كيف تؤثر الحروب على البشر؟

في الثامن والعشرين من يوليو عام ١٩١٤، نشبت الحرب العالمية الأولى بين القوى الاقتصادية العظمى في ذلك الحين، لتتسبب في مقتل أكثر من ثمانية ملايين من الجنود وفقًا للإحصاءات. لم يخل التاريخ قبل نشوب الحرب العالمية الأولى ولا بعد انتهائها من الصراعات الحربية المدمرة. اختلفت أسباب اندلاع الحروب على مر التاريخ، لكن ظلت العواقب الوخيمة هي ما يجمعها في النهاية، ليس على مستوى هدر الأرواح وتدمير الممتلكات فحسب، بل أيضًا على المستوى النفسي والاقتصادي والتعليمي.

الحروب والصحة النفسية 

يعيش الملايين من الأشخاص حول العالم في مناطق تعاني الصراعات الحربية، الأمر الذي دفع العلماء والباحثين لدراسة تأثير تلك الصراعات على الصحة العقلية. تُظهر الدراسات ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية والعقلية في الأفراد الذين شهدوا الصراعات الحربية، مقارنةً بأولئك الذين لم يشهدونها، بما في ذلك اضطرابات القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة.

وفقًا لمبادرة الصحة العقلية العالمية (WMH) التي أطلقتها منظمة الصحة العالمية (WHO)، تنقسم الأحداث المؤلمة المرتبطة بالحرب إلى ستة محاور رئيسية، هي:

  • التشرد والبعد عن الوطن
  • تجربة القتال
  • شهود الفظائع والأعمال الوحشية
  • شهود قتل شخص ما أو إصابته بجروح بالغة
  • رؤية جثة شخص ما
  • اختطاف الشخص أو تتبعه عن طريق جنود الجهة المضادة 

كيف يستجيب البشر للأحداث المؤلمة؟

ساهمت الصراعات الحربية عبر التاريخ في فهم جوانب عدة للطب النفسي؛ حيث أتاحت الاختلافات في التأثيرات النفسية بين الجنود سبلًا جديدة لفهم ردود الفعل النفسية تجاه الأحداث المؤلمة التي يتعرض لها البشر.  

تختلف استجابة الأفراد للأحداث المؤلمة، حتى إنه في كثير من الأحيان، قد لا تظهر أي أعراض على الشخص، مع أنه يعاني انهيارات نفسية شديدة. قد يبدأ الأمر بمرحلة الصدمة والإنكار، والتي تُعد حيلة دفاعية طبيعية يلجأ إليها الفرد عند التعرض لأحداث مؤلمة؛ بهدف حماية النفس من التأثيرات العاطفية البالغة لتلك الأحداث، ما قد يجعل الفرد يشعر بالانفصال عن العالم الخارجي ويفقد القدرة على الشعور بهول الموقف في أثناء التعرض له.

تستغرق مرحلة الصدمة بعض الوقت لتخطيها، لتختلف بعدها ردود فعل الأفراد لتشمل:

اضطراب ما بعد الصدمة

 يُعد أحد الاضطرابات النفسية التي تؤثر على مستويات هرمونات التوتر بالجسم، ما يؤثر على استجابة الفرد لضغوطات الحياة المختلفة. يحتاج الأفراد الذين يعانون اضطراب ما بعد الصدمة إلى العلاج النفسي المستمر والدعم الاجتماعي الدائم؛ حيث يمكن أن يتسبب اضطراب ما بعد الصدمة في استجابة جسدية وعاطفية مُبالغ فيها للأحداث المرتبطة بتلك الذكريات المؤلمة، التي قد تستمر لعدة أشهر أو ربما سنوات بعد مرور تلك الأحداث.

تأثير الحرب على التعليم

في الأوقات التي تمر فيها البلاد بالصراعات الحربية، يؤدي الأمر بطبيعة الحال إلى تدهور التعليم، نتيجة الافتقار إلى الموارد التي سُخرت من أجل الحرب. ومن بين الآثار الضارة التي تتركها الصراعات الحربية على التعليم هي انتشار الهجمات على المدارس، التي تهدد حياة الأطفال والمعلمين، ما يحول دون فتح المدارس واستكمال العملية التعليمية بسلام.

تأثير الحرب على البيئة

على مر التاريخ، كانت الجيوش العسكرية تحرق الحقول الزراعية للأعداء وتدمر الأنهار وتسمم مصادر المياه كنوع من أنواع الحصار ومكائد الحرب، بل إن الأمر لم يقتصر على ذلك، ففي الآونة الأخيرة، وصل هذا التدمير البيئي إلى أعلى مستوياته؛ حيث تقدمت أسلحة الدمار الشامل لتشمل المواد الكيميائية والحروب النووية والبيولوجية، لتزداد معها الأضرار البيئية زيادة هائلة، قد تمتد لآلاف السنين.

