قد تكون من محبي الشتاء بأمطاره وأجوائه الباردة، أو تفضل الصيف بأيامه المشمسة ولياليه اللطيفة المليئة بالأنشطة والسمر. يختلف محبي الشتاء ومحبي الصيف في آرائهم وتفضيلاتهم، ولكن ما نتفق عليه جميعًا هو أن لا أحد يحب الموجات الحارة.
في أوائل يونيو الماضي ألهبت درجات الحرارة المرتفعة جميع أنحاء الشرق الأوسط، وذلك أثر موجة حر سجلت فيها المحطات الأرضية المحلية درجات حرارة تجاوزت 50 درجة مئوية في أربع دول على الأقل، بما في ذلك إيران والكويت وعمان والإمارات العربية المتحدة، إذ بلغت قرية سويحان التابعة لإمارة أبوظبي في دولة الإمارات العربية المتحدة 51.8 درجة مئوية في 6 يونيو 2021، بينما أعلنت البحرين شهر يونيو الماضي الأعلى في متوسط درجة حرارة منذ قرن. حافظت درجات الحرارة على ارتفاعها خلال شهر يوليو الماضي، حيث ضربت عدة موجات حارة دول شمال أفريقيا.
ما هي الموجات الحارة؟
موجات الحر هي فترات من الطقس الحار وغير المعتاد في منطقة ما، حيث تشهد خلالها ارتفاعًا كبيرًا في درجة الحرارة ونسبة الرطوبة الجوية مقارنة بالمعدلات المعتادة وتاريخ حالة الطقس في الماضي. قد تستمر الموجة لمدة يومين أو أكثر. يختلف مفهوم الطقس الحار بين البلدان الباردة والحارة، حيث أن درجات الحرارة التي يمكن أن تعتبر معتدلة في دول المناطق الحارة قد تعد موجة حر في دول المناطق الأبرد.
تتشكل الموجات الحارة نتيجة لارتفاع الضغط الجوي بدرجة كبيرة لفترة تتراوح بين عدة أيام حتى عدة أسابيع. في ظل الطقس الصيفي الجاف، تتراكم كتل من الهواء الدافئ، والتي يدفعها الضغط الجوي المرتفع إلى أسفل، يصبح الهواء مضغوطًا في حجم أصغر مما يزيد من درجة حرارته، وعندما يحاول الهواء الدافئ الارتفاع، فإن الضغط العالي فوقه يجبره على النزول لأسفل ليزداد سخونة ويزداد ضغطه مجددًا، فيما يعرف بظاهرة "القباب الحرارية"، حيث يعمل الضغط المرتفع كما لو كان قبة تتسبب في زيادة حرارة كل شيء تحتها.
كما قد يتفاقم تأثير ارتفاع درجة الحرارة في المدن مقارنة بالمجتمعات غير الحضرية، وذلك بسبب الظاهرة المعروفة باسم "تأثير جزيرة الحرارة الحضرية (UHI)"، وهي ارتفاع درجات الحرارة في المناطق الحضرية أو المدن الكبرى بشكل أكبر من المناطق الريفية المحيطة بها، وذلك بسبب الأنشطة البشرية المتمركزة فيها والحرارة المهدرة الناتجة عن استخدام الطاقة. يتجلى تأثير جزيرة الحرارة الحضرية عندما تكون الرياح ضعيفة، ويكون الفرق في درجة الحرارة ليلًا أكبر من خلال النهار.
يتزايد تعرض السكان للحرارة بسبب تغير المناخ. كما لوحظ أن درجات الحرارة القصوى تتزايد في تواترها ومدتها على الصعيد العالمي، حيث زاد عدد الأشخاص المعرضين لموجات الحر بنحو 125 مليون شخص بين عامي 2000 و2016. تشير دراسة نشرتها دورية "ساينس أدفانسز" العام الماضي إلى أن الأرض تشهد ارتفاع شديد في درجات الحرارة والرطوبة حاليًا بما يُعادِل ضِعْف ما كانت عليه قبل أربع عقود -في عام 1979-، وتشدد الدراسة على ضرورة الحدِّ من انبعاثات الغازات الدفيئة المُسَبِّبة للاحتباس الحراري، ووضع سياسات من شأنها مساعدة الفئات السكانية الأكثر تعرُّضًا للضرر في الحفاظ على درجة حرارة أجسامهم الطبيعية.
موجات قاتلة
تتمتع أجسامنا بعدة آليات للتعامل مع الطقس الحار، منها إفراز العرق الذي من شأنه تبريد الجلد عند تبخره، إلا أن ارتفاع نسبة الرطوبة الجوية، قد يؤدي إلى توقف عملية تبخر العرق.
تعتبر الموجات الحارة ضمن أخطر الظواهر الطبيعية التي يؤدي التعرض لها إلى تعقيدات صحية خطيرة أو حتى إلى الوفاة. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية تسببت الموجات الحارة في وفاة أكثر من 166 ألف شخص في الفترة من عام 1998 إلى عام 2017، بما في ذلك أكثر من 70 ألف شخص ماتوا خلال موجة الحر التي مرت بها أوروبا في عام 2003. في الولايات المتحدة.
يقتل ارتفاع الحرارة حاليًّا عددًا أكبر من الأشخاص مقارنةً بالبرودة أو الفيضانات أو الأعاصير. ولكنها نادرًا ما تحظى بالاهتمام الكافي لأن عدد القتلى والدمار الذي تسببه لا يكون واضحًا بشكل فوري مقارنة بكوارث أخرى.
يشير العلماء أن الحرارة الشديدة تساهم في وفيات أكثر بكثير مما قد توحي به شهادات الوفاة الرسمية، وذلك لأن التعرض للإجهاد في يوم حار يمكن أن يزيد من فرص الوفاة بسبب نوبة قلبية أو أمراض قلبية أخرى أو أمراض الجهاز التنفسي مثل الالتهاب الرئوي، وتعد هذه الأمراض أكثر شيوعا كمسببات الوفاة مقارنة بالأسباب المرتبطة بفرط الحرارة مثل ضربة الشمس، وبالتالي يمكن تصنيف سبب الوفاة بشكل خاطئ، لا سيما إذا لم تحدث الوفاة أثناء موجة حر حظيت بتغطية إعلامية جيدة.
يمكن لموجات الحر أن تثقل كاهل الأنظمة الصحية وخدمات الطوارئ، كما تزيد من الطلب على المياه والطاقة والنقل مما يؤدي إلى نقص الطاقة أو حتى انقطاع التيار الكهربائي. قد يتأثر الأمن الغذائي أيضًا إذا فقد الناس محاصيلهم أو مواشيهم بسبب الحرارة الشديدة.
تتوقع دراسة نشرت في دورية climate and atmospheric science شهر مارس الماضي ازدياد عدد وحدة الموجات الحارة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال العقود القادمة، حيث قد تتجاوز درجات الحرارة 56 درجة مئوية، وتستمر لمدة أسابيع، مخلفة أضرار جمة على سكان المنطقة. لحسن الحظ يمكن أن يكون مستقبلنا أقل تشاؤمًا وأكثر برودة إذا أجريت تدابير عاجلة لتخفيف أزمة المناخ.