الميكروبلاستيك, تلوث المحيطات

الميكروبلاستيك| إنها تمطر في قاع البحار

جسيمات بلاستيكية دقيقة تطفو على سطح الماء وتغطي قاع البحار، وينتهي بها المطاف في غذائنا. من بين العديد من المشكلات البيئية التي يعانيها كوكبنا، لابد أنك سمعت بالتلوث البلاستيكي، الذي يهدد البيئات المختلفة ولا سيما في المحيطات. 

 يتعرض البلاستيك لسلسلة متتالية من التكسير إلى أجزاء أصغر في البيئات الطبيعية المائية والبرية. عندما تصل قطعة من المخلفات البلاستيكية إلى البحر، فإنها تتحلل بسبب أشعة الشمس والرياح والأمواج وتتحول إلى جزيئات بلاستيكية صغيرة، تسمى (Microplastics) أو الجسيمات البلاستيكية الدقيقة أو اللدائن الدقيقة، وهي جسيمات ذات أبعاد دقيقة، عادة ما يكون نصف قطرها أقل من 5 مللي متر وتبلغ حجم حبة السمسم، وقد تكون أصغر من أن ترى بالعين المجردة.

 مع القلق المتزايد بشأن المخاطر البيئية والصحية المرتبطة بالبلاستيك، لا تزل صناعة البلاستيك واحدة من أكبر الصناعات عالميًا، حيث تُنتج ملايين الأطنان من البلاستيك سنويًا، وتمر مخلفاته عبر المجاري المائية وينتهي المطاف بأكثر من 300 مليون طن من النفايات البلاستيكية داخل المسطحات المائية سنويًا، فتتناولها الكائنات البحرية والطيور، وبذلك تقتحم سلسلة الغذاء. 

وجد العلماء أن العديد من الحيوانات البحرية تخطئ في تناول هذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على إنها طعام، ثم أن العديد من الشعاب المرجانية والكائنات البحرية التي تعيش في قاع البحر، تصبح تحت غطاء من هذه الجسيمات التي تتساقط عليها كحبات المطر، مانعةً أيها من الحركة أو الهروب منها. 

الميكروبلاستيك, تلوث المحيطات
ألياف بلاستيكية دقيقة من مخلفات المنسوجات الاصطناعية موجودة في أعماق البحار.
© The Trustees of The Natural History Museum, London

من أين تأتي؟ 

يعود منشأ الجسيمات البلاستيكية الدقيقة إلى عدة مصادر، ومنها مستحضرات التجميل والملابس والعمليات الصناعية. يمكن تصنيف الجسيمات البلاستيكية الدقيقة وفقًا لمصدرها إلى نوعين: أولية وثانوية

  •  المصادر الأولية: تشمل بعض المواد البلاستيكية التي صُممت وصُنعت في الأصل من جسيمات صغيرة يطلق عليهم اسم "الميكروبيدات" وتستخدم في العديد من منتجات العناية الشخصية ومستحضرات التجميل (على سبيل المثال، مقشر الوجه ومعجون الأسنان وواقي الشمس ومنتجات الاستحمام)، ومنتجات التنظيف الصناعية (مثل مزيلات الطلاء والصدأ)، وكذلك الألياف الدقيقة التي تستخدم في صناعات بلاستيكية أخرى والمنسوجات. 
  • المصادر الثانوية: هي تلك الناتجة عن تكسر وتحلل القطع البلاستيكية الكبيرة مثل مخلفات الزجاجات والأكياس البلاستيكية، وأطباق الاستخدام الواحد، وشبكات الصيد، وذلك بواسطة عدد من الآليات مثل الأشعة فوق البنفسجية أو التآكل الميكانيكي، والتحلل البيولوجي بواسطة الكائنات الحية الدقيقة، والتحلل بالأكسدة والحرارة، والتحلل المائي.

الميكروبلاستيك, تلوث المحيطات

ماذا تفعل في بيئتنا؟

في عام 2015، حظرت الولايات المتحدة استخدام الميكروبيدات، ومع ذلك لا تزل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة تمثل مشكلة كبيرة، إذ تثير التغذية المستمرة للنظام البيئي بها عدة مخاوف علمية، خاصة فيما يتعلق بسميتها وتفاعلها مع الكائنات الحية الدقيقة والملوثات الأخرى، حيث تتخذ الجراثيم والميكروبات من هذه الجسيمات البلاستيكية موطنًا لها، مما يجعلها منفذًا مهمًا لدخول الملوثات إلى شبكة الغذاء وصولًا إلى البشر. 

