في الوقت الذي تكافح فيه أنظمة الرعاية الصحية حول العالم لاحتواء كوفيد-19، قد يُفتح الباب على مصراعيه عن غير قصد أمام قاتل آخر بنفس الخطورة.
أتحدث هنا عن انتشار مسببات الأمراض المقاومة للعلاج مثل البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. إن حصيلة الوفيات الناجمة عن كوفيد مذهلة، لكن حصيلة الوفيات بسبب مقاومة المضادات الحيوية كبيرة كذلك؛ تقتل جراثيم مقاومة سيئة مثل "المِطثّيّة العسيرة (البكتيريا المسببة لالتهاب القولون الغشائي الكاذب)، حاليًا حوالي 700000 شخص على مستوى العالم كل عام - وهذا ضعف عدد الأمريكيين الذين ماتوا بسبب كوفيد العام الماضي.
إذا تُركت مقاومة المضادات الحيوية دون رادع، فقد تقتل ما يصل إلى 10 ملايين شخص إضافي سنويًا علاوة على تكلفة تراكمية للمرضى والأنظمة الصحية تصل إلى 100 تريليون دولار بحلول عام 2050.
يتلقى معظم المرضى الذين تظهر عليهم أعراض مرتبطة بـ كوفيد-19 مضادات حيوية للعدوى الإضافية، مثل الالتهاب الرئوي البكتيري. في حين أن هذا قد ينقذ بعض الأرواح، تظهر البيانات أن المضادات الحيوية يتم استخدامها بشكل مفرط أثناء الوباء. علاوة على ذلك فإن العاملين بمجال الرعاية الصحية الذين يتعين عليهم إعادة استخدام العباءات والقفازات وأنواع أخرى من معدات الحماية الشخصية بسبب النقص المستمر، يخاطرون بالتسبب في خطر انتشار البكتيريا المقاومة بين المرضى.
هذا الاتجاه مخيف - لكنه قد يقدم فرصة لمعالجة هاتين المسألتين جنبًا إلى جنب.
ليست الزيادة في الاستخدام غير الضروري للمضادات الحيوية خلال كوفيد مجرد مصدر قلق نظري: وجدت دراسة نُشرت في أغسطس الماضي في دورية Clinical Infectious Diseases أنه من بين حوالي 1700 مريض في مستشفى في ميشيجان، تلقى أكثر من نصفهم في المتوسط علاجًا مبكرًا بالمضادات الحيوية. رغم أن نسبة من وصلوا للمستشفى بعدوى بكتيرية لم تتجاوز 3.5 بالمائة.
في مايو، أفادت مراجعة لدراسات من الولايات المتحدة وآسيا أن 72 بالمائة من المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم بـ كوفيد-19 (1450 حالة من أصل 2010) قد تم علاجهم بمضادات الميكروبات. وفي الأوراق التي سجل بها الباحثون ما إذا كان المرضى يعانون بالفعل من عدوى أخرى أم لا، تم تشخيص 8 في المائة فقط (62 من 806) من الأشخاص المصابين بـ كوفيد بالعدوى البكتيرية أو الفطرية.
تظهر البيانات أن المضادات الحيوية يتم استخدامها بشكل مفرط على نطاق واسع أثناء الجائحة.
كل ذلك من المنتظر أن يتفاقم بسبب الحقيقة المقلقة أنه بعد مرور أكثر من عام على ظهور كوفيد-19، لا يزال العاملون في مجال الرعاية الصحية لا يملكون معدات الوقاية الشخصية الكافية؛ وجدت استبانة أجرتها جمعية الممرضات الأمريكية في الصيف الماضي أن 68 بالمائة من الممرضات طُلب منهم إعادة استخدام معدات الوقاية الشخصية بسبب نقص الإمدادات.
قد يؤدي ذلك إلى زيادة خطر قيام الممارسين الصحيين عن غير قصد بنشر مسببات الأمراض المقاومة، خاصةً إذا حدثت أخطاء أيضاً في اتباع الخطوات المُوصى بها بالتخلص من معدات الوقاية الشخصية: وجدت دراسة أجريت عام 2019 أن حوالي 30 في المائة من مقدمي الرعاية الذين قاموا برعاية المرضى المصابين لديهم آثار لميكروبات مميتة عالقة بمعدات الوقاية الشخصية الخاصة بهم.
حتى إذا توافر لمقدمي الخدمات الصحية الكثير من المعدات، فإن معدات الوقاية الشخصية نفسها يمكن أن تكون خطرة: مؤخرًا، وجد باحثون في إنجلترا أنه عندما ارتدى مقدمو الخدمة عباءات بأكمام طويلة، وفقًا لبروتوكولات كوفيد، كانت الأسطح في المناطق المخصصة للمرضى أكثر عرضة للتلوث ببكتيريا مميتة.
