مصاصو دماء، وحوش ضارية، أشباح مخيفة، وأحيانًا دمية تبدو لطيفة لكنها مسكونة بالأرواح الشيطانية.
لماذا تلقى تلك الشخصيات المخيفة رواجًا كبيرًا بين العديد من الناس - خاصة الشباب؟ هل يستمتع المُشاهد لأفلام الرعب بتسارع دقات قلبه وشعوره بتدفق الدم بقوة في كل أنحاء جسده؟ أم أن للأمر بُعدًا آخر؟
تشير دراسة بعض الحالات إلى التأثير الإيجابي لمشاهدة أفلام الرعب على الشباب، وأنها قد تلعب دورًا في تغلب البعض على مخاوفهم، حيث استنتجت هذه الدراسة أن "مشاهدة أفلام الرعب مفيدة للشباب، كما تفيد القصص الخيالية القصيرة الأطفال الصِغار". لكن، هل تنطبق تلك النظرية على الجميع؟ كيف لتلك المشاهد السينمائية البسيطة أن تكون ذات تأثير هائل إلى هذا الحد؟
كيف تنجح تلك المشاهد السينمائية في إخافتنا؟
لماذا نشعر بالخوف على علمنا بأن تلك المشاهد غير حقيقية، ولا تشكل تهديدًا أو خطرًا علينا؟ يظهر تفسير ذلك واضحًا في آلية الشعور بالخوف في دماغ الإنسان.
تخيل معي أنك في زيارة لحديقة الحيوان، وإذ أنت تستمتع بمشاهدة الحيوانات المختلفة، وجدت فجأة أفعى تقفز صوبك، لماذا ترتعد فرائصك على الرغْم من إدراكك أنها لا تستطيع إيذاءك من خلف ذلك القفص الزجاجي؟
عندما تعرضت لذلك الموقف، انتقلت الإشارات العصبية مباشرةً إلى اللوزة الدماغية (Amygdala) المسؤولة عن الإحساس بالخوف، في مدة زمنية لا تتعد الربع ثانية، وهي أسرع بكثير من تلك التي تستغرقها الإشارات العصبية لتصل إلى القشرة المخية المسؤولة عن تقييم الموقف، وما إذا كان يمثل خطرًا حقيقيًا عليك أم لا.
يسعى القائمون على أفلام الرعب إلى استغلال آلية الشعور بالخوف في دماغ الإنسان بشكل يضمن للمشاهد الوصول ل (الخوف الممتع)؛ ذلك الشعور الذي لا يمكن الوصول إليه سوى عن طريق تأخير لحظة إدراك المشاهد بأن كل تلك الأحداث لا تشكل خطرًا حقيقيًا عليه.
يطوّر القائمون على هذه الأعمال استراتيجيات مختلفة بهدف الوصول إلى ذلك الشعور، ولعل أبرزها هو استخدام المؤثرات الصوتية التي لا يخفى علينا كم تؤثر على مدى استمتاعنا بمشاهدة الأفلام؛ خاصةً أفلام الرعب.
ما تأثير أفلام الرعب على أجسادنا وسلوكنا؟
الخوف شعور وعاطفة قوية بمقدورها أن تغير إدراكنا لما نرى وما نسمع وما نشعر به. على سبيل المثال، تخيل معي ردة فعلك في الموقفين التاليين:
أولهما وأنت تجلس على أريكتك في يوم هادئ تستمتع بقهوتك، وسمعت جرس الباب، فما كان بك إلّا أن تتجه صوب الباب لتعرف من الطارق.
لكن، ماذا إن كان ذلك يومًا عصيبًا شهدت فيه حادثًا مريعًا في أثناء عودتك للمنزل؟ ماذا سيخطر ببالك حينها؟ أجزم أن دقات قلبك ستتسارع بمجرد سماع طرقة واحدة من الباب، وأنك قد تردد كثيرًا قبل أن تتحرك قبال الباب وقبل أن تدرك أنها مجرد زيارة من أحد جيرانك لا تمثل خطرًا عليكَ، ولا تستحق ردة الفعل تلك.
لماذا يستمتع البعض بمشاهدة أفلام الرعب؟
كيف لذلك الشعور وتلك العاطفة المرتبطة بالمواقف الخطرة أن تكون مصدرًا للمتعة بالنسبة للبعض؟ كيف يكون بعض الناس مستعدين لدفع المال مقابل الشعور بالخوف؟
هناك الكثير والكثير من النظريات المطروحة والدراسات الموجودة لتفسير ذلك الميل الذي قد يبدو للبعض عاديًا ويبدو لآخرين غير منطقي على الإطلاق.
تشير الدراسات أن بعض الناس يستمتعون بمشاهدة أفلام الرعب لأنها تعطيهم شعورًا بالتمكن والقدرة على السيطرة على مشاعرهم ومواجهتها في بيئة آمنة. كما يتمتع البشر بغريزة فضولية قوية وإعجاب بما قد يبدو غريبًا بالنسبة لهم، وذلك ما يدفعهم للرغبة في تجربة المشاعر المختلفة. ولعل ميل بعض الناس وتفضيلهم لأفلام الرعب أبرز مثال لذلك؛ فهي تضمن للمُشاهِد تجربة شعور جديد ومثير في مكان آمن، وهو يدرك في قرارة نفسه أنه في نهاية الأمر سيكون بخير.
