المباني الخضراء| مستقبل أفضل لمباني صحية صديقة للبيئة

على مدار العقدين الماضيين، ظهرت مصطلحات التغير المناخي والتنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر وغيرها على السطح، بعد ما تنبهت دول العالم إلى ضرورة تغيير نمط الحياة والاقتصاد الذي نعيشه منذ بداية الثورة الصناعية، حيث استمرت الإحصائيات والدراسات في إثبات حقيقة واحدة لا تقبل الجدال، وهي أننا نستنزف موارد هذا الكوكب الذي نعيش عليه، ونساهم بشكل -لا واعي- في تدمير البيئة التي ستعيش فيها الأجيال القادمة.

ولذلك، سواء كنا نريد الاعتراف بهذه المفاهيم أو تجاهلها، ففي مرحلة ما -قريبة- سنضطر جميعًا إلى اتباع الحركة الخضراء والالتزام بما يتوافق مع أهداف حماية الكوكب وموارده، لنحمي حياتنا وحياة من يأتي من بعدنا. في هذا المقال نتعرف إلى أحد أهم جوانب الحركة الخضراء متمثلة في المباني الخضراء. 

يمكنكم أيضًا الاستماع لهذه الحلقة الشيقة من بودكاست مستدام، حول المباني الخضراء وتجربة مجلس قطر للمباني الخضراء وإنجازاته فيما يتعلق بها، بالإضافة لأهمية رفع الوعي بممارسات البناء المسؤولة بيئيًا واجتماعيًا في المنطقة العربية، مع مشعل الشمري، مدير المجلس في ضيافة فاتن عاشور.

ما هي المباني الخضراء؟ 

وفقًا للمجلس العالمي للمباني الخضراء، فإن المبني الأخضر هو مبنى يعتمد في تصميمه وإنشائه وطرق تشغيله على إزالة أو تقليل الآثار السلبية للمباني التقليدية على المناخ والبيئة، ليس هذا فحسب، بل ويمكن أن يخلق تأثيرات أخرى إيجابية على كلٍ منهما، فالمباني الخضراء تحافظ على الموارد الطبيعية الثمينة وتحسن من جودة حياة الأفراد داخلها. 

يستهلك قطاع البناء ما يقرب من 50% من الطاقة المنتجة عالميًا، ما يعني أنه أحد أهم القطاعات التي يجب الاهتمام بها للحد من آثار التغير المناخي والحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية بها، ولذلك يلزم تعديل طريقة بناء المباني، بحيث تصبح صديقة البيئة، فترشد من استهلاك المياه والكهرباء، وكذلك تقلل من إنتاج المخلفات، وخاصةً في المدن. 

وفقًا لبيانات الأمم المتحدة، ففي عام 2050، سيعيش حوالي 68% من البشر في المدن، التي تمثل 3% فقط من سطح الأرض، ولكنها تستهلك نحو 78% من الطاقة، وتنتج نحو 60% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، ولهذا السبب اتجهت الأمم المتحدة إلى تحسين جدول الأعمال الحضري الجديد، وتقديم النصائح للدول المختلفة بشأن عمليات التحضر الخاصة بها، بحيث تصبح المدن أكثر ملائمة للسكن من حيث المرونة والتكيف مع الظروف المختلفة، وأكثر مراعاةً للبعد الصحي، وكذلك أكثر استدامة. 

معايير بناء المباني الخضراء

هناك عدد من المعايير التي يجب أن تتوافر في المبني لنستطيع وصفه بالمبنى الأخضر، كما يجب مراعاتها عند تصميم وإنشاء وتنفيذ المبنى، باستخدام مواد صديقة للبيئة ووضع خطط تشغيل يمكنها تحقيق الهدف المرجو من هذا النوع من المباني، وهي: 

  • الاستخدام الفعّال للطاقة والمياه والموارد البيئية المختلفة
  • استخدام أحد مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية
  • الاهتمام بإجراءات الحد من التلوث وتراكم المخلفات
  • الاهتمام بإعادة استخدام الموارد وإعادة التدوير
  • مراعاة الجانب الصحي لسكان المبنى
  • استخدام مواد غير سامة ومستدامة
  • مراعاة ظروف البيئة والمناخ في التصميم والبناء والتشغيل
  • وضع تصميم يتيح التكيف مع تغيرات البيئة

يمكن أن نطلق لقب مبنى أخضر على أي منشئة تراعي هذه المعايير، سواء كانت منزل أو مدرسة أو مبنى إداري أو مستشفى وغيرها من الأماكن، فالمباني الخضراء لا يُقصد بها المنازل والمكاتب فقط. 

تجدر الإشارة إلى أنه ليست كل المباني الخضراء على مستوى العالم واحدة، فالبلدان والمناطق المختلفة من العالم لها عدد من الخصائص التي قد تجعل معايير البناء مختلفة قليلًا من مكان لآخر، فالظروف المناخية المختلفة، والعادات والتقاليد، وأنواع المباني، والأولويات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، جميعها تتحكم بشكل ما أو بآخر في النهج الذي تتعبه الدول بشأن المباني الخضراء. 