ليس من المستغرب ورود تقارير عن مشاكل من الميدان. في وقت مبكر من شهر مايو، بعد شهرين من النقص في معدات الوقاية الشخصية، أفادت مستشفى في نيوجيرسي أن 34 مريضًا أصيبوا بجرثومة الراكدة البومانية - Acinetobacter baumannii، وهو عامل ممرض مقاوم لمضادات "كاربابينيم" الحيوية، وهي إحدى المضادات التي تستخدم كخيار أخير. رغم أن أرقام الإصابات المعتادة بتلك الجرثومة لا تتعدى حالتين أو أقل في الشهر.
بمجرد انخفاض عدد حالات الإصابة بفيروس كوفيد، والذي قلل من تأثير نقص الإمدادات، عادت معدلات العدوى البكتيرية إلى المستوى الطبيعي.
خلال فترة أسبوعين في أغسطس كان اختبار نصف مرضى كوفيد في أحد مستشفيات فلوريدا إيجابيًا لسلالة الخميرة المقاومة للأدوية - Candida auris؛ بعد قيام مقدمي الخدمة بإجراء تغييرات على بروتوكولات معدات الحماية الشخصية وتعزيز ممارسات التنظيف، لم يتم الإبلاغ عن حالات أخرى.
بينما نكافح لاحتواء الوباء ، تتاح لقادة الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم فرصة لإعادة صياغة الطريقة التي يتعاطون بها مع مقاومة مضادات الميكروبات، حيث أن العديد من التكتيكات التي نستخدمها لمكافحة عدوى واحدة يمكن أن تساعد في التغلب على الأخرى. لسنا في حاجة لذكر أننا بحاجة إلى تجهيز العاملين الصحيين لدينا بشكل مناسب، لا سيما عندما يعتنون بمرضى كوفيد-19.
وجدت دراسة مراجعة في دورية ACS Nano نُشرت في أغسطس أن إنتاج معدات الوقاية الشخصية يحتاج إلى زيادة بنسبة 40 في المائة لتلبية الطلب المتزايد، وأوصت البلدان بإنشاء مراكز تصنيع إقليمية. لكن هذه المعدات - من العباءات والقفازات إلى الأقنعة والقبعات - لن تكون وقائية وتنقذ الحياة حقًا إلا إذا تم استخدامها بشكل صحيح، لذلك يجب تدريب مقدمي الخدمة على كيفية ارتداء وخلع معدات الوقاية الشخصية دون نشر مسببات الأمراض عن غير قصد. تقدم منظمات مثل المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية مثل هذا التدريب، والذي تشير بعض الأبحاث إلى أنه يمكن أن يقدم العون.
تعد البرامج التي تهدف إلى تعزيز الاستخدام المناسب للمضادات الحيوية - المعروفة باسم "الإدارة الرشيدة للمضادات الحيوية" - عنصرًا أساسيًا في خطة العمل العالمية لمنظمة الصحة العالمية لمكافحة مقاومة مضادات الميكروبات.
لكن أثناء الوباء، غالبًا ما فشلت خطط مرافق الرعاية الصحية في تثقيف الموظفين ومراقبتهم، وكذلك فشلت الجهود المبذولة للحفاظ على برامج المراقبة ومراقبة الجودة للتغلب على مسببات الأمراض المقاومة. حسب ما جاء في مقال افتتاحي نشر مؤخرًا في دورية Journal of Hospital Infection، فإن الإدارة الرشيدة للمضادات الحيوية "سقطت ضحية لوباء كوفيد -19". لا يمكن لذلك الوضع أن يستمر.
رغم كونهم مثقلين بالأعباء بالفعل، يتعين على مرافق الرعاية الصحية أن تدرك أن الجهود المبذولة ضد كل من كوفيد-19 ومقاومة مضادات الميكروبات يجب أن تعمل جنبًا إلى جنب.
ستساعد محاربة أحدهما بالمراقبة والتعليم والبحث في محاربة الآخر. يجب على مقدمي الخدمات دمج الإدارة الرشيدة لمضادات الميكروبات مع جميع التدابير التي يتخذونها للوقاية من الأمراض المعدية ومكافحتها مثلما يفعلون في حالة كوفيد والسل.
بطبيعة الحال، فإن طرح علاجات جديدة للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من شأنه أن يخفف الكثير من هذا الضغط، لكن قول ذلك أسهل من فعله. قدم مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيين تشريعات من الحزبين في أواخر عام 2020 من شأنها أن توفر عقودًا حكومية جوهرية للبحث عن أدوية جديدة. يعد ذلك أمر مشجعًا، حيث يعانى الميدان من نقص التمويل والابتكار.
إن تنسيق استجاباتنا لكلا الآفاتين - كوفيد و مقاومة المضادات الحيوية - في كل منشأة وفي جهودنا للأمن الصحي العالمي هو الطريقة الأكثر كفاءة وفعالية لحل الأزمة. سيكون نتيجته إنقاذ ملايين الأرواح من كليهما.
تم نشر هذا الموضوع بتصريح من Knowable Magazine، التي تصدرها مؤسسة Annual Reviews، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بأمور النشر العلمي، حيث تقوم بانتاج المحتوى المعرفي الذي يسهم بتطور العلوم المختلفة وبالتالي الارتقاء بالمجتمع. سجل الآن للاشتراك في نشرة Knowable البريدية من هنا.