جولة إلى عالم المنشطات الموحش

المنشطات.. هوس الفوز سم قاتل

جولة إلى عالم المنشطات الموحش، لا يمكنك تخيل ما يقدم عليه بعض الرياضيين من أهوال في سبيل الميدالية الذهبية!

في مقابلة أجرتها مجلة "سبورتس اليستراتيد" مع مجموعة من نخبة الرياضيين الأولمبيين عام 1997، كان أحد الأسئلة: "إذا تم إعطاؤك مادة لتحسين الأداء ستمكنك من الفوز دون أن يكشف أمرك، فهل ستأخذها؟" أجاب 98٪ من الرياضيين بنعم قد يبدو ذلك مثيرًا للتعجب ولكن الاجابة الصادمة كانت حينما سُأل الرياضيون "إذا تم إعطاؤك مادة لتحسين الأداء ستمكنك من الفوز بجميع المسابقات لمدة 5 سنوات دون أن يكشف أمرك، ولكنك ستموت بعدها، فهل تتناولها؟" أجاب أكثر من 50٪ "نعم".

ابتليت الرياضة الحديثة بالشكوك بأن العديد من كبار الرياضيين يتعاطون المخدرات أو المنشطات لتحسين أدائهم، إنها الرغبة في الفوز التي تدفعهم للمخاطرة بتناول مثل هذه المواد الخطيرة، سواء لدوافع عاطفية كتحقيق الشهرة والمكانة أو مالية لنيل الحوافز الاقتصادية والجوائز والصفقات الكبيرة وغيرها من عوائد، أو حتى بسبب الضغوط الاجتماعية مثل توقعات الميدالية الذهبية الوطنية. ما يضمن وجود سوق ثابت للأدوية التي من شأنها تحسين الأداء.

المنشطات أو العقاقير المحسنة للأداء (PEDs): هي مواد كيميائية تستخدم لتحسين القدرة على أداء الأنشطة المختلفة، شاع استخدام هذه المواد بشكل محظور بين الرياضيين كمنشطات لتحسين الأداء الرياضي. 

في الواقع ليست فقط الرياضة الحديثة

بدأ الغش في الألعاب الرياضية منذ ظهور الألعاب نفسها؛ ففي عام 776 قبل الميلاد كان  الرياضيين الأولمبيين اليونانيين القدماء والمصارعين الرومان المتنافسين في سيرك ماكسيموس يستخدمون بعض الخلطات السرية (أو السحرية كما وصفوها) التي تنطوي على الفطر ومزيج من النبيذ والأعشاب والنباتات التي تعمل كمنشطات تعزز السرعة والقدرة على تحمل الألم، مما يسمح للرياضيين المصابين بالاستمرار في المنافسة. 

حدث ما استوجب وقفة

في أولمبياد 1904، كاد عداء الماراثون توماس هيكس أن يموت جراء تناوله لمزيج من أحد المشروبات الكحولية ومادة الإستركنين -أحد السموم المسببة لتشنج العضلات يٌستخدم كمنشط-، في هذا الوقت كانت خلطات الإستركنين والهيروين والكوكايين والكافيين تستخدم على نطاق واسع من قبل الرياضيين كمواد منشطة، وكان لكل مدرب أو فريق وصفته السرية الخاصة به. ظلت هذه الممارسات شائعة حتى أصبح الهيروين والكوكايين متاحين فقط بوصفة طبية في عشرينيات القرن الماضي. تجلى مدى تأثير المنشطات للعالم أجمع عندما تم تجريد الميدالية الذهبية من الرياضي بن جونسون في أولمبياد سيول عام 1988 لإثبات استخدامه أحد المنشطات الستيرويدية.

هنا ولما تأثرت جميع الرياضات الاحترافية تقريبًا بتعاطي المنشطات، كان لابد من وقفة رادعة، وقد كانت في عام 1999 حين أُنشئت الهيئة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) وهي منظمة مستقلة دوليًا تعمل على تنسيق مكافحة المنشطات في الرياضة، وتساعدها في هذه المهمة منظمات حول العالم مثل الهيئة الاسترالية لمكافحة المنشطات الرياضية (ASADA)، ووكالة مكافحة المنشطات الأمريكية (USADA).

حظرت الهيئة العالمية لمكافحة المنشطات (WADA) أكثر من 192 مادة وطريقة لتحسين الأداء، ولكن هذه العقاقير في تطور مستمر ودائما ما يظهر الجديد منها، نتيجة لذلك تتطور الطرق المستخدمة للكشف عنها كذلك. حيث أصبح تحسين الأداء في الألعاب الأولمبية والرياضات الاحترافية مشكلة طبية وأخلاقية وقانونية للرياضيين المعاصرين والمنظمات الرياضية كذلك، فهؤلاء الرياضيين مستعدين لفعل أي شيء لأجل اللقب.