اقرأ أيضاً:  مزيدًا من الاكتئاب فمزيدًا من السمنة

مميزات المباني الخضراء

تعد المباني الخضراء حلًا عالميًا لمشكلة استهلاك الطاقة وانبعاثات الكربون من المدن، فمن خلال التصميم واستخدام مواد البناء المستدامة، تعمل هذه المباني على تقليل انبعاثات الكربون واستهلاك الطاقة والنفايات، بالإضافة للحفاظ على الموارد المائية واستخدام مواد آمنة وتقليل التعرض للمواد السامة والخطرة.

  • المباني الخضراء أقل استهلاكًا للطاقة

تستخدم المباني الخضراء طاقة أقل بنسبة 25%، وكمية أقل من المياه بنسبة 11% مقارنةً بالمباني التجارية العادية، كذلك تعتمد المباني الخضراء على مصادر غير تقليدية للطاقة، بحيث تقلل من استهلاك الكهرباء وتستخدم مصادر أخرى متجددة، ما يجعل المبنى الأخضر مستدام، فيقلل من نفقات استهلاك الكهرباء، وكذلك يعالج قضايا الطاقة ويساعد في حل مشكلات البيئة. 

كذلك، تعتمد المباني الخضراء على مصادر التهوية والإضاءة الطبيعية، بحيث تقلل من استهلاك الطاقة، عن طريق بعض التعديلات البسيطة في التصميمات المعمارية بشكل يسمح بتقليل التكلفة، واستخدام مصادر مستدامة بديلة. 

  • الاستغلال الأمثل لمواد البناء

تضع المباني الخضراء استخدام المواد المتجددة أو المعاد تدويرها أو القابلة لإعادة التدوير على رأس قائمة الأولويات، فتحاول دمج هذه المواد في البناء بقدر الإمكان، وهي إلى ذلك تولي اهتمامًا كبيرًا بتحليل المواد المستخدمة كيميائيًا، لتجنب بعض المواد ذات التأثير السام كبعض أنواع الطلاء أو الخشب. 

  • المباني الخضراء توفر بيئة صحية

على ما يبدو، فإن أهم فائدة للمباني الخضراء ليست خفض التكلفة أو استخدام أساليب بناء أكثر فاعلية، ولكن توفير مكان معيشة أفضل صحيًا وأكثر أمانًا لساكنيه، فمثلًا تستخدم المباني غير الخضراء عدد من مواد البناء المحتوية على غاز الرادون الذي يُعد كأحد أهم أسباب الإصابة بسرطان الرئة في حالة التعرض له باستمرار.

كذلك تستخدم هذه المباني العديد من المواد الكيميائية الضارة التي تؤثر سلبًا على الصحة، فضلًا على عدم مراعاة التصميمات لضرورة تجديد الهواء والحفاظ على درجة نقائه، فمثلًا في الدول المغبرة -كأغلب دولنا العربية- نعتمد على التكييف في تجديد الهواء خلال فصل الصيف، بشكل يُبقي الكثير من العوالق في الهواء الداخلي للمنازل، ما يؤثر على صحة الأفراد داخل المبنى. تهدف المباني الخضراء إلى تجنب مثل هذه المشكلات ومراعاة الجانب الصحي داخل المباني. 

  • تصاميم المباني الخضراء فعّالة من حيث التكلفة

يعتقد الكثيرون أن الاتجاه للمباني الخضراء يعني المزيد من تكلفة البناء والتشغيل، ما يعد عيبًا في وجهة نظر البعض، ولكن هذا الاعتقاد خاطئ تمامًا، فالمباني الخضراء تعد استثمارًا تجاريًا رابحًا في الوقت الحالي، كما يتوقع الخبراء زيادة قيمتها على مدار السنوات القليلة القادمة، مع الاتجاه العالمي لهذا النوع من المباني. 

قد تكون تكلفة بناء المباني الخضراء في البداية أعلى من مثيلتها التقليدية، ولكن تصاميم المباني الخضراء إلى تقليل تكلفة التشغيل على المدى الطويل وكذلك تقليل تكلفة مواد البناء، ما يعني أنها ستعوض هذه التكلفة بسهولة وتحقق على المدى الطويل عائد كبير كاستثمار في المستقبل. 

يؤيد هذه التوقعات تقرير "SmartMarket" بشان الاتجاه للمباني الخضراء عالميًا، الذي أشار إلى الزيادة المتوقعة في النسبة المئوية للمستجيبون للتحول إلى المباني الخضراء في الصناعة، بحيث تصل إلى 60% من إجمالي المباني خلال ثلاث سنوات فقط. 

في  النهاية، وبالنظر إلى المستقبل فإن الاتجاه إلى المباني الخضراء يدعم صحتنا ورفاهيتنا، فضلًا عن النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة، ما سيكون خطوة حيوية مهمة في اتجاه تحقيق أهداف التنمية المستدامة وتقديم مستوى معيشي أفضل. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share