اقرأ أيضاً:  تغير المناخ ومستقبل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 

ليست مرحلة الحرب وحدها التي تؤثر على البيئة المحيطة، بل إن مراحل التجهيز السابقة لنشوب الحرب لها تأثيرات بيئية بالغة؛ حيث تتطلب استهلاكا كبيرا للموارد؛ سواء الموارد الغذائية الهائلة لإمداد الجنود أو موارد الطاقة المستهلكة من أجل التدريبات واختبار الأسلحة وتجهيز المرافق المرتبطة بها، ما يضر بالبيئة عن طريق بقايا الذخائر، والتلوث الكيميائي. 

تأثير الحرب على الاقتصاد

تؤدي الحرب في الكثير من الأحيان إلى التضخم، ما يؤدي إلى فقدان الأفراد -خاصةً ذوي الدخل المتوسط- لقيمة مدخراتهم، الأمر الذي يدفع بعض الدول للتفكير في طبع المزيد من الأموال لدفع مرتبات الجنود والمدنيين، لكن الأمر يأتي بنتائج عكسية، فسرعان ما تنخفض قيمة تلك الأموال المطبوعة ويتفاقم التضخم أكثر فأكثر.

كما قد تؤدي الصراعات الحربية إلى ارتفاع ملحوظ في  أسعار النفط بتهديد مصادر الإمداد الرئيسية، ويظهر ذلك جليًا في تأثير الصراع الحربي بين الدولة الروسية و الدولة الأوكرانية الذي نشهده حاليًا على ارتفاع الأسعار العالمية للنفط والغاز، باعتبار الدولة الروسية مورداً رئيسياً للنفط والغاز.

كيف يمكننا تخطي الأحداث المؤلمة؟

إن الاطلاع على مجريات الأحداث العالمية -بلا شك أمر بالغ الأهمية، لكنه في كثير من الأحيان قد يصيب الفرد بالاستياء والتشتت، بل وقد يصل الأمر إلى الإصابة بالاضطرابات النفسية والعقلية. ولتفادي تلك المخاطر النفسية البالغة الناتجة عن متابعة أخبار الصراعات العالمية، لا بد من اتباع بعض النصائح:

تنظيم الاطلاع على الأخبار

ما يشمل اتخاذ قرارات واعية بشأن أوقات الاطلاع على الأخبار المحلية والعالمية، فقد يلاحظ البعض ازدياد التأثير السلبي لمشاهدة الأخبار في فترات معينة من اليوم، مثل ساعات ما قبل النوم مباشرة أو فترات الإجهاد عامةً، الأمر الذي يدعوهم لتجنب تلك الأوقات للاطلاع على الأخبار لتفادي تلك التأثيرات السلبية.

لا يقتصر الأمر على أوقات الاطلاع على الأخبار فحسب، بل يرتبط أيضًا بالمصادر التي ينتقيها الفرد لمتابعة الأخبار، فقد نلاحظ أن بعض المصادر تكون صدامية إلى حد بعيد أو متحيزة لأطراف بعينها أو تتعمد إثارة الجدل، الأمر الذي يُشعر المشاهد بالارتباك والتشتت. إن إيجاد المصادر الموثوقة لمتابعة الأخبار دون تحيز أو تضليل أمر شديد الأهمية للحفاظ على الصحة النفسية والعقلية.

التحكم في المشاعر

يقع بعض الأفراد أسرى لتأثرهم بمشاهد الصراعات الحربية التي تعرضها لنا يوميًا منصات الأخبار وتتداولها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة؛ فمنهم من يبدأ في لوم نفسه عن تلك المشاعر السلبية التي تتولد لديه جراء مشاهدة الأحداث. إن الاعتراف بأحقية الفرد في الشعور بالاستياء والحزن نتيجة مشاهد الحروب أمر بالغ الأهمية، حيث يجعل الفرد أكثر قدرة على فهم مشاعره، بل وتوجيهها نحو آليات أكثر إيجابية للتعامل مع الأمر.

البحث عن الدعم

يجد الكثير من الأفراد صعوبة في خلق التوازن  بين الاطلاع على الأخبار بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، وعدم التوحد النفسي في تلك الأخبار، خاصةً في أثناء الصراعات الحربية، والأزمات العالمية. لذا، أصبح من الضروري التماس المساعدة سواء من أفراد الأسرة أو الأصدقاء أو جهات الدعم النفسي إذا تطلب الأمر.

أخيرًا، إن التأثيرات السلبية للصراعات الحربية لا تقتصر على هدر الدماء وتخريب الممتلكات فحسب، بل تمتد لتشمل جميع جوانب الحياة الاقتصادية والتعليمية والبيئية. إن التعامل مع تلك الأحداث المؤلمة يستلزم من المرء مرونة بالغة لتخطي مضارها وتفادي عواقبها على المدى البعيد. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share