في مكان ما على طول ساحل البحر الأحمر، وتحديدًا بالقرب من قناة السويس، تقوم المملكة العربية السعودية ببناء أول مدينة صناعية عائمة على أرضها، والتي تعد واحدة من أكبر المدن العائمة الموجودة في العالم.
"أوكساجون" المدينة العائمة التي تم الإعلان عنها في نوفمبر من العام الماضي 2021، والمزمع اكتمالها بالكامل خلال عام 2030، تهدف إلى إيواء حوالي 90 ألف ساكن، إضافة إلى تحقيق أهداف المملكة بالقضاء على انبعاثات غازات الدفيئة والوصول إلى صافي صفر انبعاثات بحلول عام 2050.
المستوطنات العائمة ليست مفهومًا جديدًا، ولكنها حل واقعي للمجتمعات الساحلية، والبلدان التي تعاني من الفيضانات. لهذا السبب يطور الباحثون في جميع أنحاء العالم مفهوم المدن، ليس فقط على اليابسة ولكن في البحر أيضًا.
ما هي المدن العائمة؟
هي عبارة عن هيكل معياري مترابط يتم تصميمه بنظام تعويم في قاعدته ليطفو فوق سطح الماء فيما يشبه الجزيرة، دون التأثير على النظام البيئي للبحار والمحيطات، ويتم نقله إلى الموقع المختار بواسطة السفن.
وقد تصبح المدن العائمة ملاذًا آمنًا للأشخاص الذين ترتبط حياتهم وسبل عيشهم بالبحر، حيث تشير التقديرات إلى أن إجمالي عدد سكان الحضر المعرضين لخطر ارتفاع مستوى سطح البحر، إذا لم تنخفض انبعاثات الدفيئة، يمكن أن يصل إلى أكثر من 800 مليون شخص بحلول عام 2050.
خلال عام 2019، ناقش برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية، إمكانية استخدام المدن العائمة للمساعدة في التخفيف من أضرار البنية التحتية الناجمة عن الآثار السلبية لتغير المناخ، إلى جانب خطتها لبناء مدينة عائمة مستدامة لإيواء حوالي 10 آلاف شخص من المجتمعات المعرضة لخطر ارتفاع منسوب مياه البحار.
طريقة إنشائها
يعتمد بناء المبني العائم في الأصل على أساس قانون الطفو لأرشميدس، لكن للحفاظ على المستوطنات طافية يستخدم المعماريون هياكل عائمة كبيرة مملوءة بالهواء لتوفير الطفو للمنصات السداسية، حيث تعتبر الشكل المعماري الأكثر كفاءة من حيث المساحة.
تتألف المدينة من مجموعة من المنصات المتصلة بتصاميم مختلفة يكون لكل منها دور في الحفاظ على الحياة داخل المدينة، كأن تحتوي إحدى المنصات على معدات لتحلية مياه البحر لجعلها صالحة للشرب، بينما تحتوي المنصات الداخلية الأخرى على مجموعة من المرافق المختلفة لتقديم الخدمات المجتمعية كالتعليم والرعاية الصحية.
ويتم تشييد المباني في المدينة على ارتفاع منخفض لتقليل الأضرار الناتجة عن الأحداث المناخية كقوة الأمواج، ولتطوير المدينة يمكن للمهندسين تفكيك البنية التحتية لها وإعادة تشكيلها مرة أخرى.
في النهاية تشكل المدن العائمة شبكة من المجتمعات التي تسخر الموارد الطبيعية بشكل مستدام كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح، لتوفير الخدمات الاستهلاكية كالطاقة والغذاء والماء والموارد المعيشية الأخرى.
صديقة للبيئة
في الآونة الأخيرة، أدت التهديدات البيئية كتغير المناخ إلى تجديد الاهتمام العالمي بفكرة المجتمعات المستدامة، والتي يمكن أن تكون ترياق القرن الحادي والعشرين لشواطئ البلاد الآخذة في الاختفاء، لذلك فإن الاعتماد على المدن العائمة يوفر عددًا من الفوائد البيئية كالحماية من الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والأعاصير والموجات القوية، حيث يسمح استخدام مواد البناء المبتكرة بالإصلاح الذاتي للمنصات بمرور الوقت وتحمل الظروف المناخية القاسية.
إحدى الفوائد البيئية الأخرى التي توفرها المدن العائمة هو المحافظة على درجة حرارة سطح البحار والمحيطات، حيث أن وضع المنصات يمكن أن يلقي بظلاله على سطح الماء مما يساعد على خفض درجة حرارة المحيطات، إضافة إلى أن اعتمادها على مصادر الطاقة المتجددة والتقنيات الجديدة كالطاقة الشمسية وإعادة تدوير المياه، سيمكنها من إنتاج احتياجاتها الأساسية وبالتالي تقليل النفايات، وتخفيض الانبعاثات.
يمكن أن تكون المدن العائمة بديلًا للإسكان لتقليل ازدحام المدن، فبحلول عام 2030 من المتوقع أن يسكن 60% من سكان العالم المدن، لذلك يبحث المخططون الحضريون عن حلول إسكان جديدة لتقليل عدد السكان.
تحديات بناء المدن العائمة
على الرغم من أن المدن العائمة قد تبدو واعدة بشكل كبير، إلا أن العديد من التحديات قد تكون حائط سد بيننا وبين إنشائها كتكاليف البناء، ففي عام 2013 خلص تقييم لإحدى مشاريع المدن العائمة، إلى أن مدينة عائمة صغيرة تضم ما يصل إلى 300 شخص قد تصل تكلفتها إلى 167 مليون دولار، وهذه تكلفة باهظة الثمن ومن المتوقع زيادتها كلما زادت مساحة المدينة.
إحدى العقبات الأخرى التي تواجهها هو أن زيادة الطلب عليها من الممكن أن يؤدي إلى زيادة أسعارها، وبالتالي لن تصبح خيارًا سكنيًا ميسور التكلفة للاجئي المناخ.
إحدى مصادر القلق الأخرى هو مسألة السلطة السياسية فالمدن العائمة ستكون بمثابة أحياء منفصلة أو امتدادات لمدن البر، وبالتالي من غير الواضح كيف ستُحكم تلك المدن.
التحديات العالمية التي نواجهها جميعًا تؤكد علينا الضرورة الملحة للبحث عن الحلول، وبالرغم من وجود العديد من العقبات التي تقف في طريق تحويل المدن العائمة إلى حقيقة، إلا أنها من الممكن أن تصبح المسار الذي يختاره المجتمع لتحقيق مستقبل أكثر ملاءمة مع المناخ.