تركض في الشارع وخلفك كائن مخيف، وفجأة تجد نفسك فوق مبنى عالٍ جدًا وعليك أن تقفز منه إلى الأرض، وقبل لحظة اصطدامك بالأرض تستيقظ فزعًا خائفًا، يتصبب العرق من جبينك وتتسارع دقات قلبك وكأن ما مررت به حقيقًا. لكن سرعان ما تكتشف أنك كنت في ضيافة كابوس فظيع، فيهدأ روعك وتحاول النوم مرة أخرى، وربما تواجه صعوبة كبيرة في ذلك، أو تنم سريعًا على أمل أن تحظى بنهاية سعيدة. 💤
حدث هذا السيناريو للكثير منا، فالكوابيس شائعة جدًا في جميع المراحل العمرية، وربما يعاني منها البعض لفترة في حياتهم.
لا يوجد كابوس ثابت ولا يوجد قصة ثابتة لكل الكوابيس، فالكابوس قد يحتوي على أي شيء يخيفك في الحياة الواقعية، وبالرغم من ذلك فإن أغلب الكوابيس تحتوي على عدوان جسدي، ومواقف عاطفية حادة، ونهايات مؤسفة لك، وطبقًا لدراسة ألمانية نُشرت بدورية Pubmed فإن هناك 5 أنماط متكررة في الكوابيس، والتي تُعد أشهرها، وهي:
فما هو الكابوس أساسًا؟
قبل الإجابة على هذا السؤال يجب أن نفرق بين الكابوس وبين الحلم المزعج والرعب الليلي.
دعني الآن أجيب عن بعض التساؤلات التي ربما تكون قد خطرت على بالك فيما يتعلق بالأحلام والكوابيس؟
أولًا: متى تحدث الكوابيس؟
خلال النوم نمر بالعديد من المراحل، فالنوم دورة تتكرر حتى نستيقظ:
- المرحلة الأولى: مرحلة النوم الخفيف (الغفوة)
- المرحلة الثانية: مرحلة النوم شبه العميق وتتحرك فيه العين حركة سريعة، تبدأ هذه المرحلة في خلال 60 : 90 دقيقة من بداية النوم
- المرحلة الثالثة: النوم العميق
غالبًا ما نرى الأحلام في المرحلة الثانية، وبمرور الوقت تطول مدة هذه المرحلة، لذا فإن الأحلام أو الكوابيس عادةً ما تحدث في النصف الثاني من النوم وبالقرب من شروق الشمس، لكن هناك دراسات تشير إلى أن الأحلام والكوابيس ربما تحدث أيضًا في مرحلة النوم العميق.
ثانيًا؛ لماذا نتذكر تفاصيل الكابوس بينما لا نتذكر تفاصيل الأحلام الجميلة؟
يعتمد تثبيت الذكريات/ معالجة المعلومات التي نحصل عليها طوال اليوم والاحتفاظ بها على الكورتيزول (هرمون التوتر). يرتفع مستوى هذا الهرمون بمرور الوقت ليلًا، فيكون عاليًا في النصف الثاني من النوم، لذا فإن الأحلام التي نحلمها في النصف الثاني من النوم قد نتذكر بعض تفاصيلها.
لكن في حالة الكوابيس فإنها تُعد حالة توتر وقلق مكثفة نعيشها؛ لذا فإن مستوى هرمون الكورتيزول أكثر وأكثر، ما يجعلنا نتذكر أغلب تفاصيل هذا الكابوس.
في المرحلة الثانية (مرحلة الأحلام) يفرز جسمنا "الجلايسين" وهو حمض أميني، يعمل على تثبيط بعض الإشارات العصبية ومنع وصولها لأجزاء الجسم المختلفة، ما يجعلنا في حالة شلل مؤقت. في نفس الوقت، يبقى المخ مستمرًا في عمله كما لو أنك مستيقظ، ويرسل الإشارات العصبية لكافة أنحاء الجسم، وهنا يأتي دور (الجسر - The Pons) وهو جزء من المخ يعمل على تعطيل هذه الإشارات العصبية قبل وصولها لأجزاء الجسم المختلفة. للمزيد من التوضيح، تخيل معي أنك في كابوس وتحاول الهرب من وحش مخيف، لكن مخك لا يعرف أنك تواجه كابوسًا، فيحاول إرسال إشارات إلى رجلك لتركض بسرعة، فيأتي دور "الجسر" ليعطل هذه الإشارات طوال نومك. تخيل أيضًا لو أن خللًا ما أصاب هذا الجزء، واستطاعت إشارات المخ أن تصل إلى رجلك، فأنت في الكابوس تركض ومن ثمّ تركض في الواقع وأنت ما زلت نائمًا.
