في الآونة الأخيرة، شغل الحديث عن عروس الإسماعيلية الرأي العام المصري، وحصدت مقاطع الفيديو التي تظهر بها واقعة التعدي، مئات الآلاف من المشاهدات، لتفتح هذه الواقعة الباب من جديد لمناقشة العنف المنزلي وآثاره النفسية المحتملة، التي تعانيها النساء، ليس على مستوى مصر فقط ولكن لتمتد إلى منطقة الشرق الأوسط برُمتها.
ما هي إلا ساعات، وظهر مقطع فيديو جديد للعروس، تظهر به بين أحضان عريسها -المعتدي- وهما يضحكان ويبدو عليهما السرور، وسط مباركة الأهل وفرحة الأصدقاء، وكأن شيئًا لم يحدث أبدًا. ليثير هذا الموقف المزيد من الجدل، ليس حول هذه العروس بالتحديد، ولكن عن استمرار العديد من النساء في علاقات مؤذية، على ما يتعرضن له من عنف نفسي أو جسدي.
العنف ضد المرأة … أرقام وإحصائيات
وفقًا لتعريف الأمم المتحدة للعنف ضد المرأة، فإنه أي فعل من أفعال العنف القائم على الجنس، بحيث يؤدي إلى وقوع أذى نفسي أو جسدي أو عقلي على المرأة، بما في ذلك إكراه المرأة للقيام بفعل معين، أو التهديد بالحرمان من حرية ممارسة الحياة العامة أو الخاصة.
يُعد العنف ضد المرأة من الشريك -الحالي أو السابق- أو ما يُعرف بـ "عنف الشريك الحميم" أحد أكثر أنواع العنف ضد المرأة شيوعًا، حيث يتسبب المعتدي في أذى جسدي أو جنسي أو نفسي للضحية، مثل الاعتداء الجسدي عليها بالضرب أو الإكراه الجنسي، أو الإيذاء النفسي بالسب وغيره، وكذلك يتضمن ممارسة سلوكيات التحكم في الضحية.
أسباب البقاء في علاقة مؤذية
قد تختلف أسباب البقاء في علاقة مسيئة من شخص لآخر، فلكل دوافعه وأفكاره بل ومفهومه عما يمكن أن يطلق عليه عنف، فالإساءة النفسية والتحرش اللفظي وغيرها من الأفعال التي لا ينتج عنها إصابات جسدية واضحة، قد لا تندرج تحت بند العنف ضد المرأة عند الكثيرين، وخصوصًا في المجتمعات المحافظة.
على مدار السنوات الماضية، أهتم الباحثون في مجال مكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي، بتحليل وفهم أسباب بقاء النساء في علاقات مسيئة، وعلى اختلاف شخصيات الضحايا وظروف نشأتهن، تبقى هذه الأسباب الأكثر شيوعًا بين النساء.
- هدم الثقة بالنفس
تبقى الثقة بالنفس أحد أهم عوامل المقاومة التي يتمتع بها الإنسان في مواجهة العنف والاعتداءات، ولذلك يعمد المسيئون إلى هدم ثقة الضحايا بأنفسهن، بإلحاق الضرر بهن نفسيًا وجسديًا، بشكل تنتج عنه الكثير من التشوهات النفسية، التي تجعل الضحية مؤمنة تمامًا بأنها عديمة القيمة وتستحق هذه المعاملة السيئة من الجاني، عقابًا على أفعالها الخاطئة.
- الرغبة في إنقاذ الجاني
ترغب العديد من النساء في إصلاح شريكهن، فيقدمن المساعدة والحب مرة تلو الأخرى، ويقنعن أنفسهم بأنه سيتغير، كما تميل بعضهن للإيمان بأنه يحتاج لوجودها بجواره في لحظة معينة، وأن ما يعاملها به من عنف وإساءة، مقترن بهذه المرحلة الصعبة، فتستمر العلاقات المسيئة على أمل زائف، يعد به الجاني الضحية، كلما شعر بأنها على وشك الرحيل.
- تطبيع المجتمع مع العنف
تنشأ بعض النساء في مجتمعات ذكورية، حيث يتقبل المجتمع أغلب أشكال العنف ضد المرأة، بل ويعتبر بعضها جزءًا من حقوق هذا الرجل المشروعة، فتصبح السلوكيات المسيئة كالضرب والإهانة والسب أمرًا طبيعيًا، لا يستدعي الاستغراب أو المسائلة، وهنا قد لا تجد النساء بديلًا لتقبل مثل هذه الإساءات، بل وتبريرها أحيانًا.
