البشر القدامى,أسلاف البشر

جيراننا القدامى؛ أربعة أنواع من البشر شاركونا الحياة على كوكب الأرض

منذ حوالي 300 ألف عام، ونحن نعيش على هذا الكوكب نشيد حضارات، نخترع، نكتشف و نقدم أرقى أنواع الفنون والآداب، حتى أننا نحاول اليوم من خلال التكنولوجيا صناعة رفقاء لنا في هذا الكوكب من الآليين، لكن ماذا عن أصلنا نحن البشر، هل نحن وحدنا من نعيش على الأرض؟ هل تشاركنا الأرض يومًا مع بشر آخرين؟ 

من نحن ؟

يُعد البشر اليوم هم النوع الوحيد من بني جنسهم الذين يتمتعون بالحياة على كوكب الأرض؛ ويُشار إلينا علميًا بالإنسان العاقل (Homo sapiens)، حيث كلمة ( homo) هي اسم جنسنا وتعني إنسان، أما sapiens  فهي اسم نوعنا وتعني العاقل أو الحكيم، ولجنس هومو تاريخ يمتد لحوالي 2.5 مليون سنة عاشت خلالها العديد من الأنواع كشفت عنها أبحاث نُشرت في أرقى الدوريات العلمية، منها ما جاء وانقرض من على سطح الأرض قبل مجيئنا ومنها أيضًا ما عاش معنا فترة ليست بالقليلة؛ بل وتقاسمت معنا الحياة جنبًا إلى جنب.

قبل أن نبدأ بالحديث عن أنواع جنسنا البشري ممن تشاركنا معهم الأرض دعونا نستطرق بعض الصفات المميزة لجنسنا؛ ككبر حجم الجمجمة ووجود حيز كبير للمخ، صغر حجم الأسنان وطول الأرجل بالنسبة للأيدي، وكذلك القدرة على التواصل واللغة وإمكانية صنع الأدوات. كل هذه صفات تؤهل الكائن ليكون انسانًا.

دعونا ننطلق لنتعرف على أربعة أنواع من جنسنا البشري عاشوا معنا وشاركونا الزمان والمكان، وسنسرد لكم من خلال هذه السطور جانبًا من حياتهم: من هم ومتى استوطنوا هذا الكوكب العتيق؟ ترى كيف كانت هيئتهم؟ وكيف كانت حياتهم؟

إنسان لوزون H. luzonensis

أحدث أنواع جنسنا البشري اكتشافًا؛ ففي عام 2007 اكتشف العلماء إحدى عظام الأرجل في كهف كالاو بجزيرة لوزن بالفلبين، وتأكد الفريق البحثي أن هذه العظمة لجنس هومو، لكن السؤال هو: إلى أي نوع؟

استمر العلماء في البحث والدراسة لحل ذلك اللغز إلى أن تم نشر ورقة بحثية بدورية ناتشر- nature في إبريل من العام الحالي، قامت الدراسة على اكتشاف 12 حفرية لعظام مختلفة لثلاثة أفراد - فردان بالغان وطفل - (7 أسنان علوية، 2 من عظام الأيد، 2 من عظام القدم، جزء من عظام الفخذ). سُمى هذا الاكتشاف انسان لوزون نسبةً لموقع الاكتشاف. 

عاش إنسان لوزون في الفلبين قبل حوالي 67 ألف سنة، وتختلف خصائص هومو لوزون عن أي نوع هومو آخر؛ فهو خليط من خصائص الإنسان المعاصر والاستراولبيثيكس (أشباه البشر، وأول كائنات تمشي على قدمين). لاحظ العلماء التواء في أصابع القدم، مما يوحي بقدرته على تسلق الأشجار، ورغم المحاولات المستميتة لاستخراج الحمض النووي DNA من حفريات إنسان لوزون لمعرفة الوضع التصنيفي الدقيق نسبةً إلى باقي جنس هومو، إلا أن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب إتلاف رطوبة الكهف الذي استُخرجت منه العينات للحمض النووي؛ مما يستدعي من العلماء مزيد من الجهود والاكتشافات لحل لغز القرابة.

إنسان فلوريس H. floresiensis

كثير منا شاهد سلسلة أفلام the lord of the rings   أو Hobbits وتأثر بشخصيات الهوبيتس مع اعتبارها مجرد فانتازيا أفلام، لكن الهوبيتس حقيقة؛ فقد كانوا بشر جاورونا في الأرض وعاشوا معنا يومًا ما. 

إنه إنسان فلوريس؛ ففي سبتمبر 2003 عثر العلماء على هيكل عظمي في جزيرة فلوريس باندونيسيا، وكان الهيكل الذي يبلغ طوله متر واحد فقط لأنثى بالغة، ليكون بذلك أصغر نوع من جنس هومو وُجد على الأرض (ربما ينافسه في قصر القامة إنسان لوزون). 

يعزي العلماء سبب التقزم إلى العزلة الطويلة على جزيرة فلوريس، حيث عُثر أيضًا على أفيال متقزمة - مُنقرضة الآن - كانت تعيش على نفس الجزيرة. عاشت تلك الأقزام قبل حوالي 50 ألف سنة، وعلى الرغم من صغر أجسامهم فقد كانوا ماهرين في صنع واستخدام الأدوات إلى جانب مهاراتهم في صيد الأفيال الصغيرة والفئران.

