحة الفرد، على المدى القريب والبعيد على حد سواء، ما يؤكد أن الأمر يستحق تحمل بعض العناء في بدايته.
أخيرًا، على صعوبة الأمر في بدايته، والمشقة التي نعانيها في بداية رحلة ممارسة التمارين الرياضية، إلّا أن الأمر يستحق العناء، فبالقليل من المثابرة والتحدي، يمكن استغلال الفوائد الجمة والتأثيرات البالغة التي يُحدثها النشاط البدني في الجسم.
مقال مفيد إستفدت منه بشكل جيد خاصة أنني أعاني في كل مرة من الالام العضلات بعد ممارسة التمارين الرياضية. شكرا