لقد تغير مناخ الأرض كثيرًا عبر التاريخ، بدءًا من دورات التقدم والانحسار الثمانية في العصر الجليدي خلال الثمانمائة ألف عام الماضية، وحتى نهاية ذلك العصر منذ حوالي 11700 عام، ووصولًا إلى الاحتباس الحراري والكوارث المناخية التي نشهدها حاليًا.
لكن ما الذي يجعل التغير المناخي في عصرنا الحالي يمثل مشكلة كبرى، إذا كانت هذه العملية تحدث منذ آلاف السنين؟
لعل أبرز ما يجعل التغيرات المناخية الحالية أزمة عالمية تستلزم التدخل للسيطرة عليها، هو أنها تتقدم بمعدل غير مسبوق، وباتت تهدد حياتنا وصحتنا وتزهق أرواح الآلاف حول العالم.
الظواهر الجوية الحادة
وفقًا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فعلى مدار الخمسين عامًا الماضية، تضاعفت الكوارث المناخية خمس مرات، مدفوعة بتغير المناخ والطقس الأكثر تطرفًا.
جودة الهواء والأمراض التنفسية
في معظم الأحيان، عندما نذكر الأوزون فإننا نشير إلى طبقة الغاز الكثيف التي تمثل درع الحماية للكرة الأرضية من أشعة الشمس. ولكن ما نغفله في كثير من الأحيان أن غاز الأوزون يمكنه أن يكون مفيدًا أو ضارًا، اعتمادًا على مكان وجوده.
يتشكل الأوزون النافع، المسمى أوزون "الستراتوسفير"، بشكل طبيعي في الغلاف الجوي العلوي للأرض، حيث يشكل طبقة واقية تحمينا من الأشعة فوق البنفسجية الضارة.
أما إذا تواجد الأوزون في طبقة "التروبوسفير"، فإنه بذلك يمثل الأوزون الضار الذي ينتج عن التفاعلات الكيميائية بين أكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية المتطايرة؛ والتي تنتج كملوثات من المصانع ووسائل النقل، وتؤدي درجات الحرارة المرتفعة بسبب تغير المناخ إلى زيادة هذه التفاعلات وزيادة مستوى الأوزون الضار، ما يسبب أضرارًا على صحة البشر نتيجة استنشاق الهواء الملوث.
يؤدي تغير المناخ أيضًا إلى زيادة حرائق الغابات والعواصف الترابية، ما يزيد من مستويات الجسيمات غير المرئية الموجودة في الهواء؛ مثل الغبار. ترتبط نسب هذه الجسيمات ارتباطًا وثيقًا بأمراض الجهاز التنفسي المزمنة وسرطان الرئة. كما تتسبب في زيادة تواتر نوبات مرضى الربو.
كما تسهم حالات الجفاف الناجمة عن تغير المناخ في زيادة انتقال مسببات الأمراض. على سبيل المثال، انتشار عدوى حمى الوادي التي يسببها أحد أنواع الفطر الكوكسيدية والتي تفشت في الآونة الأخيرة بولاية كاليفورنيا الأمريكية. يتطلب الفطر ظروفًا قاسية وجافة من أجل البقاء على قيد الحياة، ما يفسر ازدهاره في السنوات شبه الخالية من الماء التي شوهدت في الولاية.
أضف إلى ذلك تأثير تغير المناخ على الأشخاص الذين يعانون من الحساسية، حيث يتسبب ارتفاع درجة الحرارة في ازدهار الزهور في وقت مبكر وزيادة كمية ثاني أكسيد الكربون المنبعثة. كما تتسبب في زيادة تركيز حبوب اللقاح في الهواء، ما يؤدي إلى زيادة أعراض الحساسية.
أمطار تحمل الموت
يزيد تغير المناخ من هطول الأمطار والعواصف، ما يسهم بدوره في زيادة حدوث الفيضانات التي لا تقتصر مخاطرها على جرف كل ما يعترض طريقها فحسب، بل إن جريان المياه على الأسطح ينشر معه مياه الصرف الصحي ومواد كيميائية. بالإضافة إلى ذلك، تمثل المياه وسطًا مثاليًا لنمو العديد من أنواع البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض.
تم ربط أحداث هطول الأمطار الشديدة بتفشي الأمراض في العديد من الحالات. على سبيل المثال، فاقمت الفيضانات الأخيرة في اليمن انتشار الأمراض الموسمية، والأمراض المنقولة عبر الماء مثل الكوليرا، وحمى الضنك والملاريا، التي تحصد أرواح الكثيرين.
أضف إلى ذلك تأثير التغيرات المناخية على توسيع النطاق الجغرافي لبعض الطحالب الضارة، ما جعلها أكثر شيوعًا. تفرز هذه الطحالب سمومًا قوية تتسبب في تلوث الكائنات البحرية التي تصل إلى غذائنا فيما بعد.
تغير المناخ وسوء التغذية
وفقًا للدراسات، يؤثر تغير المناخ بشكل مباشر على خصوبة التربة ونمط هطول الأمطار، كما يسهم أيضًا في انتشار الآفات التي تتلف المحاصيل. وتؤدي هذه العوامل مجتمعة إلى نقص المحاصيل ومن ثم نقص الغذاء. تظهر الأبحاث أن تغير المناخ قد يسهم في زيادة سوء التغذية، وخاصة عند الأطفال أكثر من الأسباب التقليدية مثل الفقر.
تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن 144 مليون طفل دون سن الخامسة تأثروا بالتقزم في عام 2019 نتيجة لسوء التغذية المزمن، و47 مليونًا آخرين يعانون من الهزال. وفي حين أن هناك العديد من العوامل التي أدت إلى هذه النتائج، تشير الدراسات إلى أن التغيرات المناخية أحد أهمها.
