الطب التجديدي

الطب التجديدي | المستقبل الواعد لعلاج الأمراض المستعصية

في عام 1973، صدرت أولى حلقات المسلسل الشهير رجل الستة ملايين دولار (The Six Million Dollar Man) المُصنّف كمسلسل خيال علمي مُقتبس من رواية (الإنسان الآلي) للكاتب مارتن كايدن.

تدور أحداث المسلسل حول رائد الفضاء "ستيڤ أوستين"، الذي يتعرض لحادث خطير إثر انفجار أحد محركات مركبته. ينجو ستيڤ بحياته، لكنه يفقد إحدى عينيه ويده وكلتا ساقيه، فيقرر الأطباء حينها استبدال الأعضاء التي فقدها بأعضاء آلية وصلت تكلفتها إلى ستة ملايين دولار؛ ليتمكن من مواصلة عمله، بل واستخدام قوته الآلية لمواجهة الشر.  

في أوائل التسعينات من القرن الماضي، بدأ استخدام مصطلح الطب التجديدي (Regenerative Medicine)؛ تحديدًا عام 1992 في مقالة ليلاند كايزر التي تصف الطب التجديدي بأن من شأنه تغيير طريقة تعاملنا مع الأمراض المزمنة، وتقديم التقنيات الحديثة للمساهمة في علاج الأمراض المستعصية؛ ليصبح حلم الشفاء حقيقيًا، وليس مجرد خيال علمي. 

ما هو الطب التجديدي؟

الطب التجديدي فرع من فروع الطب الحديث، يهدف إلى استعادة الوظائف الطبيعية لأعضاء الجسم المختلفة، عن طريق استبدال أو تجديد نمو تلك الأعضاء أو الأنسجة أو حتى الخلايا المكونة لها.  

بالرغم من حداثة مصطلح "الطب التجديدي" نسبيُا، إلّا أن فكرة استخدام الأعضاء الاصطناعية ليست جديدة. ففي عام 1937، صدر كتاب (زراعة الأعضاء الجديدة- The Culture Of New Organs) لمؤلفيّه؛ (تشارلز لندبرغ) و (ألكسيس كاريل) الحائز على جائزة نوبل في الطب وعلم وظائف الأعضاء لتقنياته المبتكرة في خياطة الأوعية الدموية. كما عملا سويًا على ابتكار مضخة دم اصطناعية؛ لضمان وصول الدم للأعضاء خارج الجسم في أثناء إجراء الجراحات المختلفة، ومن هنا كانت النواة للتفكير في ابتكار قلب اصطناعي بالكامل.

تطور الطب التجديدي بشكل هائل في الآونة الأخيرة، حتى تمكن الباحثون في دراسة حديثة من إعادة إنماء ساق ضفدع مفقودة، عن طريق مزج خمسة عقاقير ووضعها في مفاعل بيولوچي مصنوع من السيليكون ليوضع مكان الطرف المفقود بإحكام لمدة 24 ساعة فقط. وبالرغم من وضع تلك العقاقير ليوم واحد فقط، إلّا أن مفعولها امتد ليصل إلى 18 شهرًا، نمت فيها الساق المفقودة واستعادت وظيفتها كاملةً.

تؤدي العقاقير الخمسة المستخدَمة وظائف مختلفة لكنها متكاملة؛ فهي تعمل على:

  • تثبيط إنتاج الكولاچين لمنع تكون نسيج ندبي.
  • تعزيز نمو الألياف العصبية لاستعادة وظيفة العضو بشكل كامل.
  • تهدئة الالتهاب المحيط.
  •  تحفيز نمو الأوعية الدموية والعضلات المحيطة.
الطب التجديدي

الاستراتيجيات المُستخدمة حاليًا في الطب التجديدي

في وقتنا الحالي، يقوم الطب التجديدي على ثلاثة محاور جوهرية، وهي:

العلاج القائم على الخلايا الجذعية

الخلايا الجذعية هي نوع من الخلايا التي تتميز بقدرتها على الانقسام والتكاثر، لتعطي خلايا متخصصة ذات مهام محددة، كخلايا الكبد أو العضلات أو الجلد. يعتقد العلماء أن الخلايا الجذعية هي مستقبل الطب الواعد؛ فنظريًا يمكن تسخير تلك الخلايا لتعويض الأعضاء المعتلة في جسد الإنسان، استنادًا إلى قدرتها على التطور إلى كافة أنواع الخلايا المختلفة إذا تعرضت للظروف والمحفزات المناسبة.