اقرأ أيضاً:  جولة إلى مصر القديمة؛ الطب عند الفراعنة

إنسان دينسوفا  H. denisovans

له درجة قرابة عظيمة بنا نحن البشر المعاصرون، وقد عاش معنا قبل أكثر من 40 ألف سنة. يرجع اكتشاف هذا النوع إلى عام 2008، حيث اكتشف العلماء إحدى عظام الخنصر الخاصة بفتاة صغيرة عمرها من خمس إلى سبع سنوات، وسُميت دينسوفا نسبةً إلى كهف دينيسوفا بسيبيريا. ليس هذا فقط، إنما عُثر أيضًا على حفرية فك سفلي لنفس النوع. 

العينة الأكمل لإنسان دينسوفا كانت تقطن جبال التبت في الصين والتي وصُفت في دورية ناتشر مايو 2019، ولعل العثور على بقايا إنسان دينسوفا - لأول مرة خارج كهف دينسوفا بسيبيريا - في جبال التبت دليل على الانتشار الواسع لهذا النوع، والجدير بالذكر أن إنسان دينسوفا يتشارك جينيًا بنسبة 3 إلى 5% مع الميلانيزيين (مجموعة عرقية تعيش  حاليًا في منطقة ميلانيزيا بغينيا الجديدة).

إنسان نيانديرتال H. neanderthalensis
إنسان نياندرتال +سفانتي بانو الحاصل على جائزة نوبل في الطب والفسيولوجي لعام 2022

أقرب أقاربنا من بني البشر الذين تشاركوا معنا ليس فقط في المكان أو الزمان، إنما أيضًأ الحمض النووي. عاش إنسان نياندرتال معنا قبل حوالي 40000 سنة، وتميزوا بأجساد ذات بنية قوية إلا أنهم كانوا أقصر قامةً منا. ولعل تحكمهم في النار ومحاولاتهم البدائية للرسم إضافةً إلى استخدامهم  لبعض الطحالب النباتية لأغراض طبية كمعالجة آلام البطن والأسنان كان أكثر ما يميزهم. وكذلك دفن موتاهم مع طقوس ومراسم دفن خاصة.

رحلة عبر الزمن

الآن اضبط مقعدك في آلة الزمن وسوف نتخطى حدود الزمكان مع الحفريات لزيارة أجدادنا وأقاربنا ولنشاهد تاريخ حدث بالفعل فيما قبل الحضارات، حيث كنا نحيا سويًا نستنشق نفس الهواء نشرب من المياه ذاتها نتشارك حتى مصادرنا الغذائية. فكيف كانت العلاقة بين تلك الأنواع؟

نحن الآن في روسيا قبل 50 ألف سنة من تاريخنا؛ تجلس فتاة نيانديرتالية جميلة وقد شرعت للتو في رسم أول لوحة لها على جدار ذلك الكهف ليراها شاب يافع من دينسوفا، فيتساءل في نفسه ماذا تفعل هذه الفتاة؟ ثم بينه وبين نفسه (لا يهم، المهم أنها فائقة الجمال فاقت برقتها كل بنات دينسوفا) يقرر ذلك الشاب التودد لجميلة النياندرتال لتستجيب هي الأخرى، وبعد عدة لقاءات يقررا الزواج! ليعيشا سويًا وينجبا طفلتهم المدللة ديني.

تحمل ديني في جيناتها خليطًا أو هجينًا من النيانديرتال والدينسوفا؛ فالأم نياندرتال والأب دينسوفا، لكن يشاء القدر أن تموت ديني في الـ 13 من عمرها لنكتشف حفرياتها وتخبرنا عما كان في قديم الزمان. 

فى تلك الحقبة أيضًا نستطيع مشاهدة الأب الهوبيت وهو عائد لأبنائه بصيد ثمين من الفئران، أما جدنا (الإنسان العاقل) القابع هناك على تلك الصخرة أستطيع إخبارك أنه يفكر الآن في كيفية غزو العالم والتمتع والتفرد بكل خيرات الأرض. لكن إلى أي مدى كان تأثيره في انقراض باقي أنواع جنسنا؟

هنا بعد تلك الرحلة، هل تركت لنا الأرض مزيدًا من الرسائل المشفرة عبر الحفريات لفهم أفضل لتاريخنا على الأرض؟

العجيب أنه كلما اكتشفنا الكثير واقتربت الصورة إلى الوضوح؛ تعثرنا في أحجية جديدة تتطلب منا المزيد من الاكتشافات، والتي بدورها تفتح علينا وابل من الأسئلة، فكلما ظننا أننا اقتربنا من الحقيقة باتت الحقيقة بعيدة عنا بعدد التساؤلات والأحاجى الجديدة. 

و أخيرًا،

هل سيأتى يوم ما يتحدث عنا نوع هومو آخر؟ هل سنتحارب معهم من أجل البقاء؟ و لمن يكون البقاء؟ هل هناك مزيد ممن شاركونا قديمًا الزمان و المكان ؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share