في عام 2010، تم توجيه ثلاثة من طلاب مدرسة موستانج بمدينة أوكلاهوما الأمريكية إلى مكتب المدير بعد أن ظهروا في حالة من السُكر خلال اليوم الدراسي.
نفى الطلاب حينذاك شربهم للخمور، وزعموا أن هذه الحالة نتجت عن استماعهم إلى بعض المقاطع الصوتية التي يقومون بشرائها وتحميلها من على شبكة الإنترنت مقابل بضعة دولارات.
أثارت هذه الحادثة قلق السلطات المحلية لدرجة أنها أرسلت رسالة إلى الآباء، تحذرهم من هذه الممارسة الجديدة الغريبة.
وأثار هذا الحادث برمته سؤال: هل يمكن للمقاطع الصوتية أن يكون لها تأثير مشابه للخمور والمواد المخدرة؟
دقات الطبول.. أفيون القدامى
لطالما بحث البشر منذ قديم الأزل عن طرق مختلفة لتجربة مشاعر جديدة وللتحكم في حالتهم المزاجية، في سبيل التحول من حالة إدراكية معينة إلى أخرى.
وغالبًا ما تتضمن هذه الطرق شم بعض المواد أو مضغها أو حتى حقنها في أجسامهم. لكن تظل هناك بعض السبل الأخرى الأقل شهرة، كالاعتماد على الموجات الصوتية والتفاعل معها.
وعلى غرابة الأمر، إلّا أن تأثر البشر بالموجات السمعية ليس أمرًا حديثًا. على سبيل المثال، رقصة المطر التي كانت ولازالت تؤديها بعض القبائل، ودقات الزار في بعض الدول العربية، وكذلك رقصة الليوا الشعبية.
كل هذه الأمثلة تعبر عن تأثير الموجات الصوتية والذبذبات على الحالة المزاجية للمستمع. وقد تم تعريف تأثير تلك الذبذبات والموجات على الحالة المزاجية والإدراكية علميًا عام 1839، من قبل الفيزيائي الألماني "هاينريش دوف". وفي عام 1970، استخدمت هذه النغمات السمعية في علاج بعض الأمراض النفسية لدى المرضى الذين كانوا يرفضون العلاج السلوكي والأدوية.
يعتمد تأثير هذه الموجات الصوتية على استقبال الأذن لصوت ذو تردد معين -يتم قياسه بوحدة الهرتز-، في حين تستقبل الأذن الأخرى صوت ذو تردد مختلف، ما يدفع أدمغتنا لمحاولة دمج وتوحيد هذه الأصوات ومعالجتها، وبالتالي ينتج عن ذلك موجة صوتية ذات تردد جديد. تعد هذه الموجة الجديدة هي المسؤولة بشكل مباشر عن التأثيرات الدماغية التي تحدث، والتي من شأنها التأثير على الحالة المزاجية والإدراكية للمستمع.
على سبيل المثال، إذا أراد المستمع أن يكون في حالة من الراحة، فقد يختار الاستماع إلى تردد 140 هرتز في أذن، بينما تستقبل الأذن الأخرى تردد 145 هرتز. وفي هذه الحالة، يدرك دماغ المستمع الفرق بينهما وهو 5 هرتز.
أما إذا أراد المستمع أن يكون في حالة من النشاط، فقد يختار الاستماع إلى تردد 130 هرتز في أذن و150 هرتز في الأذن الأخرى، فيدرك دماغه الفارق بينهما؛ 20 هرتز.
المخدرات الرقمية
المخدرات الرقمية ظاهرة قد لا يعرف عنها الكثير. يزعم مروجو هذه المخدرات الرقمية أن تأثير الموجات الصوتية قد يحاكي التأثير النفسي والعقلي للمخدرات المعتادة كالماريجوانا وغيرها.
وفي هذا السياق، أشار المشاركون في إحدى الدراسات إلى أن هذه المخدرات الرقمية -في صورة موجات صوتية ذات تردد وإيقاع محدد- كانت سببًا في تقليل الشعور بالألم في بعض الأحيان. كما كانت مساهمًا في تعزيز الذاكرة وتخفيف أعراض القلق والاكتئاب لدى آخرون.
وفي محاولة لفهم هذه التأثيرات ومدى انتشار ظاهرة المخدرات الرقمية، قام فريق من الباحثين من أستراليا والمملكة المتحدة في عام 2021 بعمل استطلاع يشمل أكثر من 30 ألف مشارك من 22 من البلدان المختلفة. ووجد الباحثون أن 5% من المشاركين قد انخرطوا في وقت ما من حياتهم في استخدام هذه المخدرات الرقمية، كما أشارت النتائج إلى أن الكثير منهم يستخدمون هذه المخدرات لأغراض ترفيهية بحتة.
هل تمثل المخدرات الرقمية خطرًا حقيقيًا؟
توجهت العديد من الدراسات إلى الإجابة عن هذا السؤال؛ منها دراسة مصرية أجراها فريق من الباحثين في محاولة لكشف مخاطر المخدرات الرقمية.
أشارت الدراسة إلى أن المخدرات الرقمية لا تقل خطرًا عن المخدرات التقليدية المعروفة، وأن أثر الاستماع إلى أحد هذه الملفات الصوتية، قد يعادل شرب سيجارة من الحشيش أو تناول جرعة من الكوكايين.
قد تمثل هذه المخدرات الرقمية خطرًا على جميع مستخدميها؛ لكنها تمثل خطرًا مضاعفًا للمستخدمين الأصغر سنًا، الذين ما زالت عقولهم في مرحلة النمو.
كذلك فقد يسهم الاستماع إلى هذه الملفات الصوتية إلى تفاقم نوبات الصرع لدى الأشخاص الذين يعانون منه بالفعل.
وفي هذا السياق أيضًا توجه بعض الباحثين في جامعة الأردن إلى دراسة مدى وعي الشباب بظاهرة المخدرات الرقمية. وأوصى الباحثون في هذه الدراسة بضرورة تدخل المؤسسات التربوية متمثلة في الجامعات والمدارس بدور توعوي وتثقيفي تجاه كافة فئات المجتمع وخاصةً فئة الشباب والمراهقين، لكشف الستار عن مخاطر هذه الظاهرة التي تهدد شبابنا.
وفي حين نحتاج إلى إجراء المزيد من الدراسات العلمية حول المخاطر المحتملة وسبل الوقاية من ظاهرة المخدرات الرقمية في المجتمعات العربية، إلّا أننا في الوقت الحالي لا نملك سوى توحيد جهود التوعية والمتابعة والتحذير من هذه الظاهرة عبر وسائل الإعلام المختلفة، مع تعزيز الرقابة الأسرية على مختلف المواقع الإلكترونية التي تروج لهذه المخدرات الرقمية وتستقطب شبابنا نحو عالم من الوهم.