"كلما كان الأمر أكثر رعبًا، كان أكثر متعة"، هذا ما طرحه دولف زيلمان في نظريته (نقل الإثارة- Excitation Transfer Theory) والتي تزعم أن استمتاعنا بمشاهدة أفلام الرعب يكمن في انغماسنا في اللحظات التي يعاني فيها البطل، ومؤازرتنا له ثم شعورنا بالانتصار بعد تغلب البطل على ما واجهه ببسالة.
لماذا نحتاج إلى الخوف في حياتنا؟
"غريزة البقاء على قيد الحياة"، تلك هي الإجابة عن سؤال: لماذا نحتاج إلى الخوف في حياتنا؟
تلك الغريزة التي تدفعنا بقوة للحفاظ على أنفسنا من كل خطر، وتجعلنا حريصين كل الحرص على اجتناب كل شر. لكن، السؤال الذي يطرح نفسه الآن: كيف للخوف أن يدعم تلك الغريزة؟
ما الخوف إلا شعور تطوري ينشأ كرد فعل للتهديدات التي يواجهها الإنسان ويرى أنها تمثل خطرًا عليه، فيستجيب ببعض التغيرات في وظائف القلب والأوعية الدموية والغدد الصماء، بالإضافة إلى التغيرات النفسية والسلوكية التي تتضمن زيادة التركيز والانتباه. تهدف كل تلك التغيرات بالمقام الأول إلى تفادي الخطر الذي يهدد الفرد؛ إما عن طريق المواجهة أو عن طريق الهروب.
وبالرغم من أن تلك التغيرات الفسيولوچية تبدو وكأنها تحتاج وقتًا طويلًا لتحدث على أكمل وجه، إلّا أنها في الحقيقة لا تستغرق أكثر من نصف ثانية على الأكثر لتضمن للفرد رد فعل مناسب يحميه من الخطر الذي يواجهه.
كيف يمكن لأفلام الرعب أن تكون علاجًا نفسيًا؟
حتى وقتنا الحالي، لا يوجد دراسات تثبت فعالية ودور أفلام الرعب في العلاج النفسي، لكن، بالقياس على وسيلة العلاج النفسي المعروفة بالعلاج التعرضي أو ما تعرف بالعلاج بالصدمة (Exposure Therapy)، يمكن القول بأن أفلام الرعب قد تساهم في تغلب الأفراد على بعض مخاوفهم.
على سبيل المثال: إذا كنتَ تعاني رهاب العناكب، فعلى الأرجح سيتبع طبيبك استراتيجية العلاج التعرضي، حيث سيتعمد تعريضك لمواجهة العناكب بشكل تدريجي، وعلى فترات زمنية متباعدة نسبيًا حتى تتخلص من ذلك الشعور وتدرك أن العناكب لا تمثل خطرًا عليك كما كنت تتصور.
هذا ما يحدث عند مشاهدتك لأفلام الرعب؛ فهي قادرة أن تجعلك تتعرض بشكل تدريجي وغير مباشر لبعض المواقف التي قد تواجهها في حياتك، فتعمل على تطوير ردة فعلك عند تعرضك لمواقف حياتية مشابهة، لتجعلك أقل توترًا وأكثر حكمةً وقتها.
كيف أثرت أفلام الرعب في مواجهة جائحة كورونا؟
بالرغم من تأثر العالم أجمع من حولنا بجائحة كورونا، إلًا أنه من الواضح عدم تأثر الجميع على الجانب النفسي بنفس المستوى؛ فالبعض كان أكثر مرونة في تقبل الأمر، في حين تأثر البعض الآخر بشكل كبير يكاد يصل إلى الاكتئاب.
تشير إحدى الدراسات الحديثة إلى تأثير مشاهدة أفلام الرعب على مدى تقبل ومرونة الأفراد في مواجهة جائحة كورونا، فالمشاركون في الدراسة من مشاهدي أفلام الرعب أشاروا إلى أنهم كانوا مستعدين ذهنيًا لمواجهة وباء كهذا، وأنهم كانوا يتوقعون الأسوأ منذ البداية؛ ما جعلهم يتخطون مرحلة الصدمة سريعًا، في حين ظل الآخرون في مرحلة الصدمة، التي تسببت لهم في الكثير من الأذى النفسي الذي وصل إلى الاكتئاب والانعزال المجتمعي.
أخيرًا، أفلام الرعب لا تمتعنا فحسب، بل إنها قد تلعب دورًا في طريقة تقبلنا للمواقف الحياتية المختلفة وتزيد من مرونتنا لتقبل الأوضاع التي نتعرض لها. لكن، هي أيضًا سلاح ذو حدين؛ فقد ينقلب الأمر إلى ضده لتجد نفسك تعاني المزيد من التوتر والقلق عند مشاهدتك لأفلام الرعب، لذا ستبقى طريقة استجابتنا لمشاهدة أفلام الرعب لغزًا ينتظر المزيد من الدراسة والبحث.