هل بالإمكان أن يصبح حدث رياضي بضخامة "كأس العالم 2022" محايدًا للكربون؟! مع قرب انطلاق فاعليات كأس العالم فيفا قطر 2022 بحلول نهاية العام الحالي، تكثف دولة قطر العمل على تقديم نسخة محايدة للكربون من كأس العالم، بحيث تصبح هذه النسخة الأولى من نوعها على مستوى العالم، ولتضرب نموذجًا يُحتذى به في البطولات الكبرى القادمة وعلى رأسها النسخ التالية لبطولة كأس العالم.
جهود اللجنة العليا للمشاريع والإرث
تهدف "اللجنة العليا للمشاريع والإرث" وهي هيئة الدولة المضيفة والمسؤولة عن تقديم استراتيجيات الاستدامة لبطولة كأس العالم التي ستقام في قطر في نوفمبر من العام الحالي 2022، إلى تقديم نسخة محايدة للكربون من كأس العالم.
تُعد بطولة كأس العالم أحد أكبر الأحداث الرياضية على مستوى العالم، من حيث الحضور والمشاركة، ما يجعلها أيضًا أحد أكبر الأحداث التي ينتج عنها انبعاثات كربونية، بما لها من آثار سلبية على البيئة وتغير المناخ، لذلك وضعت اللجنة العليا للمشاريع والإرث نصب أعينها تنظيم بطولة كأس عالم محايدة للكربون، بوضع خطة شاملة للوصول إلى هذا الهدف خلال سنوات التحضير لكأس العالم.
منذ وقع الاختيار على دولة قطر لتنظيم بطولة كأس العالم كأول بلد في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، بدأت في الاستعداد ووضع الخطط والاستراتيجيات للوصول إلى نسخة محايدة للكربون، بحيث تجمع بين الاستمتاع بمنافسات كرة القدم، والحفاظ على البيئة من تغير المناخ.
للمزيد حول هذا العمل الفذ الذي يبدو مستحيلًا للمرة الأولى من نوعه، وعن التخطيط الذي يتم اتباعه لتحويل هذا إلى حقيقة، إليكم هذه الحلقة الشيقة من بودكاست مستدام مع السيد/ عبد الرحمن المفتاح من اللجنة العليا للمشاريع والارث، في ضيافة فاتن عاشور.
شملت خطة العمل التي وضعتها اللجنة العليا للمشاريع والإرث على أربع مراحل مختلفة وهي:
- الخطوة الأولى: تنظيم ورش عمل مع الجهات المحلية المرتبطة بهذا المشروع مثل وزارة البيئة والبلدية وباقي وزارت الدولة المسؤولة عن الاستضافة والنقل والإنشاءات وغيرها من الهيئات المشاركة في تنظيم البطولة، وذلك لزيادة الوعي بمشكلة تغير المناخ والوصول إلى حلول فعّالة بشأن تقليل انبعاثات الكربون على مدار البطولة، والوصول لهدف حيادية الكربون.
- الخطوة الثانية: حساب المخزون الكربوني للبطولة، لتحديد مصادر انبعاثات الكربون والعمل على تقديم حلول وبدائل من شأنها تقليل هذه المصادر إلى أدنى حد ممكن، ولذلك استعانت اللجنة العليا للمشاريع والإرث بالاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، الذي عيّن شركة متخصصة لحساب الانبعاثات الكربونية الناتجة عن البطولة.
أشارت اللجنة إلى أن بعض العمليات التشغيلية كانت مرتبطة بالمزيد من انبعاثات الكربون أكثر من غيرها، بحيث احتلت قطاعات الإنشاءات والنقل والضيافة النسبة الأكبر، وبناءًا على هذه النتائج والتقارير بدأ العمل على المرحلة الثالثة.
- الخطوة الثالثة: الحد من انبعاثات الكربون عن طريق العمل على تطوير قطاعات الإنشاءات والنقل والضيافة لتقليل الانبعاثات الناتجة عنها للحد الأدنى، فمثلًا على صعيد الإنشاءات اتجهت الدولة إلى تصميم ملاعب كرة القدم مستدامة لتستضيف منافسات البطولة، بحيث تنطبق عليها المعايير العالمية للمباني الخضراء، من حيث التصميم ومواد البناء المستخدمة، بالإضافة للاعتماد على مصادر متجددة للطاقة، لتشغيل هذه الملاعب والاستادات.
كذلك، صُممت أماكن الاستضافة بحيث تكون صديقة للبيئة تبعًا لمعايير المباني الخضراء، بشكل يسمح بتقليل انبعاثات الكربون الناتجة عنها، مع تحقيق مستوى ضيافة عال لأكثر من مليون مشجع، يتوقع أن يستقبلهم مطار حمد الدولي خلال منافسات البطولة.
