يُعتبر العقرب كابوسًا مروعًا للإنسان، فهو من أكثر الكائنات فتكًا في العالم بسبب خطورة سميته والتي يسبب بعض الأنواع منها الوفاة على الفور، ولكن هل يمكن للعقرب يومًا ما أن يصبح حمامة سلام ويساهم في تقديم اكتشافات قد تساعد البشرية؟
الإجابة على هذا السؤال قد تكون مفاجئة نوعًا ما؛ فقد اكتشف الباحثون في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو وجامعة كوينزلاند نوعًا جديدًا من سُم العقارب يؤثر على الأعصاب بآلية جديدة قد تسمح للعلماء بدراسة أعمق لمسببات الآلام المزمنة والالتهابات الشديدة وتطوير وسائل علاج أكثر فعالية.
سُم الوسابي للعقرب
قام العلماء باستخلاص هذا السُم من عقرب الصخرة السوداء الأسترالي، إذ وُجد أنه عبارة عن سلسلة قصيرة من البروتين ذات ترتيب متميز من الأحماض الأمينية أطلقوا عليها اسم "سمُ الوسابي" أو "Wasabi Toxin"، هذا السُم يستهدف مستقبِلًا حسيًّا يُدعى "TRPA1" أو "مستقبِل الوسابي" وهو جزء لا يتجزأ من النهايات العصبية الحسية في جميع أنحاء الجسم، وعند تنشيط هذا المستقبِل فإنه يفتح قناة تسمح لأيونات الصوديوم والكالسيوم بالتدفق إلى الخلية، والتي يمكن أن تحفز الألم والالتهاب.
مُستقبِل الوسابي والشعور بالألم
دعونا نتحدث قليلًا عن دور المستقبِل الحسي TRPA1 وآلية عمله لتوليد الألم في جسم الإنسان؛ يمكننا أن نعتبر TRPA1 بمثابة إنذار حريق في الجسم، فهو ينشط ليُنبّه بوجود خطر يمكنه أن يدمّر الخلايا عندما يتعرض الجسم لمؤثرات خطيرة، والتي يمكنها أن تندرج تحت مُسمى Reactive Electrophiles مثل دخان السجائر أو الملوثات الكيماوية، والتي تسبب تهيجًا لذلك المستقبِل في مجرى الهواء مسببًا سعال والتهاب في مجرى التنفس من خلال قناة الصوديوم والكالسيوم.
عُثر على المستقبِل TRPA1 في جميع الحيوانات من الديدان للإنسان، لكنه لا يتأثر بسُم الوسابي إلا في الثدييات والتي تُعتبر بعيدة عن قائمة غذاء العقارب؛ فالهدف من هذا السم ليس القتل إنما إبعاد الحيوانات المفترسة.
-
آلية عمل سُم الوسابي للعقرب
المثير هنا في آلية عمل سم الوسابي هو أنه يستهدف المستقبل TRPA1 بطريقة جديدة وغير مُتوقعة، فتركيبه الكيميائي الذي يحتوي على تسلسل غير عادي من الأحماض الأمينية يسمح له باختراق غشاء الخلية مباشرة - القليل من السموم لها القدرة على فعل ذلك - ودراسة هذه الكيفية قد تمكن العلماء من تطوير تقنية جديدة لنقل بعض الأدوية مباشرةً داخل الخلية.
وبمجرد دخوله للخلية، يرتبط هذا السُم بمكان معين في المستقبل TRPA1، ويقوم بعمل تغيير لشكل المستقبل بحيث يؤدي إلى زيادة عدد الأيونات ذات الشحنة الموجبة بشكل كافي لاستثارة مستقبلات الألم، أما أيونات الكالسيوم - المسئولة عن الالتهاب - تظل قليلة جدًا فلا يحدث التهاب، وهنا تحديدًا يكمن التأثير المختلف لسُم الوسابي للعقرب، أن تركيبه الكيميائي لا يسمح بزيادة أيونات الكالسيوم المسئولة عن تكوين الالتهاب.
فالخلايا العصبية عندما يتم استثارتها من قبل أيونات الكالسيوم تطلق إشارات لتحفيز تكوين الالتهابات والتي بدورها تحفز الجهاز المناعي لمواجهتها، وتكوّن هذا الالتهاب في العموم هو واحد من أهم العمليات التي يحدث لها خلل في أمراض الآلام المزمنة.
لذلك تُعدّ إمكانية فصل الشعور بالألم عن تكوّن الالتهاب بواسطة سُم الوسابي للعقرب اكتشافًا واعدًا، قد يتيح للعلماء وسائل جديدة يمكن استخدامها لدراسة أعمق لآلية الشعور بالألم، ومن ثَمَّ يمكن تطوير علاجات أخرى للألم المزمن.