بذراع نالت منه آثار الخدوش وعلامات التجريح القديمة، وكأنها لشخص حاول مرارًا وتكرارًا الانتحار -غير أنها حقًا لم تحاول- جلست أمامي فتاة الـ 21 عامًا تحاول إخفاء الآثار في حرج، لتخبرني بتأثر بالغ: بالرغم من نجاحي في تجاوز هذه المحنة، وإقلاعي تمامًا عن الكاتينج (أحد ممارسات إيذاء النفس غير الانتحاري) منذ قرابة عامين بعد ممارسة دامت لـ عامين ونصف. وبالرغم من سعادتي وفخري لتمكني أخيرًا من استعادة حياتي الطبيعية وإيجاد طرق أفضل للتعامل مع ما أواجه من ضغوطات ومشاكل. إلا أنني أحزن كثيرًا لإدراكي حقيقة أن بعضًا من رفاقي، لازالوا مستمرين في أذية أنفسهم بشدة، ربما لأن أحدًا لم يعرهم اهتمامًا وقدم إليهم الدعم النفسي والعلاجي الكافي الذي كنت محظوظة لحصولي عليه.
وتابعت: بدأت في عمر الـ 16، أذكر جيدًا كم كان يملؤني الغضب ذاك اليوم بسبب مشكلة كبيرة مع أقرب الأصدقاء. ولسوء حظي بينما استعرض استوريز واتساب فإذا بفيديو لأشكال من الكاتينج، لم انتظر طويلًا لأجرب الأمر، كان مؤلمًا ولسبب لا أفهمه الآن أعجبني شكله "كوول". ظني أن هكذا يبدأ الأمر مع الكثيرين (التقاء ظروف نفسية عصيبة مع تمرير للفكرة)، وما أن تبدأ حتى يصعب التوقف. إنها حل سهل للعديد من المشاكل، أو هكذا نظن. مع ذلك يبقى العامل المشترك بيننا أننا حقًا نشعر بالسوء مما نفعل بأنفسنا، الأمر منهك!
حقيقةً باتت هذه الممارسات شائعة خاصةً بين المراهقين والشباب. لذا، نقدم لك في هذا الموضوع كل ما يهمك حول الكاتينج أو إيذاء النفس غير الانتحاري. فإن كنت تمارسه، أو تشعر أن أحد أقربائك يؤذي نفسه وترغب بتقديم الدعم، فهيا نبدأ..
الآن لننتقل إلى الجزء الأهم..
ملحوظة: النتائج التالية مبنية على مراجعة 2500 حالة لإيذاء النفس، بالإضافة لدراسة نُشرت على SAGE Journals
الإصابة بمرض نفسي يزيد من فرص إيذاء النفس
إليك نسب من قاموا بأذية أنفسهم وهم مصابون بهذه الأمراض مسبقًا:
-
80 % من مرضى الاكتئاب
-
64 % ممن يعانون من اضطراب القلق العام
-
37 % ممن يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة
-
32 % ممن يعانون من القلق الاجتماعي
-
25 % ممن يعانون اضطرابات الشخصية
-
18 % ممن يعانون من اضطراب الهلع
-
أقل من 18% ممن لديهم مشاكل نفسية أخرى (مثل/ اضطراب ثنائي القطب، فقدان الشهية، الوسواس القهري، الشره المرضي، إدمان الكحول والمخدرات، اضطرابات الأكل، فرط الحركة وقصور الانتباه، اضطرابات الهوية الانفصامية، الفصام العاطفي )
لعلمك* إيذاء النفس ليس بالضرورة دليلًا على الإصابة بمرض نفسي، ولكن هناك علاقة قوية بين المرض النفسي وبين إيذاء النفس.
الإصابة بمرض جسدي مزمن يزيد من فرص إيذاء النفس
المرض المزمن يزيد من الضغط والتوتر على المريض، ما قد يؤثر على صحته العقلية؛ فيلجأ لإيذاء نفسه للتعبير عن غضبه، من هذه الأمراض:
-
الفيبروميالجيا ومتلازمة اهلرز دانلوس (143 حالة)
- الفيبروميالجيا: اضطراب يتسم بألم عضلي هيكلي واسع النطاق مصحوبًا بالإرهاق ومشاكل في النوم والذاكرة والمزاج
- متلازمة اهلرز دانلوس: مجموعة من الاضطرابات المتوارثة التي تؤثر على الأنسجة الضامة، خاصةً الجلد والمفاصل وجدران الأوعية الدموية )
-
الصداع النصفي (85 حالة)
-
مرض السكر والألم المزمن (48 حالة)
-
بطانة الرحم المهاجرة (47 حالة)
-
أمراض أخرى (40 حالة فيما أقل)
التخفيف من المشاعر السلبية (عند 76 %)
يُعتبر أشهر سبب لإيذاء النفس وذلك للتخلص من بعض المشاعر السلبية مثل : الحزن - القلق - الإحباط - الغضب
التعامل مع هذا الدافع عن طريق: المشي واللعب وكتابة هذه المشاعر
عقاب النفس (عند 66 %)
نتيجة لانتقاده لنفسه بشدة وتكوين أفكار سلبية عنها، يلجأ البعض إلى إيذاء النفس كعقاب لها، ويُعتبر هذا هو ثاني أشهر سبب لإيذاء النفس
التعامل مع هذا الدافع عن طريق: خذ حمامًا باردًا وفكر في الأشياء الجيدة في نفسك
شفاء الألم (عند 65 %)
إيذاء النفس لا يحول ألم المشاعر والضغط النفسي إلى ألم ظاهر فحسب؛ بل مشاهدة الجرح يشفى يساعد على تخفيف آلام مشاعرك أيضًا
