مع ظهور جائحة كورونا التي فرضت على الجميع التزام المنزل، ومع الاتجاه العام في شتى القطاعات، خاصةً التعليمية والوظيفية إلى التحول الرقمي، وتطبيق سياسات العمل عن بعد، أصبح عقد الاجتماعات الافتراضية أداة تسمح للمؤسسات والمدارس والجامعات وحتى أفراد العائلات بالتواصل بشكل فعال.
ما الذي يجعل الاجتماعات الافتراضية تلقى ذلك الرواج؟
مواصلة سير الأعمال في شتى الظروف
تمثل الاجتماعات الافتراضية أداة فعالة يمكن استغلالها لمواكبة مختلف التغيرات التي تطرأ على ظروف العمل بشكل مفاجئ. ولعل أبرز مثال على ذلك هي ظروف جائحة كورونا التي أجبرت الجميع على العمل من المنزل، وجعلت كبرى الشركات والمنصات تتسابق في توفير أفضل التطبيقات، ومزج تقنيات مكالمات الفيديو المعتادة بتقنيات الواقع الافتراضي التي تضمن تجربة أكثر واقعية للمستخدمين.
سد فجوات الرعاية الطبية
مع انتشار جائحة كورونا في العالم أجمع وما أثارته من أزمات غير مسبوقة في شتى مناحي الحياة، ومع اضطرار الجميع إلى البقاء في المنزل للمساعدة في الحد من الجائحة، كان على مقدمي الرعاية الصحية الاعتماد على بعض الوسائل التكنولوجية الحديثة لسد الفجوات التي أحدثتها الجائحة، وحل مشكلة عدم التواصل بين مقدمي الرعاية الصحية فيما بينهم ومع المرضى في منازلهم.
وهنا يأتى دور وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصةً منصات الاجتماعات الافتراضية التي أتاحت الفرصة لتقديم الخدمات الصحية والاستشارات الطبية وإيصال المعلومات والتحذيرات إلى كافة الناس دون الحاجة إلى الخروج من المنازل.
تخفيف الشعور بالذنب
بحكم انشغال العديد من الناس بالتزاماتهم اليومية مع بعد المسافات وعدم توافر الوقت اللازم، فليس متاحًا للجميع زيارة أقاربهم وأصدقائهم أو حضور التجمعات العائلية بقدر ما يرغبون، ما قد يتسبب في الشعور بالذنب والرغبة في المزيد من التواصل، لذا، تساهم مكالمات الفيديو في توفير حل عملي بالحصول على زيارات "افتراضية" للأقارب والأصدقاء، وتخفيف الشعور بالذنب بشأن عدم القدرة على التواجد معهم شخصيًا.
الحد من الشعور بالوحدة وتقوية العلاقات
سواء كان الشخص يعاني ظروف صحية صعبة، أو غير قادر جسديًا على الخروج، أو ببساطة ليس لديه مكان ليذهب إليه، اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة، وهي انعزال الشخص عن الحياة الاجتماعية وشعوره بالوحدة. وفقًا للدراسات الحديثة، فإن مكالمات الفيديو يمكنها أن تساهم في الحد من الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية، خاصةً لدى كبار السن.
تتيح مكالمات الفيديو الفرصة لتقريب المسافات وتمكن أفراد الأسرة من الحفاظ على العلاقات وتوطيدها، حيث تكون بديلًا عن اللقاءات وجهًا لوجه في الكثير من الأحيان التي لا تكون فيها هذه اللقاءات ممكنة.
لا يخل الأمر من بعض السلبيات
التأثير على الإبداع
أشارت دراسة حديثة نشرتها دورية "نيتشر" في شهر أبريل من العام الجاري إلى أن الاجتماعات الافتراضية قد تؤثر بالسلب على العملية الإبداعية والقدرة على الإتيان بالأفكار المبتكرة.
استعان الباحثون في تلك الدراسة بأكثر من 1490مشاركًا يعملون في مجال الهندسة. وبعد تقسيم المشاركين إلى مجموعتين عشوائيًا، لتتواصل إحدى المجموعات وجهًا لوجه، في حين تتواصل المجموعة الأخرى عبر مكالمات الفيديو، ثم أسندوا إلى كل مجموعة مهمة تقديم أفكار مبتكرة لمنتج مستقبلي، ثم اختيار فكرة واحدة من تلك الأفكار لتقديمها للتقييم.
وبمقارنة نتائج المجموعتين، توصلوا إلى أن أفكار المجموعة التي التقت وجهًا لوجه كانت أكثر تنوعًا وإبداعًا من المجموعة التي لم تتواصل سوى عبر مكالمات الفيديو، ما يثبت أن الاجتماعات الشخصية أكثر كفاءة من حيث تعزيز القدرة على الإبداع. لكن في الوقت نفسه، لم يجد الباحثون اختلافًا جوهريًا بين المجموعتين من حيث قدرتهما على اختيار الفكرة النهائية لتقييمها كمنتج نهائي.
