نور

نور.. تُضيء مستقبل المغرب بالطاقة النظيفة!

منذ بداية سبعينيات القرن الماضي، وما يقرب من 80% من مجمل إنتاج الطاقة في العالم يعتمد على الوقود الأحفوري، وفقًا لبيانات "البنك الدولي". وهي بيانات ربما مُحزنة عن مدى تغلغل الوقود الأحفوري في اقتصاداتنا وحياتنا اليومية.

رغم الاضطراب الذي يجتاح قطاع الطاقة الأحفورية عالميًا نتيجة تحذيرات العلماء من الوصول لنقطة "اللا عودة" في أزمة المناخ، فإن الإحصائيات والنتائج النهائية لا تتغير، وأن البدائل من الطاقة النظيفة لاتزال ذات تأثير محدود، إلا أن مملكة المغرب -على الأقل- من بين الدول العربية، بدأت تخطو خُطواتها الأولى نحو تغيير ملحوظ.

تبعا لبيانات وزارة " الاقتصاد والمالية" المغربية، فإن المغرب يقوم باستيراد 96% من احتياجاته من الطاقة، مع طلب متزايد بنسبة 7% سنويًا، نظرًا للتطور الاقتصادي والنمو الديموغرافي، وهو ما شكّل في حد ذاته تحديًا يزداد صعوبة، خاصةً مع الهدف المعلن للمملكة نحو تحقيق استقلال طاقي اعتمادًا على مصادر نظيفة.

بدا ذلك جليًا في حديث "مصطفى بكوري" -رئيس الوكالة المغربية للطاقة الشمسية MASEN في مؤتمر الدار البيضاء- قبل عامين مع دخول المرحلة الأولى لمشروع "نور" للطاقة الشمسية حيز التنفيذ، حيث قال في كلمته الافتتاحية خلال المؤتمر الذي حضرته مؤسسات عالمية كبرى مثل مجموعة "البنك الدولي" و"صندوق الاستثمار في الأنشطة المناخية": " إن المغرب لم يكن مقيدًا بتكنولوجيا معينة، بل كان ملتزمًا بالأحرى بكسر اعتماده على واردات الوقود الأحفوري وبالتحرك في مواجهة تغير المناخ".

تكنولوجيا جديدة؟

لم يكن كلام "بكوري" مجازيًا عندما تحدث عن أن المغرب غير مقيد بتكنولوجيا محددة، فعلى خلاف الأنظمة الكهروضوئية "PV" لإنتاج الطاقة الشمسية التي تسيطر على السوق العالمية، تبنت المغرب أنظمة الطاقة الشمسية المركزة "CSP"، والتي تُعرف أيضًا بأنظمة "الطاقة الشمسية الحرارية".

الاختلاف الرئيسي بين التقنيتين هو أن أنظمة الطاقة الشمسية المركزة لا تُنتج الكهرباء من الطاقة الشمسية بشكل مباشر كالأنظمة الكهروضوئية، بل تتكون من مرايا وعدسات عاكسة تقوم بتجميع الضوء لتسخين سائل ما.

يمكن استخدام الطاقة الحرارية المختزنة لإنتاج بخار يقوم بتدوير توربينات مولدة للطاقة الكهربائية على غرار الأنظمة التي تعتمد على الوقود الأحفوري، وهو ما يمنحها تفوقًا مميزًا على نظيرتها.

على عكس الخلايا الكهروضوئية، يمكن لأنظمة الطاقة الشمسية الحرارية اختزان الطاقة لوقت الضرورة. رغم تلك الميزة الفارقة فإن ما يقرب من 97% من إجمالي الطاقة المنتجة باستخدام التقنيات الشمسية عام 2014 اعتمدت على الخلايا الكهروضوئية!

ولا تعد سيطرة الخلايا الكهروضوئية على السوق العالمي لغزًا، فرغم عدم قدرتها على تخزين الطاقة، إلا أنها أقل تكلفة نظرًا لبساطتها. فقد تزداد الشركات المنافسة بعدل مضطرد سنويًا، وعلى عكس نظيرتها التي تحتاج إلى وحدات إنتاج مركزية على مساحة كبيرة، يمكن للخلايا الضوئية أن تستخدم في وحدات كبرى أو على نطاق صغير على سبيل المثال على أسطح البيوت في المناطق السكنية.