للتعامل مع هذا الدافع عن طريق: خذ حمامًا دافئًا، اشرب كوبًا ساخنًا من الشاي
الشعور بالسيطرة على جسدك (46 %) ومشاعرك (52 %)
في المواقف الصعبة تفقد السيطرة على كل شيء بما في ذلك جسدك ومشاعرك، ما يدفع البعض لإيذاء النفس للشعور بأن لا أحد يستطيع إيذاءهم أكثر من أنفسهم وكذلك للشعور بالسيطرة على المشاعر والجسد
للتعامل مع هذا الدافع: مارس اليوجا، خذ حمامًا دافئًا، نظف غرفتك
التعبير عن حاجتك للدعم (عند 48 %)
يُعتبر إيذاء النفس وسيلة لطلب المساعدة عندما لا تجد كلمات تُعبر عن ذلك
للتعامل مع هذا الدافع: راسل صديق وقم بزيارته، قم بعمل الأشياء التي تحبها مع أصدقائك
إيقاف الشعور باللاشيء (عند 44 %)
أحيانًا لا تشعر بأي شيء وكأنك فارغ، تشعر بأن هذا العالم غير حقيقي - مما يدفعك لإيذاء نفسك للتخلص من هذا الشعور
للتعامل مع هذا الدافع: تناول ليمونة، أمسك بعض الأشياء، رش رائحة مميزة
إيقاف الأفكار الانتحارية (عند 32 %)
عندما تفكر في الانتحار ولا تجد طريقة للتخلص من هذه الأفكار سوى تجريح نفسك، يكون هدفك من ذلك هو جعلك تشعر بشعور أفضل وليس التسبب في موتك
للتعامل مع هذا الدافع: شاهد فيلم كوميدي والعب، اتصل بصديق
رؤية الألم
عند التعرض لألم عاطفي قوي فلا أحد يشعر بك لأنه مخفي داخلك، لذا فأنت بحاجة إلى إظهار هذا الألم، فتلجأ إلى إيذاء نفسك لتبين لنفسك وللناس أنك لست بخير
للتعامل مع هذا الدافع: ارسم ولون واكتب تجربتك
طقوس إيذاء النفس
ما تفعله قبل وبعد إيذائك لنفسك قد يساعدك على الاسترخاء، لأن هذا الروتين يشعرك أن الراحة قادمة
للتعامل مع هذا الدافع: مارس حرفة وتأمل واطبخ
إيقاف الذكريات (عند 29%)
عادةً ما يكون إيذاء النفس ناتجًا عن تداخل أكثر من دافع
ما هي أعراض إيذاء النفس غير الانتحاري؟
إدمان إيذاء النفس غير الانتحاري
- 68 % من أصل 2500 حالة تمت مراجعتها يشعروا بأن إيذاء النفس مثل الإدمان؛ فهم دائمًا في حاجة إلى المزيد والمزيد منه لكي يصلوا لنفس الشعور بالراحة.
- 11.5 سنة هي متوسط عدد السنين التي استمر فيها الأشخاص في إيذاء أنفسهم.
مضاعفات الإدمان والاستمرار في هذا السلوك لمدة طويلة
- زيادة الشعور بالخزي والذنب وقلة الثقة في النفس
- الإصابة بالعدوى
- تشوهات دائمة
- حدوث جروح مميتة
تشخيص إيذاء النفس
لا يتم التشخيص إلا بواسطة أخصائي طب نفسي، لأن هذه الحالة قد تكون مؤشرًا مرض نفسي خطير
لكن بشكلٍ عام يبحث الأخصائي عما يلي:
1- أعراض إيذاء النفس + أحد الدوافع لإيذاء النفس +.....
2- أن يكون السلوك غير مقبول اجتماعيًا
3- يشعر المريض بالحزن من فعله
والأهم* ألا يمكن تفسير الأعراض بأي مرض آخر
علاج إيذاء النفس غير الانتحاري
لا يوجد علاج ثابت لكل الحالات، فهو يختلف من شخص لآخر، لكن أول ما يجب فعله عندما تؤذي نفسك هو أن تخبر شخصًا أنك بحاجة إلى المساعدة.
أولًا: العلاج النفسي
أهدافه:
- تعلم كيفية التعامل مع الدوافع
- تعلم كيفية السيطرة على التوتر والمشاعر
- حب النفس وتطوير العلاقات والمهارات
أنواعه:
- العلاج السلوكي المعرفي، للمساعدة على تحديد المعتقدات والسلوكيات السلبية وتحويلها إلى معتقدات وسلوكيات صحية وإيجابية، كما يساعد على التكيف عليها.
- العلاج السلوكي الجدلي، لإكساب المهارات السلوكية والمساعدة على تحمل الضغط والضيق وجعل المريض قادرًا على تنظيم وإدارة العواطف وتحسين علاقاته مع الآخرين.
- العلاجات القائمة على اليقظة، للمساعدة على العيش في الحياة الواقعية وفهم أفكار وأفعال الآخرين بصورة صحيحة لتقليل التوتر والاكتئاب وتحسين الصحة العامة.
ثانيًا: العلاج بالأدوية
ليس لها فائدة إلا في الحالات المُصابة بأي مرض نفسي آخر
ثالثًا: تغيير أسلوب الحياة
بتجنب الأسباب والعوامل الدافعة إلى إيذاء النفس
أخيرا، لا تتردد في طلب الدعم ولا تنتظر حتى تخرج الأمور عن السيطرة، مهما كان هدفك صعبًا، فطالما أنه يتعلق بصحتك النفسية والجسدية عليك تحقيقه.