هل تعرف لماذا نحلم من الأساس؟ في الحقيقة ما زلنا لا نعرف السبب الحقيقي وراء الأحلام، لكن توجد العديد من النظريات التي تحاول أن تفسر هذه الظاهرة ومنها: - محاولةً منا لتحقيق رغباتنا التي لا نستطيع تحقيقها في الواقع. - وسيلة لتثبيت الذكريات، وتحويلها من قصيرة المدى إلى طويلة المدى. - تثبيت ما تعلمناه طوال النهار. - التخلص من الأحزان والمشاعر السلبية التي عانيناها طوال اليوم.
لماذا نحلم بكوابيس؟
يطلق بعض الباحثين على الكوابيس اسم "تدريبات التهديد" لأنها تدربنا على التهديدات المُحتملة التي قد نواجهها في حياتنا الواقعية، أما البعض الآخر فيميل لأنها نتيجة للأحداث المزعجة التي نعانيها طوال اليوم.
على اختلاف تفسيرات الباحثين، تبقى هناك بعض الأسباب المُحتملة لتحول الأحلام لكوابيس مزعجة نعرضها في الانفوجراف التفاعلي التالي - اضغط على الأيكونات لمزيد من المعلومات.
الأكل قبل النوم مباشرةً
يتسبب تناول الأطعمة الحارة قبل النوم مباشرةً في عسر الهضم، ما يؤثر على عملية التمثيل الغذائي، ويزيد من فرصة حدوث الكوابيس في أثناء النوم طبقًا لدراسة نُشرت في The International Journal Of Psychophysiology.
القلق والتوتر
تؤثر المشكلات النفسية والضغوطات الحياتية بالسلب على نومك، فالرسوب في الامتحان، أو فقدان شخص عزيز، أو الانفصال عن الشريك، أو التعرض لصدمة ما في الحياة، يؤثر بشدة في حالتك النفسية والجسدية، وعليه تزداد فرص تعرضك للكوابيس.
طبقًا لدراسة وجدنا أن 71 % من الأشخاص الذين تعرضوا لصدمة ما في حياتهم يعانون كوابيس خلال نومهم، وطبقًا لدراسة ألمانية على الرياضيين، وجدنا أن 15 % منهم كانت تراودهم كوابيس بفشلهم قبل يوم من حدث مهم لهم.
راودت معظم الطلاب كوابيس ليلة الامتحان والامتحان الصعب، وقبل ظهور النتيجة حتى بعد انتهاء مدّة دراستهم بفترة.
أفلام وقصص الرعب
مشاهدتك لفيلم رعب أو قراءتك لقصص رعب قبل النوم، قد يؤثر على نومك ويزيد من فرصة حدوث الكوابيس في أثناء النوم. بالرغم من أن هذا لا يحدث لكل الناس، فإنه في أحد الدراسات القديمة التي نُشرت عام 2009 وُجد أن 90 % ممن يتعرضون للرعب سواء المرئي أو المسموع أو المقروء يعانون خلال نومهم، ويؤثر ذلك على أكلهم وسلوكهم.
الاكتئاب
في أحدى الدراسات وجدنا أن 28 % ممن يعانون الاكتئاب تراودهم كوابيس متكررة، مقارنةً ب 4 % فقط من الأشخاص الطبيعيين، ليس الاكتئاب فحسب فمعظم الأمراض النفسية والعقلية تزيد من فرصة حدوث الكوابيس للشخص المصاب بها.
بعض الأدوية
هناك العديد من الآثار الجانبية للأدوية التي نستخدمها، لكن بعضها يكون ضمن آثاره الجانبية زيادة نسبة حدوث الكوابيس، ومن هذه الأدوية:
-
بعض أدوية الضغط المرتفع
-
بعض أدوية الاكتئاب
-
بعض أدوية الشلل الرعّاش
-
بعض المهدئات وغيرها.
هناك بعض الأدوية التي يؤدي التوقف عنها فجأة إلى حدوث الكوابيس، ثم أن من أعراض التوقف عن شرب الكحول حدوث الكوابيس أيضًا.
لذا قبل تناولك لأي دواء عليك النظر بالنشرة الدوائية الخاصة به، لتتعرف إلى آثاره الجانبية.
ليس هذا فحسب، فهناك بعض العوامل الأخرى، منها بعض الحالات المرضية التي قد تزيد من فرص حدوث الكوابيس مثل:
- الحرمان من النوم
- اضطرابات النوم المختلفة
- الصداع النصفي
- الشعور بالألم
- بعض العوامل الجينية
الخلاصة، الكابوس ليس مرضًا في حد ذاته وإنما هو أمر طبيعيّ نمر به جميعًا، لكن في حالة استمرار الكوابيس وتكرارها للدرجة التي تؤثر على نشاطات حياتك اليومية، فإنك في هذه الحالة مُصاب بما يُسمى ب "اضطراب الكوابيس" أو "الخطل النومي" أو "اضطراب قلق النوم".