الطب التجديدي - الخلايا الجذعية - أنواع الخلايا الجذعية

العلاج القائم على المواد الحيوية (Biomaterials)

يعتمد العلاج بالمواد الحيوية على تعزيز وظيفة النسيج البيني (Extracellular Matrix)، وهو النسيج الذي يحيط بخلايا الجسم. فعلى الرغم من اتجاه أغلب الأنظار صوب الوظائف الحيوية للخلايا، إلّا أن النسيج البيني المحيط بتلك الخلايا يلعب دورًا لا يمكن إغفاله في دعم تلك الوظائف. يعتبر النسيج البيني شبكة داعمة ثلاثية الأبعاد تؤثر على:

  • التعبير الچيني (Gene Expression): وهي العملية التي يوجه فيها الحمض النووي الخلايا إلى تكوين مواد وظيفية؛ مثل البروتينات.
  • التمايز الخلوي (Cell differentiation): أي تطور الخلية لتأخذ نمطها الخاص، وتصبح متخصصة في وظيفة معينة.
  • هجرة الخلايا (Cell migration): التي تلعب دورًا هامًا في الاستجابة المناعية للخلايا والتئام الجروح.
اقرأ أيضاً:  عندما يصل العلم إلى حد معين، تعلم كيفية طرح أسئلة مختلفة

العلاج القائم على المواد الحيوية المزروعة بالخلايا الجذعية

ويجمع هذا النهج بين العلاجين السابقين، حيث يُستبدَل أحد الأعضاء في جسم المريض بخلايا جذعية مزروعة في بيئة مناسبة من المواد الحيوية مثل الكولاچين لتعويض الوظيفة المفقودة.

ففي عام 2006، نشرت دورية لانسيت الطبية دراسة أعلنت فيها زراعة أول مثانة اصطناعية في جسم الإنسان. أجريت تلك الدراسة عن طريق أخذ عينة من النسيج الحيوي لمثانة المريض، وزرعها مع المواد الحيوية في المختبر، لتتخذ شكل المثانة المطلوب. زُرعَت المثانة الاصطناعية في جسد المريض بعد اكتمال نموها الذي استغرق من سبعة إلى ثمانية أسابيع.

الطب التجديدي في مواجهة جائحة كورونا

خلال الأشهر الماضية، تفشى فيروس كورونا بصورة هائلة ليصيب ملايين البشر حول العالم، مما دفع العلماء والأطباء إلى التحرك السريع لفهم المرض، وإيجاد طريقة فعّالة للحد من مضاعفاته، ولعل أبرز ما اتجهت إليه أنظار العلماء هو استخدام الخلايا الجذعية، باعتبارها إحدى محاور الطب التجديدي الواعدة.

حين يصيب فيروس كورونا الجسم، يتسبب في حالة من الالتهاب العام، ما يدفع الخلايا المناعية إلى إفراز السيتوكينات، وهي بروتينات تُفرَز في المقام الأول للتنسيق بين خلايا الجسم المختلفة؛ لتضمن استجابة مناسبة من الجهاز المناعي لمواجهة العدوى. لكن، عندما تفرِز الخلايا المناعية كميات هائلة من السيتوكينات، فيما يعرف بعاصفة السيتوكينات (Cytokines Storm)، فإن ذلك يتسبب في إصابات بالغة لخلايا وأنسجة الجسم، وقد تصل إلى حد الوفاة.

ومن هنا، توجه تفكير العلماء للعلاج المناعي باستخدام الخلايا الجذعية لتخفيف حدة الأعراض والسيطرة على المضاعفات. وفي أبريل 2021، أشار فريق بحثي صيني إلى دور الخلايا الجذعية في تحسين نتائج العلاج من فيروس كورونا. لكن، هذه الدراسة أُجريَت على عدد محدود من المصابين، الأمر الذي دفع الباحثين لدراسة مدى فعالية استخدام الخلايا الجذعية في العلاج على عدد أكبر من المرضى. 

وفي مايو من نفس العام، أجرى الباحثون دراسة تستخدم الخلايا الجذعية الموجودة في الحبل السري لعلاج الالتهاب الرئوي الناتج عن فيروس كورونا، وأشارت إلى تحسن وظائف الرئة بشكل ملحوظ خلال ٢-٧ أيام من بداية العلاج.

أخيرًا، بالرغم من الابتكارات المذهلة التي توصل إليها الباحثون في مجال الطب التجديدي، لا يزال الأمر محض التجربة، ولا يمكن الجزم بفعاليته ومدى أمانه على المرضى سوى بالمزيد من البحوث والدراسات والتجارب السريرية.

شاهد أيضاً عن جرافين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share