كما تمتلك معظم الجسيمات البلاستيكية الدقيقة أسطح كارهة للماء، ومرصعة بالعديد من المجموعات الوظيفية الكيميائية، التي تتيح لها التفاعل مع مجموعة متنوعة من المواد الأخرى في البيئة المائية بما في ذلك الملوثات العضوية وغير العضوية.

مع أنه يمكن إزالة أكثر من 90٪ من اللدائن الدقيقة الكبيرة نسبيًا في محطات معالجة مياه الصرف الصحي، فإن كفاءة إزالة الجسيمات البلاستيكية الأصغر حجمًا -والتي قد تبلغ أقل من 500 ميكرومتر- منخفضة جدًا، لذلك فإن تصريف الجسيمات البلاستيكية الدقيقة من محطات معالجة مياه الصرف الصحي إلى المسطحات المائية يهدد الحياة المائية وصحة الإنسان.

ثم أن الجزء المزال من المخلفات الخارجة في صورة مواد حيوية صلبة، ينتهي به الحال في المزارع التي تستخدم المخلفات الحيوية من محطات معالجة مياه الصرف الصحي كأسمدة.

غذاء سام

بعض الكائنات البحرية مثل المحار والإسفنج والحوت البالي وبعض أنواع الأسماك يطلق عليها "المتغذيات بالترشيح" أو (Filter feeders)‏، حيث تتغذى هذه الكائنات على العوالق المائية عن طريق تصفية المحتويات العالقة في المياه بطرق مختلفة، وتلعب هذه الكائنات دور كبير في النظام البيئي. 

حاليًا، هناك قلق متزايد بشأن مخاطر امتصاص الكائنات البحرية للجسيمات البلاستيكية الدقيقة، إما بشكل مباشر (أي عندما تخطئ الكائنات في التعرف على الجسيمات البلاستيكية وتظنها غذاء، أو عندما تبتلعها بشكل عشوائي)، أو بشكل غير مباشر عندما تنتقل إليها عبر السلسلة الغذائية.

 في دراسة نشرت عام 2019، كشف الباحثون عن وجود بقايا مخلفات بلاستيكية (بوليمر) في الجهاز الهضمي لبعض الكائنات البحرية مثل المحار والشعاب المرجانية والأسماك، وبعض الثدييات البحرية.

اقرأ أيضاً:  تغير المناخ ومستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

 تخيل مجموعة من الأسماك الصغيرة تأكل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة عن طريق الخطأ، ثم تتناولها سمكة كبيرة، في هذه الحالة فإن كمية الجسيمات البلاستيكية تتضاعف داخل السمكة الأكبر، ثم تتناول بعض الأسماك والحيوانات المفترسة هذا السمك الكبير، فيما يعرف بعملية "التراكم الحيوي"، التي تتراكم بواسطتها المواد السامة في أجسام الكائنات الحية. 

 يمكن أن تكون جسيمات البلاستيك حادة جدًا، ما قد تصيب الجهاز الهضمي للكائنات الحية التي تتناولها بالخطأ، كما تمتلئ بطون بعض الكائنات الأخرى بهذه الجسيمات بعد تناولها، فلا تشعر بالجوع، فلا تتناول الغذاء المناسب، مما قد يؤدي إلى الموت.

حصان طروادة

تمثل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة بيئة مناسبة لتكوين المستعمرات البكتيرية ونمو الطحالب الدقيقة، يؤثر تراكم هذه الطحالب الدقيقة في قدرة الجسيمات البلاستيكية الدقيقة على الطفو، فيؤدي إلى استقرارها في القاع بشكل أسرع، كما يقلل تراكم الطحالب على جسيمات البلاستيك من قدرة العديد من الكائنات البحرية على التمييز بينها وبين الغذاء.