أشهر العقاقير المحسنة للأداء

تندرج عدة فئات من المواد والعقاقير تحت مصطلح "العقاقير المحسنة للأداء"، إليكم أشهرها: 

أنواع المنشطات

المنشطات

المنشطات أو المنبهات هي الأدوية التي تؤثر بشكل مباشر على الجهاز العصبي المركزي. إذ تعمل على تسريع أجزاء من الدماغ والجسم، وزيادة معدل ضربات القلب وضغط الدم والتمثيل الغذائي ودرجة حرارة الجسم، ويستخدمها الرياضيين لزيادة القدرة على التحمل وتقليل التعب والإجهاد وزيادة اليقظة والقدرة التنافسية وكبت الشهية.

تشمل المنشطات الأكثر شيوعًا الكوكايين والأمفيتامين، وكثيرا ما يستخدم النيكوتين والكافيين كمنشطات ولكنها غير محظورة في الرياضة، وتختلف مخاطر استخدام المنشطات باختلاف كل دواء. فمثلًا يمكن أن يسبب تعاطي الكوكايين نوبات الهلع والهلوسة وفي حالات نادرة قد يؤدي إلى نوبة قلبية. يمكن أن تسبب الأمفيتامينات أضرارًا للكبد والكلى، وتسبب الهلوسة والسلوك العنيف، في حين أن استخدامها على المدى الطويل يمكن أن يحدث تغييرات في مناطق الدماغ المرتبطة بالذاكرة والعاطفة.

كما تشمل الآثار الجانبية للمنبهات بشكل عام: العصبية والهياج والأرق، مما يسبب ضعف التركيز أثناء المباراة وبالتالي يعطي نتيجة عكسية. 

الستيرويدات البنائية

هِيَ هرمُونات تعزز نمو العضلات وتزيد من القوَّة والطاقة، لها العديد من الأثار الجانبية بما في ذلك التأثيرات النفسية بما فيها من تقلب المزاج والسُّلُوك العدواني والتهيج، والتأثيرات البدنيَّة وتشمل حب الشباب والتأثيرات الذكوريَّة عندَ النساء وتضخُّم الثدي عند الرجال.

 إلى جانب زيادة حجم العضلات، قد تحد الستيرويدات البنائية من تلف العضلات الذي يحدث أثناء التمارين الشاقة؛ مما يساعد الرياضيين على التعافي أسرع، ويمكنهم من ممارسة التمرينات الرياضية بمعدلات أكبر. قد يحب بعض الرياضيين، وكذلك غير الرياضيين، المظهر العضلي الذي يحصلون عليه عندما يتعاطون العقاقير.

ينتج الجسم هرمون التستوستيرون -أحد الستيرويدات البنائية- بشكل طبيعي، يتناول بعض الرياضيين التستوستيرون مباشرةً لتعزيز الأداء، وقد يستخدم الرياضيون تعديلات اصطناعية لهرمون التستوستيرون أيضًا. تم اعتماد هذه العقاقير في الأساس للاستخدامات الطبية، لكن تحسين الأداء الرياضي لا يقع ضمن هذه الاستخدامات، ويعد استخدامًا غير شرعيّ للتفوق على المنافسين.

اقرأ أيضاً:  الكوابيس

يتناول العديد من الرياضيين الستيرويدات البنائية بجرعات أعلى بكثير من تلك الموصوفة لأسباب طبية مما يعرضهم لآثارها الجانبية الخطيرة، وتعد الستيرويدات الاصطناعية أو العقاقير المصمَّمة من أخطر فئات الستيرويدات البنائية، إذ تُصنع بطرق غير قانونية كي يصعب الكشف عنها باختبارات الكشف عن العقاقير الحالية.

المواد المنتجة للستيرويدات

هي مواد يحولها الجسم إلى ستيرويدات بنائية مثل هرمون الأندروستينديون الذي تنتجه الغدة الكظرية والمبيضان والخصيتان. ويتحول طبيعيًا إلى هرمون التستوستيرون والإستراديول في كلٍ من الرجال والنساء. تستخدم هذه المواد في زيادة كتلة العضلات، ولكن لا يُسمح بصرف معظمها دون وصفة طبية، إذ يمكن أن يؤدي تناول هذه المواد إلى الضرر بالقلب والأوعية الدموية وزيادة فرص التعرض للنوبات القلبية والسكتات الدماغية.

 منشطات الدم

وهي مواد تزيد من قدرة الدم على حمل الأكسجين، مثل الإريثروبويتين، وهو نوع من الهرمونات يُستخدم لعلاج فقر الدم، ويزيد من إنتاج كريات الدم الحمراء والهيموجلوبين -البروتين المسؤول عن حمل الأكسجين وتوصيله لخلايا الجسم-. يَشيع استخدام الإريثروبويتين لدى الرياضيين الذين يمارسون رياضةً تتطلبُ قدرة عالية على التحملَ مثل الجري لمسافات طويلة وركوب الدراجات والتزلج. الاستخدام غير الملائم لهرمون الإريثروبويتين يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية والنوبة القلبية وانسداد الشرايين الرئوية.