درس فريق بحثي بجامعة فيرمونت بالولايات المتحدة، تنوع النظام الغذائي بين أكثر من 100,000 طفل دون سن الخامسة في 19 دولة منخفضة الدخل، ثم قاموا بدمج النتائج مع بيانات 30 عامًا من درجات الحرارة وهطول الأمطار، ليجدوا أن درجات الحرارة المرتفعة ارتبطت بانخفاضات كبيرة في جودة النظام الغذائي في أغلب المناطق التي تمت دراستها.
استقصت الدراسة على وجه التحديد تناول المغذيات الدقيقة، مثل الحديد وحمض الفوليك والزنك، وكذلك بعض الفيتامينات الضرورية للنمو البدني والعقلي للأطفال. وثبت أن التلوث بالكربون يقلل نسب هذه المغذيات الدقيقة في العديد من المحاصيل الأساسية، بما في ذلك القمح والأرز والبقوليات.
الأمراض غير المعدية
تعد أكثر الأمراض غير المعدية شيوعًا هي أمراض القلب والسكري والسرطان. ويرفع تغير المناخ خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية بشكل مباشر عن طريق تلوث الهواء ودرجات الحرارة المرتفعة، وبشكل غير مباشر من خلال تغيير الخيارات الغذائية المتاحة.
يؤدي التعرض إلى ملوثات الهواء، التي تشمل أول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وثاني أكسيد الكبريت والأوزون والرصاص، إلى زيادة نسب الوفيات بين مرضى القلب.
كما تشمل التفاعلات الفسيولوجية نتيجة تعرض الجسم لدرجات الحرارة المرتفعة إلى زيادة درجة حرارة الجسم الأساسية، وزيادة معدل ضربات القلب، وتحول تدفق الدم من الأعضاء المركزية إلى الجلد ما يزيد العبء على القلب والأوعية والجهاز التنفسي.
بالإضافة إلى ذلك، تؤدي التغيرات المناخية إلى تقليل الخيارات الغذائية الصحية المتاحة للأفراد؛ نتيجة تأثر الزراعة، ما يؤدي إلى زيادة الاعتماد على الأطعمة المصنعة التي تفاقم بدورها نسب الإصابة بالسمنة وأمراض القلب والسكري وبعض أنواع السرطان.
كما تزيد الظروف الجافة والحارة خطر تلوث المحاصيل الغذائية، خاصة الحبوب والبقول، بالملوثات مثل فطر "الأفلاتوكسين"؛ وهو أحد المسببات الرئيسية لسرطان الكبد في جميع أنحاء العالم.
هل يعود الطاعون؟
تنتشر العديد من الأمراض المعدية الخطيرة عن طريق بعض الحشرات والحيوانات. وتتأثر هذه الحشرات الحاملة للأمراض، مثل القراد والبعوض والبراغيث بدرجات الحرارة المرتفعة وزيادة الرطوبة. تؤثر هذه العوامل على استعمار هذه الحشرات لمناطق جديدة، كما تؤثر على مواسم تكاثرها، ما يؤثر بدوره على عدد الأفراد المهددين بالأمراض المنقولة منها؛ على سبيل المثال الطاعون.
وبالرغم من أن الاسم يستحضر العصور الوسطى، إلا أن الطاعون مستوطن في العديد من المناطق بعالمنا. وينتشر الطاعون بين القوارض والبراغيث، والتي يمكن أن تصيب البشر بعد ذلك.
تشير الدراسات إلى أن زيادة درجة الحرارة في فصل الربيع، بمقدار درجة مئوية واحدة، يمكن أن يزيد عدد القوارض المصابة بالطاعون بنسبة 50٪.
وللصحة النفسية نصيب من تغير المناخ
من المرجح أن تؤثر زيادة تواتر الكوارث المناخية، وزيادة المنافسة على الموارد الطبيعية الشحيحة، على السلوك بين الأشخاص وبين المجموعات، ما يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية والعقلية. تشير الأبحاث إلى أن حوالي 63٪ من الذين تم إجلاؤهم بسبب إعصار كاترينا، عانوا إما من أعراض متوسطة أو شديدة لاضطراب ما بعد الصدمة.
لا تقتصر التأثيرات النفسية والعقلية على الأفراد الذين يشهدون الكوارث المناخية بشكل مباشر، بل إن مجرد تصور الأمر والخوف منه قد يهدد الصحة العقلية لمن لم يتعرضوا لتلك الكوارث.
الكوارث المناخية التي يشهدها عالمنا في الوقت الحالي لا تهدد بيئتنا فحسب، بل تهدد حياة ملايين البشر حول العالم، وتستوجب التدخل الفوري لإنقاذ ما تبقى قبل إزهاق المزيد من الأرواح.
مقال جميل حول علاقة التغير المناخي وصحة الفرد جزا الله خيرا كاتبة المقال للاستزادة حول علاقة تغير المناخ بالامراض السارية يمكنكم زيارة الرابط التالي:
https://wpwhale.com/aghiad/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b5%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%b3/
مقال جميل ومتدرج باسلوب مبسط جزى الله خيرا الكاتبة يمكن فهم تأثير تغير المناخ على الامراض ولاسيما المزمنة عبر الاطلاع على الرابط الاتي:
https://wpwhale.com/aghiad/%d8%aa%d8%a3%d8%ab%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%ba%d9%8a%d8%b1%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b5%d8%ad%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d9%86%d8%b3/