اقرأ أيضاً:  أبرز 5 خدمات رقمية تم الإعلان عنها في مؤتمر آبل 2019

على الجانب الآخر، إن اختيار المغرب لاستخدام تلك التقنية باهظة الثمن التي تتوقع بعض الإحصائيات أن تكلفتها بعد إتمام المراحل الأربعة للمشروع ستقارب 9 بليون دولار أمريكي، قد بُني على دراسات قامت بها الوكالة المغربية للطاقة الشمسية، تُفيد بأن أقصى استهلاك للكهرباء يحدث عند مغيب الشمس، وفي ساعة ذروة الاستهلاك الكهربي تلك، ستعوض ميزة التقنية الجديدة القادرة على تخزين الطاقة، تكلفة إنشائها الباهظة.

هل يضيء "نور" صحراء أوروبا؟

على بعد 20 كيلومتر من هوليود إفريقيا مدينة "ورززات" التي صورت فيها لقطات من مسلسلات وأفلام عالمية مثل "صراع العروش" و"فيلم لورانس العرب"، تقع محطة نور للطاقة الشمسية التي تعد أول خطوة لمشروع ضخم لإنتاج الطاقة المتجددة بالمغرب.

قد تم بناء المحطة على أربع مراحل بتقنيات متعددة ذات جودة عالية: 

1- المرحلة الأولى: محطة نور1 

وقد تم تدشينها في فبراير 2016، على مساحة 480 هكتار، لتُنتج حوالي 160ميجاواط من الكهرباء، وهى تعتمد بشكل كامل على أنظمة الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، حيث تنتشر بها ما يقرُب المليون من المرايا العاكسة لأشعة الشمس، بارتفاع 12 متر لكل واحدة، في 800 صف متوازي. تم تهيأة المرايا لكي تدور وفقًا لحركة الشمس، لتلتقط الأشعة المنبعثة، وتحولها إلى طاقة نظيفة.

2- المرحلة الثانية: محطة نور 2

وهى تعتمد نفس تقنية نور 1، وإنتاجها تُقدر بـ 200 ميجاواط، وسعة تخزينها تصل إلى سبع ساعات.

3- المرحلة الثالثة: محطة نور 3

على غرارالمرحلتين السابقتين تعتمد نور 3 على تقنية الطاقة الشمسية الحرارية، وتستطيع تخزين الطاقة لنفس المدة، إلا أنها تتميز ببرج ضخم في وسط الحقل تتجمع على قمته الأشعة الشمسية المنعكسة، فور انتهائه سيكون برج نور 3 الأعلى ارتفاعًا في أفريقيا بارتفاع يصل إلى 246 متر، بينما تنتج المحطة 150ميجاواط من الإنتاج.

4- المرحلة الرابعة: محطة نور 4

تُعد نور4 هى الشطر الأخير من المشروع، وقد تصل إنتاجيته إلى 70 ميغاواط.

يهدف المغرب من خلال المشروع الطموح إلى تحقيق اكتفاء ذاتي في قدرته الكهربائية بنسبة 42% بحلول سنة 2020، على أن تزيد تلك النسبة لتصل إلى 52% في حدود سنة 2030 وذلك وفقًا لاتفاقية باريس للمناخ التي حدثت قبل ثلاثة أعوام.

ولم تتوقف التعديلات الأوروبية عند ذاك الحد، حيث أشار "فرانشيسكو ستيبو" -رئيس منظمة نادي روما- بعد إنشاء نور1 إلى أن أولى خطوات مشروع ديزيرتيك "DESERTEC" قد بدأت.

مشروع "ديزرتيك"؛ الذي طرحته منظمة نادي روما عام 2003، والذي ينشد الشركات الكبرى للاستثمار في الطاقة الشمسية في منطقة شمال أفريقيا بما يكفِ لنقل طاقة تغطي كافة دول أوروبا. 

بالطبع، يجب أن تكون خطوات المغرب القوية نحو الاستقلال الطاقي حذرة، في ظل موجة من الاضطرابات تعصف بالثقل الكبير لشركات الوقود الأحفوري، والتي على الأغلب بدأت البحث عن بدائل أكثر ربحًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share