- الخوف
ببساطة يمكن أن تستمر الضحية في علاقة مسيئة على إدراكها لطبيعة هذه العلاقة لأنها تخاف من المسيء، فقد تتعرض بعض النساء للضرب المبرح أو التهديد بالقتل أو التلويح بالحبس والمنع من الخروج أو التواصل مع الآخرين، ما يجعل الضحية محاصرة طوال الوقت داخل الحدود التي يرسمها المعتدي.
- الشعور بالخزي والحرج
غالبًا ما يكون من الصعب على الضحية الاعتراف للآخرين بأنها تتعرض لسوء المعاملة من شريكها، فقد تشعر بالحرج وسط العائلة أو الأصدقاء إذا ما أعلنت ذلك، كما تخشى الحكم عليها وعدم تقدير دوافعها أو تقديم الدعم والمساعدة المطلوبة لها.
- الدخول في حلقة مفرغة من الإساءة
يتعمد المسيء إرباك ضحيته وإدخالها في حلقة مفرغة من الإساءة وحسن المعاملة بالتناوب، فبعد كل حادثة عنف جسدي أو نفسي، ما أن يشعر المعتدي بأن ضحيته على وشك إنهاء العلاقة، حتى يبدأ في الاعتذار وإبداء الندم على ما فعل، ومعاملة شريكته بمنتهى اللطف والحنان، وربما يقدم الهدايا ويتعمد إظهار كل الصفات الطيبة، فقط ليجعلها تتراجع عن قرارها، وتستسلم لهذه الدائرة التي لا تنتهي أبدًا.
- التوقعات والتجارب العائلية
غالبًا ما تساهم التجارب العائلية في مدى تقبل العنف والإساءة، فقد تستمر بعض السيدات في علاقات مسيئة، فقط لأنها رأت والدتها في السابق تعاني الموقف نفسه، دون أن تتخذ أي ردة فعل للمقاومة، فيترسخ مبدأ تقبل العنف داخلها، وربما تتعلل بنفس المبررات التي سبق وأن سمعتها من نساء أخريات يتعرضن للعنف ويقبلنه.
- الانعزال عن العالم
يلجأ الشركاء المسيئون إلى أحد أشهر أساليب التلاعب العقلي بعزل الضحية عن المحيطين بها، فيمارس ضغوطًا كبيرة لإبعاد ضحيته عن عائلتها وأصدقائها، ليتمكن من فرض سيطرته بالكامل عليها وضمان عدم إنهاء العلاقة من طرفها. قد يأتي العزل في صورة جسدية بمعنى الانتقال إلى مكان منعزل أو السفر إلى بلد بعيد، أو قد يأتي في صورة نفسية، كأن يطلب المسيء من الضحية الابتعاد عن أهلها وأصدقائها، إما بشكل مباشر أو بإجبارها على الاختيار بين بقائه معها والحفاظ على علاقتها بالآخرين.
- وجود الأطفال
تنظر العديد من النساء لأطفالهن في المقام الأول، فقد يستمر بعضهن في العلاقة لحماية الأطفال من بطش والدهم، أو توفير حياة كريمة لهم -إذا لم تستطع الأم توفيرها- أو حتى خوفًا على حياتهم التي قد يستخدمها الأب لتهديد الأم في حالة قررت الانفصال عنه، كذلك تستمر بعض الأمهات في علاقة مسيئة لاقتناعها بأهمية وجود الأب في حياة أبنائه.
- القيود المالية
أشارت الكثير من السيدات إلى استمرارهن بعلاقات مسيئة بسبب القيود المالية، فالبعض منهن لم يجدن ما يوفر لهن ولأطفالهن حياة كريمة، كما لم يجدن عملًا مناسبًا بسبب سنوات من الغياب عن سوق العمل أو عدم إكمال الشهادة الجامعية في ظل السيطرة الكاملة للزوج المسيء.
كما أشارت بعض النساء لاستنزاف الزوج لهن ماديًا، بشكل لا يسمح لهن بالانفصال وتأسيس حياة جديدة بكل ما تتطلبه من مدخرات تكفي في الأقل للحصول على مسكن مناسب.
كذلك أشارت بعض النساء لوقوعهن في فخ الديون المتراكمة بسبب زوج مدمن للمخدرات أو الكحول، فوجدن صعوبة في سداد هذه الديون وتوفير حياة كريمة لأنفسهن بعد الانفصال.
في النهاية، قد تتعدد الأسباب والتبريرات، ولكن يظل العنف ضد المرأة - بكل أشكاله- جريمة يجب أن يعاقب عليها القانون، وتدعم فيها المؤسسات الحقوقية والمجتمعية ضحاياه، بكل أشكال الدعم الممكنة سواء ماديًا أو نفسيًا واجتماعيًا، فلا يمكن إطلاقًا أن نضع اللوم على الضحية -مهما كانت مبرراتها- ونترك الجاني دون عقاب.