تشمل منشطات الدم، مواد كيميائية تعرف بناقلات الأكسجين الاصطناعية (SOCs) وهي عبارة عن بروتينات منقاة لها القدرة على حمل الأكسجين طورت لتستخدم في الأزمات التي يصعب فيها نقل الدم، ولكنها لا تزال قيد التطوير والاختبار، ولم يثبت أنها آمنة للاستخدام البشري. ومع ذلك انتشرت الشائعات حول استخدام الرياضيين لها.

كما يعتبر نقل الدم من أكثر الممارسات الشائعة بين الرياضيين، فهو طريقة فعالة وبسيطة نسبيًا السماح للرياضيين بزيادة عدد خلايا الدم الحمراء في دمائهم، وتحسين قدرتهم على التحمل. قد تكون عمليات نقل الدم ذاتية، حيث يتم سحب الدم من الرياضيين قبل عدة أسابيع من المنافسة، ثم اعادة الدم المسحوب للجسم مباشرة قبل الحدث الرياضي. يزيد الدم المعاد ضخه من عدد خلايا الدم الحمراء في الدم، مما يعزز قدرة الدم على حمل الأكسجين إلى العضلات المتعبة. قد يتلقى الرياضيون دم منقول من آخرين أيضًا.

مدرات البول

وهي أدوية تُغيِّر من التوازن الطبيعي للسوائل والأملاح بالجسم ويمكن أن تؤدي إلى الإصابة بالجفاف. ويؤدي فقدان الماء إلى إنقاص وزن اللاعبين الرياضيين، وهو أمر مفيد بشكل خاص في الألعاب الرياضية التي يكون فيها الوزن أمرًا بالغ الأهمية مثل الملاكمة أو التجديف أو سباق الخيل. قد تساعد أيضًا مدرات البول الرياضيين في اجتياز اختبارات المخدرات عن طريق تخفيف تركيز البول لديهم، لذا تعتبر WADA جميع فئات مدرات البول "عوامل إخفاء" وهي محظورة داخل وخارج المنافسة. تم حظر مدرات البول في الرياضة منذ عام 1988، حيث تتسبب في آثار جانبية بالغة تشمل تشنج العضلات والإمساك والحمى والطفح الجلدي وفقدان الشهية ونقص البوتاسيوم وانخفاض ضغط الدم، وقد تسبب الوفاة. 

هرمون النمو البشري

هو هرمون ينتج بشكل طبيعي في جسم الإنسان، ويعزز النمو البدني -خاصة نمو العظام- كما أنه يحفز تكوين الكولاجين الضروري لتقوية الغضاريف والعظام والأوتار والأربطة، ويحفز الكبد على إنتاج عوامل النمو خلال مرحلة المراهقة. أما بعد البلوغ، يزيد هرمون النمو من عدد خلايا الدم الحمراء، ويعزز وظائف القلب، ويوفر المزيد من الطاقة عن طريق تحفيز تكسير الدهون.

يتناوله الرياضيون لزيادة كتلة العضلات وقوتها وكذلك إصلاح الأنسجة، ولكنه متاح للاستخدام بشكل شرعي فقط من خلال وصفة طبية، إذ يتسبب في العديد من الأثار الجانبية مثل تضخم عضلة القلب، وارتفاع ضغط الدم واحتباس السوائل وداء السُّكَّري ومشاكل الإبصار.

الأمر لا يقتصر على الرياضيين

تستخدم الأدوية المحفزة للأداء المعرفي في بعض الأحيان من قبل الطلاب لتحسين أدائهم الدراسي، ويستخدم أفراد الجيش أيضًا المواد المحسنة للأداء من أجل تعزيز أدائهم القتالي. كما يتناول المراهقون عقاقير تحسين الأداء لعدة أسباب تتضمن تحسين المظهر الخارجي، واكتساب قوة أو كتلة عضلية، زيادة القدرة على التحمل، تحسين الأداء الرياضي أو اكتساب ميزة تنافسية.

وجد الباحثون أن استهلاك المراهقين للعقاقير المحسنة للأداء آخذ في الازدياد؛ ففي عام 2013 زاد استهلاك المراهقين لهرمون النمو البشري بمعدل ضعفين مقارنة بعام 2012، كما زاد معدل استخدام الستيرويدات من 5% إلى 7%. 

لازال عدد الدراسات التي أجريت حول استهلاك العقاقير المحسنة للأداء محدود، ولكن أضرارها وآثارها الجانبية أكيدة. وربما نحن بحاجة لتذكر عقيدة الألعاب الأوليمبية التي وضعها البارون الفرنسي بيير دي كوبيرتان -مؤسس الألعاب الأولمبية الحديثة-، والتي تنص على "إن أهم شيء في الألعاب الأولمبية ليس الانتصار، بل مجرد الاشتراك، وأهم ما في الحياة ليس الفوز، إنما النضال بشرف".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share