أما عن النقل، فقد استفادت دولة قطر من قرب المسافات بين مواقع إقامة البطولة، وأماكن الضيافة، فهي بذلك تضمن للمشجعين واللاعبين وإداريي الفرق وغيرهم عدم الحاجة إلى رحلات الطيران داخل دولة قطر، ما يقلل من الأثر البيئي للبطولة مقارنةً بالنسخ السابقة من كأس العالم، التي تساهم رحلات الطيران الداخلي خلالها في رفع نسبة انبعاثات الكربون الناتجة عن إقامة البطولة.
لذلك، قررت الدولة الاعتماد على شبكة النقل والمواصلات العامة التي توفرها لضيوف المونديال، بحيث تتضمن شبكة كترو الدوحة والترام والحافلات الموفرة للطاقة بالإضافة للحافلات الكهربائية، التي تضمن الانتقال السلس والمريح بين الفنادق والاستادات والمعالم السياحية للدولة، كما توفر من استهلاك الطاقة وتقلل من الانبعاثات الكربونيةـ
- الخطوة الرابعة: تهدف هذه المرحلة إلى الاستثمار في المشاريع الخضراء، بهدف إعادة الوصول إلى التوازن الكربوني فيما يخص المشاريع التي لا يمكن تقليل انبعاثاتها الكربونية أو الاستغناء عن استخدام مصادر الطاقة غير المتجددة فيها.
الجدير بالذِكر، أن جميع الملاعب التي ستقام عليها البطولة حاصلة على شهادات في الطاقة وشهادات خضراء، تفيد بأنها تقلل من استهلاك الطاقة والمياه بنسبة 30 : 40% مقارنةً بمثيلاتها من الملاعب التي أقيمت عليها النسخ السابقة من بطولات كأس العالم.
كذلك، عملت الدولة على تقليل استهلاك الطاقة بطرق مختلفة وغير اعتيادية، فمثلًا، يعد ملعب البيت بعيدًا إلى حد ما عن أماكن سكن العمال المشاركين في الإنشاء والتجهيز، ما جعل الدولة تبني مساكن قريبة من الاستاد لتقليل الانبعاثات الكربونية وتوفير الطاقة المستخدمة في نقل العمال من وإلى الاستاد أثناء فترة العمل.
هناك هدف آخر تسعى إليه اللجنة العليا للمشاريع والإرث بمحايدة البلاستيك أيضًا، وذلك بالسير على نفس النهج المتبع لمحايدة الكربون واتباع نفس الخطوات تقريبًا مع اختلاف بعض التفاصيل بين الخطتين، والاستفادة من المعلومات التي حصلت عليها دولة قطر من خلال تنظيم بطولة كأس العرب العام الماضي.
حيث كشفت الإحصائيات عن استخدام الكثير من المواد البلاستيكية مثل الكرات والأعلام وصافرات التشجيع، التي لا يمكن الاستفادة منها وإعادة تدويرها إلا بقدر قليل للغاية، ما دفع اللجنة إلى تنظيم ورش عمل لزيادة الوعي بتقليل أعداد هذه المواد البلاستيكية والحد من نفاياتها، واستبدالها ببدائل أخرى صديقة للبيئة.
أما عن الإرث، فتهدف اللجنة إلى ترك إرث مستدام للأجيال القادمة عن طريق استمرارية المشاريع المقامة حاليًا استعدادًا لاستضافة كأس العالم، والعمل على تطوير هذه المشاريع مستقبليًا والاستفادة منها عقب انتهاء البطولة أيضًا.
مثلًا، تعمل المؤسسة العامة القطرية للكهرباء والماء على تطوير محطة ضخمة للطاقة الشمسية بقدرة 800 ميجا واط وتمتد على مساحة 10 كيلومترات مربعة، بحيث تستخدم الطاقة الناتجة عنها في تشغيل الاستادات والملاعب التي ستقام عليها البطولة، مع مواصلة العمل على المشروع بعد إسدال الستار على منافسات المونديال لتوليد طاقة نظيفة ومتجددة على مدار سنوات لاحقة، وتركها كإرث مستدام للأجيال القادمة.
في النهاية، تبذل اللجنة العليا للمشاريع والإرث بالتعاون مع عدد كبير من المؤسسات القطرية، الكثير من الجهود لتقديم نسخة محايدة للكربون من كأس العالم، بحيث تقدم نموذجًا للكثير من الدول الأخرى، وتساهم في الحد من تغير المناخ وتطبيق خطة قطر 2030 للوصول إلى صفرية الكربون للحفاظ على البيئة.