بعض الملوثات يمكنها البقاء في الغاف المائي أو الجوي للأرض لفترات طويلة مثل الأوزون أو أول أكسيد الكربون، البعض الآخر وربما الأكثر خطورة، تستطيع المكوث و التراكم في الغلاف الحيوي، من ثمار النباتات إلى الأسماك، بل حتى في جسدك، داخل خلاياك الدهنية تزداد مع ازدياد النشاطات البشرية الملوثة للبيئة، محدثةً أضرارأ صحية جمة، من اضطراب هرموني شامل إلى التأثير على معدل الخصوبة، إلى السرطان أو حتى الوفاة، تلك هي "البوبز".
البوبز POPs”" هي الاختصار بالإنجليزية لما يعرف بـ"الملوثات العضوية الثابتة"، وهي مركبات عضوية غير قابلة للتحلل، يمكنها المكوث لفترات طويلة في الغلاف الحيوي، وهي سامة لكل من الحيوانات أو الإنسان.
بهدف التقليل من تلك المخاطر ومواجهتها، اجتمعت 152 دولة عام 2001 في العاصمة السويدية ستوكهولم، حيث وقٌعت اتفاقية عالمية تنص على التخلص أو تقييد 12 من أبرز تلك الملوثات، وما لبثت أن ازدادت القائمة لتصل إلى 33 نوع مختلف من الملوثات، مع زيادة عدد الدول التي استشعرت أهمية وقف تلك المواد السامة.
اليوم يجني العالم أولى مؤشرات نجاح ذلك التكتل الأممي، حيث أوضحت دراسة حديثة نشرت مؤخراً في الدورية المرموقة " Science of the Total Environment "، أن معدلات "البوبز" شهدت انخفاضا واضحاُ في القطب الشمالي بعد اتفاقية 2001، وقد شارك في تلك الدراسة فريق دولي من الباحثين من النرويح حتى الولايات المتحدة.
ويعد القطب الشمالي بالتحديد مؤشراً هاماً بسبب موقعه الحيوي، حيث يمكن للملوثات أن تصبيه سواء من مصدر محلي، أو من موقع بعيد محمولة عبر تيارات الماء أو الهواء، يضاف إلى ذلك طبيعة تكوين نظامه البيئي والحيوي الهش للغاية، بحيث أن تغييرات صغيرة قد تعني فرقاً كبيراً.
للتوصل إلى تلك النتائج، عمل الفريق البحثي منذ قرابة عقدين على جمع 1000 عينة مختلفة من مواقع عدة حول القطب الشمالي، شملت العينات أنسجة دهنية من ثدييات وطيور بحرية إضافة إلى أنسجة من أنواع مختلفة من المحار، كما اهتم الباحثون بتغير معدل نسب الملوثات الغلاف الجوي عبر السنوات الماضية.
ومن أجل تعزيز دقة النتائج، انتقى الفريق البحثي عدة عينات قديمة تعود إلى فترة ما قبل الاتفاقية لدراستها، تلك العينات كانت محفوظة في مستودعات حيوية تابعة لمؤسسات علمية كبرى من مثل "المعهد الوطني الأمريكي للمعايير والتقنية" NIST.
أحد أبرز الملوثات التي واجهت انخفاضا ملحوظا هي "الليندان" lindane و "بي سي بيز" PCBs، الذي يستخدمان لأغراض زراعية وفي الأنظمة الكهربائية على التوالي، بينما انخفض "الاتش سي بي"HCB المستخدم ف صناعة المبيدات الحشرية بمعدل أقل، على الجانب الآخر ارتفعت معدلات بعض الملوثات كـ"الهيكسوبروموسيكلودوديكان" نسبياً، نظراً للاستمرار في استخدامه في عدة مواقع حول القطب.
إن الدراسة حالياً هي نتيجة مباشرة لاتفاقية استوكهولم، التي نصت إحدى بنودها على الدعم المستمر للدراسات التي تراقب معدل تغيير الملوثات في النظم البيئية والحيوية، وهي دليل جيد على أن التعاون الواسع بين الأمم هو الطريق الوحيد لحل الأزمات العالمية، والحفاظ على كوكبنا.