حان وقت الطعام، تتوجه إلى مطعمك المفضل لتتناول وجبتك بعد يوم عمل شاق، تبدأ في تناول طعامك ليبدأ جوفك بالامتلاء، لكن يتبقى من وجبتك القليل، لتقرر إما أن تترك بقايا الطعام ليقوم النادل بالتخلص منها أو أن تنهض بنفسك لتتخلص منها في طريقك للخروج من المطعم.
حسنًا، جميعنا ينتابنا بعض مشاعر الذنب من جراء رمي هذا الطعام، وندرك أنها ليست العادة المُثلى، لكن هذه المشاعر في أغلب الأحيان غير كافية لإقناعنا بالتخلص من هذه العادة.
وماذا إن كانت أكثر من مجرد عادة سيئة؟ ماذا إن كانت تتعلق بالمجاعات التي تضج بها النشرات الإخبارية يوميًا، أو أنها ذات صلة بالتغيرات البيئية والمناخية البالغة التي يشهدها عالمنا؟
ثلث طعام العالم في سلة القمامة!
وفقًا لبرنامج الأغذية العالمي، يُهدر ثلث الغذاء المنتج عالميًا للاستهلاك البشري، حيث يؤول ما مقداره 1.3 مليار طن من الغذاء إلى سلة القمامة سنويًا، وتقدر قيمة هذه الكمية بحوالي 1 تريليون دولار أمريكي.
وفي حين أن بقايا الطعام التي نتخلص منها كمستهلكين تمثل نسبة كبيرة من الطعام المهدر سنويًا، إلّا أنها ليست المساهم الوحيد في تلك المشكلة، حيث يتم هدر الطعام بدءًا من مرحلة الإنتاج والتوزيع، ومرورًا بالتجار والمنتجات التي يتم التخلص منها في تلك المرحلة، لأنها قد لا تفي بالأغراض الشكلية التي يرغبون بعرضها في متاجرهم، ووصولًا إلى المستهلك.
وفي الواقع، فإن جزء صغير فقط من الطعام الذي يتم التخلص منه يكون غير صالح للأكل، بينما تكون الأغلبية العظمى ما زالت قابلة للأكل.
عالم مهدد بالمجاعات
عند الحديث عن هدر الطعام، من المؤكد أنه لن يختلف أحد على كونها عادة سيئة، لكن تظل المشكلة الكبرى هي عدم إدراكنا أن الأمر أخطر من ذلك.
وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة، فإن حوالي 690 مليون شخص حول العالم يعانون من الجوع، ما يمثل قرابة 9% من سكان العالم. وتتزايد أعداد المتضررين سنويًا، رغم أن إنتاج الغذاء ليس قليلًا إلى هذ الحد.
تكمن المشكلة في ثقافة تعاملنا مع الطعام، حيث إننا قد لا نتردد في رمي بقايا الطعام في سلة القمامة أو سكب الحليب في الحوض. وقد يصل الأمر في بعض مناطق العالم إلى أنه من الآداب العامة ترك بعض الطعام أو الشراب بعد الانتهاء من وجبتك، لإظهار كرم المضيف وأنه لم يقدم لك كميات قليلة جعلتك تنهيها كاملةً.
يمكنكم الاستماع لهذه الحلقة الشيقة من بودكاست مُستدام، للمزيد حول هدر الطعام وتأثيره على البيئة، وكيف يمكن أن يُساهم كل فردٍ منا في الحد من فقد الأغذية وهدرها. مع نور معالي عبد العزيز متطوعة نشطة في مؤسسة وهاب التجارية لمحاربة هدر الطعام في قطر.
كيف يؤثر هدر الطعام على البيئة؟
لا تقتصر مخاطر قضية هدر الطعام على انتشار المجاعات فحسب، بل يمتد الأمر إلى إحداث مخاطر بيئية بالغة.
ليس من الغريب أن يكون للطعام الذي نهدره تكلفة بيئية باهظة، فإننا نهدر أيضًا جميع الموارد التي تم استخدامها لإنتاجه؛ من طاقة ومياه وموارد مالية وجهد العمالة.
يشير تقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) إلى أن هدر الطعام وحده، ينتح عنه 3.3 مليار طن من الانبعاثات الكربونية، سنويًا، تتمثل في غاز الميثان الذي يتم إطلاقه عند ترك بقايا الطعام في مكبات النفايات لتتعفن.
يفوق تأثير غاز الميثان على ارتفاع درجة حرارة الأرض، تأثير غاز ثاني أكسيد الكربون بحوالي 25 مرة.
والأسوأ من ذلك، أن هذه التغيرات المناخية تفاقم بدورها مشكلة نقص الغذاء وانتشار المجاعات؛ فمن أبرز العوامل المؤثرة في كمية المحاصيل التي يتم إنتاجها هي العوامل المناخية والظروف البيئية المحيطة. لذا فإن التغيرات المناخية الحادة التي يشهدها عالمنا تؤثر بشكل مباشر على إنتاجية المحاصيل الزراعية.
هل من حل؟
تتوجه الجهود الإقليمية والمبادرات الشبابية في الوقت الحالي إلى إيجاد حلول عملية لحل مشكلة هدر الطعام التي يواجهها العالم أجمع.
وتتمحور عملية مكافحة هدر الطعام حول ثلاثة مراكز رئيسية، وهي: التوعية بتأثير هدر الطعام لتقليل الكميات المهدرة، وإعادة استخدام الطعام المهدر عن طريق إعادة توزيعه على المحتاجين بدلًا من التخلص منه، وإعادة التدوير، كاستخدام نفايات الطعام في صنع أسمدة زراعية.
ولعل أبرز المبادرات الشبابية في هذا المجال بمنطقتنا العربية هي مبادرة "إكو مينا"، وهي منظمة تأسست أوائل عام 2012، تسعى إلى زيادة الوعي البيئي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ومن بين اهتماماتها تعزيز الوعي بالتأثير البيئي لهدر الطعام.
كذلك مبادرة "وهَاب"، وهي منظمة غير ربحية تأسست عام 2017، تسعى إلى الحفاظ على الغذاء والحد من هدر الطعام، عن طريق إطعام الفئات الأقل حظًا في المجتمع بدولة قطر. وتعمل أيضا على تحويل مخلفات الطعام الموجودة بمكب النفايات إلى سماد في الإمارات العربية المتحدة. ورؤيتها هي ألا يجوع أي شخص وألا يذهب الطعام إلى مكب النفايات.
وتحت شعار "فائض طعامك وجبة لغيرك"، تعمل مبادرة "حفظ النعمة" كبنك طعام للوجبات الفائضة التي يتم جمعها من المطاعم والحفلات، ليعاد تغليفها وتوزيعها على المحتاجين.
بدون تلك المبادرات وبدون وعينا بحجم مشكة هدر الطعام قد لا ينصلح الحال، فالعالم ليس على المسار الصحيح لتحقيق القضاء على الجوع بحلول عام 2030، وفق ما تأمله أهداف التنمية المستدامة. وإذا استمر الحال على ماهو عليه، فإن عدد الأشخاص المتضررين من الجوع سيتجاوز 840 مليون بحلول عام 2030، وستزداد انبعاثات الكربون مهددة بمناخ أسوأ.