يمكن أن تعمل الجسيمات البلاستيكية الدقيقة مثل حصان طروادة، فهي تحمل البكتيريا وجينات مقاومة المضادات الحيوية ومسببات الأمراض الأخرى إلى داخل أجسام الكائنات الحية الأخرى، لكن إحدى المراجعات المنشورة حديثًا -في دورية Environmental Science: Processes & Impacts- أفادت بأن الأمر يحتاج إلى المزيد من الدراسات التجريبية لدعم هذه الفرضية.

 ما زالت الآثار الصحية لتعرض البشر لهذه الجسيمات البلاستيكية الدقيقة غير مؤكدة، ولكنها قد تشمل التهاب الرئة والتفاعل السام مع الجهاز المناعي، الذي قد يؤدي لتثبيط أو تنشيط المناعة وبعض التفاعلات الالتهابية الشاذة.

كذلك يمكن أن تكوِّن بعض مركبات الأكسجين التفاعلية، وهي جزيئات كيميائية تلعب أدوارًا مهمة في إرسال الإشارات الخلوية وتوازن الخلايا، وتعد عنصرًا أساسيًا في الأداء الخلوي والتي من شأنها تغير التوازن الفسيولوجي للخلايا عن طريق تثبيط إنتاج مضادات الأكسدة.

مشكلة مستمرة 

يقول محمد عطية -الباحث الأول في المراجعة سالفة الذكر، وهو أيضًا قائد فريق بحثي في الوكالة الأمريكية لحماية البيئة- في حديثه مع موقع "ساينتفيك عرب": "مشكلة الجسيمات البلاستيكية الدقيقة في تضخم مستمر وذلك لسببين، الأول هو الاستمرار في زيادة إنتاج البلاستيك وعدم إعادة استخدامه، فينتهي به الحال كملوث للبيئة، والسبب الثاني هو الاهتمام المتزايد بطرق قياس تلك الجسيمات في البيئة". 

ويضيف: "إيجاد طرق لكشف وقياس الجسيمات البلاستيكية الدقيقة -سواء في السوائل أو في التربة- يعتبر أحد أهم المجهودات البحثية الحالية  في هذا المجال، لذلك من المتوقع أن الأعوام القليلة القادمة ستكشف عن تطورات وتفاصيل أكثر دقة حول التركيزات الحقيقية لهذه الجسيمات في البيئة، وتأثير تلك التركيزات على صحة الكائنات الحية".

كيف تساعد؟

أصبح استخدام المواد البلاستيكية ذات الاستعمال الواحد جزءًا من عاداتنا اليومية، مثل الأكواب والملاعق والشوك وشفاطات السوائل. يُعتقد أننا نستخدم مثل هذه الأدوات لمدة ثلاث دقائق في المتوسط​​، لكنها تظل في البيئة لمئات السنين. يعد البلاستيك الذي يستخدم لمرة واحدة، بما في ذلك المستخدم في تغليف المواد الغذائية، أحد أكبر العوامل المساهمة في التلوث البلاستيكي.

ثم أن التفكير في كيفية صنع البلاستيك وما يحدث له بعد استخدامه يُحدث فرقًا، على سبيل المثال فإن إلقاء القمامة يضعها في مهب الريح وقد ينتهي بها المطاف في مياه الصرف الصحي أو أي من المسطحات المائية القريبة.

تساهم غسالات الملابس في تلوث الجسيمات البلاستيكية الدقيقة، حيث إن الكثير من الملابس التي نرتديها مصنوعة من ألياف صناعية بلاستيكية مثل البوليستر والنايلون، وفي كل مرة نقوم فيها بغسل ملابسنا في الغسالة، نتخلص من ملايين الألياف الدقيقة التي تخرج مع مياه الصرف الصحي. 

الميكروبلاستيك, تلوث المحيطات

قاعدة 3R

قاعدة 3R هي اقتراح لتقليل تأثير الأنشطة البشرية على البيئة، باتباع ثلاث خطوات: تقليل (Reduce) وإعادة استخدام (Reuse) وإعادة تدوير (Recycle) النفايات. هذه القاعدة هي جزء من التسلسل الهرمي للنفايات وهي عملية تستخدم لحماية البيئة والحفاظ على الموارد وتوليد الحد الأدنى من النفايات. 

الميكروبلاستيك, تلوث المحيطات

كن إيجابي وشارك في التوعية من مخاطر الجسيمات البلاستيكية الدقيقة وكيف نساهم في تقليلها. لأن كل خطوة تصنع فارق. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share