اختراق المساحة الشخصية
قد يشعر البعض عند الحاجة إلى حضور الاجتماعات الافتراضية من المنزل أن تلك الاجتماعات تتطفل على حياتهم الشخصية. فبطبيعة الحال، يرتبط عقد اجتماعات العمل العادية بمكان العمل، في حين يمثل المنزل مكان الراحة الذي لا يتضمن التواجد فيه أي من تلك النقاشات التي تخص العمل.
يرغب الكثير من الناس في الحفاظ على انفصال حياتهم المنزلية عن حياتهم الوظيفية، ما قد يفاقم المشاعر السلبية التي تنتابهم عند الاضطرار لحضور اجتماعات العمل من المنزل.
إثارة مشاعر الغضب
تفتقر الاجتماعات الافتراضية إلى ما يُعرف بــ "الوعي بالنظرة" أي توجه نظرات المشاركين إلى الشخص الذي جاء دوره للحديث. فبطبيعة الحال في الاجتماعات الافتراضية، يبدو المشاركون دائمًا وكأنهم ينظرون إلى مكان آخر، وليس إلى المتحدث على الرغم من محاولاتهم للتواصل البصري. يمكن أن يؤدي نقص التواصل البصري إلى شعور المتحدث بأن الآخرين لا ينصتون لكلامه، ما يتسبب في الشعور بالغضب.
قد تتفاقم تلك المشكلة في كثير من الأحيان كنتيجة لتأخر وصول الكلام، ما يؤثر بشكل كبير على كفاءة الاجتماعات الافتراضية، حيث قد ينتهي الأمر بتحدث الجميع في الوقت نفسه نتيجة تأخر وصول الكلام وعدم القدرة على تمييز الشخص الذي جاء دوره للحديث.
إجهاد مكالمات الفيديو "إرهاق الزووم"
مع كثرة المشاركة في العديد من الاجتماعات الافتراضية، قد يجد الإنسان نفسه يعاني بعض أعراض التعب وفقدان التركيز، أو ما يُعرف ب"إرهاق الزووم" استنادًا إلى أشهر المنصات التي توفر خدمات الاجتماعات الافتراضية.
لذلك، إليك بعض النصائح التي يمكنك اتباعها للحد من "إرهاق الزووم":
نصائح للحد من إرهاق الزووم
- اقتصار مكالمات الفيديو على الضروريات فحسب: ربما من المغري تحويل كل متعلقات العمل إلى مكالمات فيديو لمحاولة تقليد العمل في المكتب، لكن قد لا تكون مكالمات الفيديو هي الخيار الأفضل دائمًا لما قد تسببه من إرهاق وتلحقه من ضرر، لذا يجب أخذ ذلك في الاعتبار عند جدولة الاجتماعات أو الرغبة في مشاركة المعلومات التي تخص العمل. فإذا كان من الممكن مشاركة تلك المعلومات عبر مكالمة هاتفية أو حتى عبر البريد الإلكتروني، فقد يكون ذلك خيارًا أفضل، حيث يجد الكثير من الناس هذه الخيارات أقل إرهاقًا من مكالمات الفيديو.
- تحديد فترات للراحة والالتزام بها: يحتاج الأشخاص إلى التأكد من وجود فترات راحة منتظمة، لضمان التركيز وعدم تشتت المشاركين بسبب طول مدة الاجتماع الافتراضي.
- تقليل عدد المشاركين: وجود عدد أقل من المشاركين في مكالمات الفيديو يعني أن كل شخص لديه المزيد من الوقت للتحدث، ما يتيح الفرصة لإيصال المعلومة بشكل أفضل ولضمان أن تلك الاجتماعات ليست مجرد مضيعة للوقت.
- وضع القواعد الحازمة: يمكن أن يساعد وضع القواعد، مثل كتم أصوات الميكروفونات عندما لا يتحدث المشاركون، في الحفاظ على سير الاجتماعات الافتراضية بسلاسة.
في النهاية، إن عالم الاجتماعات الافتراضية، على ما يحمله من منافع ومساوئ، إلّا أنه -بلا شك- أصبح واقعًا مفروضًا، حيث يمثل وسيلة عملية للبقاء على اتصال مع الأصدقاء والعائلة والزملاء دون الحاجة إلى التواجد جسديًا في نفس المكان. ولكن في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي الإفراط في الاعتماد على تلك الوسيلة إلى بعض التأثيرات السلبية على مستخدميها، لذا فمن الضروري اتباع النصائح لتجنب تلك التأثيرات وعدم السماح للاجتماعات الافتراضية بالتأثير على صحتنا العقلية.
مقال ممتاز ، يضيء عل فترة ما بعد كورونا واثنائها.