الأمراض القلبية الوعائية هي المسبب الأول للوفاة عالميًا، وفي مصر تحصد زهاء 230 ألف نفس سنويًا. يُعد اعتلال عضلة القلب التضخمي أحد أكثر هذه الأمراض شيوعًا. يحدث اعتلال عضلة القلب نتيجة طفرات جينية تتسبب في نمو وزيادة سمك عضلة القلب بشكل غير طبيعي، ما يصعب على عضلة القلب ضخ الدم إلى باقي أجزاء الجسم، وهي حالة قد تؤدي إلى الموت القلبي المفاجئ. ربما يكون المرض ناتجًا عن عوامل وراثية - وهو كذلك في النسبة الأكبر من المرضى - أو مكتسبًا بسبب عوامل مثل الإجهاد أو ارتفاع ضغط الدم أو السمنة أو مرض السكري.
كشفت دراسة حديثة - نشرت 30 أغسطس من العام الجاري بدورية Circulation - عن طفرة جينية جديدة مرتبطة باعتلال عضلة القلب التضخمي (HCM)، والتي تتبع آلية إمراضية لم يسبق التعرف عليها.
تم رصدها لأول مرة في مجموعة من المرضى المصريين، وتبين أنه لم يتم الإبلاغ عنها في مجموعات سكانية أخرى ممن شملتهم الدراسات الجينية لاعتلال عضلة القلب من قبل، يبدو أنها منتشرة نسبيًا بين المرضى المصريين، بينما غابت تمامًا في الأصحاء.
حتى الآن التدخل الجراحي هو العلاج المعروف لاعتلال عضلة القلب، وفي حين أن العلاج الجيني لا يُطبق حاليًا، لكنه علاج المسقبل؛ هنا تكمن أهمية تحديد الطفرات المُسببة للمرض.
عمرو زاهر، أستاذ جراحة القلب والعلوم الصحية بمعهد القلب ومدينة زويل
سيكون لهذه النتائج تأثير على التشخيص السريري للمرضى المصريين، وربما على الحلول العلاجية.
أحمد مصطفى، أستاذ المعلوماتية الحيوية وعلوم الجينوم بالجامعة الأميريكية بالقاهرة، وباحث مشارك بالدراسة.
أجريت الدراسة بالتعاون بين مركز أسوان للقلب، والامبيريال كولدج بلندن، على 514 مريض بهدف تحديد الخلل الجيني الذي يؤدي لاعتلال عضلة القلب لدى المصريين، وما إذا كان مماثلًا أو شبيهًا بالخلل أو الطفرات السابق رصدها.
"وجدنا تشابه كبير، لكن أيضًا لاحظنا في قرابة 3% من الحالات - وهو معدل كبير نسبيًا- خلل أو طفرة بجين معين لم يتم رصدها من قبل." وفقًا لمنى علوبة، الباحثة الرئيسية المشاركة بالدراسة، وباحثة ما بعد الدكتوراه بمؤسسة مجدي يعقوب.
تقع هذه الطفرة الجينية في أحد الجينات الأساسية لعضلة القلب (يُسمى MYH7)، في الحالات الطبيعية تتبع الخلية استراتيجية معينة لكشف جزئ RNA الشاذ الناشئ عن خلل جيني قبل أن يتم ترجمته لبروتين، فتتخلص منه قبل أن يتسبب في المرض، في حال وجوده بمواقع معينة من الجين تتمكن الخلية من رصدها، لكن في حالتنا هذه عُثر على جزئ RNA شاذًا مختبئًا في موقع آخر لا تستطيع الاستراتيجية اكتشافه، فيتم تخليق البروتين، وتنجح الطفرة في التعبير عن نفسها، مما يتسبب لاحقًا في تضخم واعتلال عضلة القلب.
خلال ما سبق من دراسات بحثت في اعتلال عضلة القلب على مختلف المجموعات السكانية، تم رصد طفرات جينية بحوالي 174 جين مرتبط بالمرض، من بينها الجين MYH7 الذي عُثر به على الطفرة الجديدة. غير أن الطفرة الجديدة المُكتشفة كانت من نوع معين أشارت دراسات سابقة أن طفرات هذا النوع بهذا الجين تحديدًا غير مُسببة للمرض. الأمر الذي جعل الباحثون بحاجة لمزيد من البحث والإثباتات على أن الطفرة المُكتشفة هي التي سببت المرض في الحالات الخاضعة للدراسة.
تجارب تأكيدية
"لإثبات أن اعتلال عضلة القلب حدث بسبب هذه الطفرة، قمنا أولًا بتجميع عينة من 400 من الأصحاء بعد إخضاعهم للفحوصات الطبية اللازمة للتأكد من خلوهم تمامًا من الأمراض، وبالفعل لم نجد لدى أيًا منهم ذلك الخلل الجيني (الطفرة)، ما يعني أن وجوده مقتصر فقط على المرضى، ويؤكد خلو الأصحاء منه." حسب علوبة
الخطوة التالية كانت بتواصل الباحثين مع أحد المرضى ممن سبق الكشف عن وجود الطفرة الجينية الجديدة لديهم، ومن ثم تتبع شجرته العائلية، وإجراء فحوصات طبية واختبارات جينية لأفراد العائلة حسب صلة القرابة؛ وأوضحت علوبة: "توصلنا إلى أن كل أفراد العائلة المشخصين باعتلال عضلة القلب لديهم نفس الخلل أو الطفرة الجينية. أي أنها انتقلت وراثيًا وسببت المرض."
في عمليات مرضى تضخم عضلة القلب التي يجريها مجدي يعقوب، أحد المشرفين الرئيسيين على الدراسة، يتم استئصال الجزء المتضخم، وتشرح علوبة: "في الخطوة الأخيرة، أخذنا هذا الجزء ومن ثم قمنا بفحصه جينيًا لمعرفة آلية حدوث الطفرة."
"تحدث الطفرة - في موقع بالجين MYH7 لا تستطيع الخلية رصده وإيقافها - فتؤدي لتخليق بروتين أقصر من المنتج المعتاد للجين MYH7، يكتسب هذا البروتين القصير مزيدًا من الوظائف ويصبح مفرط النشاط، مما يتسبب في زيادة سماكة عضلة القلب بشكل غير طبيعي في اعتلال عضلة القلب الضخامي (HCM)." حسب أحمد مصطفى، باحث مشارك بالدراسة، وأستاذ المعلوماتية الحيوية وعلوم الجينوم، بالجامعة الأميريكية بالقاهرة.
"ستلعب هذه النتائج دورًا حيويًا في تشخيص وعلاج اعتلال عضلة القلب بين المرضى المصريين وربما المجموعات العرقية ذات الصلة الوثيقة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، كما تسلط هذه النتائج الضوء على أهمية التنوع العرقي في الدراسات الجينية وأهمية الجهود الوطنية والإقليمية الجارية لتحسين معرفتنا بالارتباط الجيني في المجموعات السكانية التي أُهمل تمثيلها لعقود من البحث الجيني." أحمد مصطفى
عمل على هذه الدراسة ثلاث مؤلفون رئيسيون، وهم: ياسمين عجيب، رئيس قسم علوم الحياة ونائب مدير الأبحاث بمؤسسة مجدي يعقوب - منى علوبة، باحث ما بعد الدكتوراه بمؤسسة مجدي يعقوب - رودي والش، باحث بقسم أمراض القلب التجريبية بمركز أمستردام الطبي. كما شارك بها العديد من المؤلفين المشاركين، وهم: أحمد مصطفى - أيمن إبراهيم - سارة حلاوة - آلاء عفيفي - محمد حسني - بانتازيس ثيوتوكيس - آية جلال - سارة الشوربجي - محمد رشدي - هبة قاسم - أماني الليثي - راشيل بوشان - نيكولا ويفين - شهاب أنور - ستيوارت كوك - أحمد الجندي. أشرف عليها ثلاث مشرفين رئيسيين: مجدي يعقوب - جيمس وير - بول بارتون.