عطايا العيد

عطايا العيد| كيف يمكن للعطاء أن يسعدنا؟

مرحبًا عزيزي القاريء، لست ساحرة لكن بإمكاني إخبارك أنك تعشق الهدايا وتسعد بها كثيرًا في الأعياد والمناسبات واللامناسبات، ويمكنني إخبارك كذلك أنك على الأرجح تتلهف لتلقي العيديات من الأكبر منك سنًا، وتقدمها للأصغر سنًا بسعادة بالغة. إنها سنة الحياة. 

حسنًا، قد نفهم أسباب سعادتنا باستقبال شتى أشكال الهدايا والعطايا -بمناسبة أو دون مناسبة-، لكن أليس من الغريب أننا نشعر بنفس السعادة أيضًا عندما نمنح الآخرين هذه العطايا، فلماذا يشعر المانح بهذه السعادة؟ 

تأثير العطاء على المخ 

لا يقتصر مفهوم العطاء على منح الهدايا فقط، ولكنه يشمل أيضا التبرعات والأعمال التطوعية وغيرها من الأنشطة، التي تهدف لإسعاد الآخرين وتخفيف الأعباء عنهم، ولكنها تؤثر فينا أيضًا دون أن نشعر.

تشير بعض الدراسات إلى أن أداء الأعمال التطوعية يمكن أن يعزز من الصحة الجسدية والنفسية على حد سواء، فايًا كان نوع العطاء الذي تقدمه، سواء بالتطوع في إحدى المؤسسات الخيرية أو تقديم الدعم العاطفي لأحدهم أو التبرع بالمال من أجل الفقراء، فحتمًا ستجني ثمار هذه الفوائد. 

فوائد صحية مرتبطة بالعطاء

العطاء - عطايا العيد - لماذا يسعدنا العطاء

في دراسة أُجريت بجامعة بيتسبرج في بنسلفانيا، كلف الباحثون مجموعة من المشاركين في الدراسة بمهمة، وقالوا أنه جزاء لهذه المهمة يمكنهم الفوز بمكافأة مالية، والتي يمكنهم التبرع بها لأحد معارفهم أو لمؤسسة خيرية، أو أن يحتفظوا بها لأنفسهم. 

بعد انتهاء المهمة، قرر الباحثون فحص أدمغة من فضلوا تقديم الدعم للآخرين باستخدام الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI)، لدراسة تأثير العطاء على أدمغة المشاركين.

أدى كلا شكلي تقديم الدعم إلى زيادة النشاط في منطقة المخطط البطني للدماغ، وهي المنطقة المرتبطة بالإيثار، كما ترتبط كذلك بالرعاية الأبوية في الثدييات. 

لكن ارتبط العطاء الموجه لأشخاص بعينهم من المعارف إلى تناقص في نشاط اللوزة الدماغية، وهي المنطقة المسؤولة عن معالجة المشاعر والعواطف، والتي في ظل الظروف العصيبة، ترسل إشارة استغاثة إلى منطقة تحت المهاد، لتهيئة الجسم للدخول في حالة الهروب أو المواجهة. 

يرتبط زيادة نشاط اللوزة الدماغية بالقلق والرهاب واضطراب ما بعد الصدمة، ما يعني أن تناقص نشاط هذه المنطقة يرتبط بشكل مباشر بحالة من السعادة والرضا وتراجع في مستويات هرمونات التوتر. 

العطاء وهرمونات السعادة

في حين أن تركيب الدماغ معقد إلى حد بعيد، إلا أنه من السهل تحديد النواقل العصبية الكيميائية المؤدية للشعور بالسعادة، حيث يتسبب كل من الدوبامين والسيروتونين والأوكسيتوسين في الشعور بالسعادة، وعليه فإن زيادة إنتاج أيًا من هذه النواقل يعزز من الحالة المزاجية. 

لا تتوقف فوائد النواقل العصبية عند الحالة المزاجية فقط، حيث يرتبط السيروتونين بالنوم والهضم والذاكرة والتعلم والشهية، كما يرتبط الدوبامين بالتحفيز والإثارة، كذلك للأوكسيتوسين تاثير قوي على الدماغ والجسم.

عندما يتدفق الأوكسيتوسين في الدم، فإنه يؤدي إلى خفض ضغط الدم، كما أنه يعمل كمضاد للالتهابات ويقلل من الألم ويعزز التئام الجروح، كما أنه يعزز الترابط ويقلل من المخاوف الاجتماعية.

يعزز العطاء من إنتاج هذه النواقل العصبية مجتمعة، ما يجعل للعطاء تأثيرًا كبيرًا على المعطي، لأنه يجمع بين كل هذه الفوائد دفعة واحدة، كما يبرر ارتباط العطاء بالشعور بالراحة النفسية والهدوء.

تأثير العطاء على أدمغتنا

إن للعطاء ومساعدة الآخرين وتقديم الدعم لهم عدة تأثيرات إيجابية على حالتنا النفسية والعقلية، حيث يؤثر فى: 

  1. القدرة على التعاطف

يحتوي المخ البشري على تراكيب خاصة لمساعدة الشخص على رؤية الأشياء من منظور الآخرين، لوضع نفسه لمكانهم وتقييم الموقف بصورة مختلفة وإدراك وتقدير مشاعر ودوافع الآخرين.

اقرأ أيضاً:  دليلك لفهم ابنك المراهق وكيفية التعامل معه

لذلك، فإن العطاء يعد محفزًا في منتهى الأهمية لهذه التراكيب، لأنه يسمح لك بالتفكير فيما يحتاجه الآخرون وتقديم الدعم اللازم لهم. 

  1. الخلايا المرآتية العصبية

تساهم الخلايا المرآتية الموجودة بالدماغ في انتقال المشاعر بين البشر، حيث أنها تحاكي مشاعر الآخر لتضعك أيضًا في نفس موقفه وتجعلك متعاطفًا معه، فمن المؤكد أنك لاحظت تأثرك وبكاءك بسبب مشهد درامي ما، أو أنك تضحك على فيلم كوميدي أكثر في حالة مشاركة الآخرين لك في مشاهدته، هذا بالضبط دور الخلايا المرآتية. 

عند تقديم مساعدة للآخرين، فإن هذا العطاء سيتسبب في حالة من السعادة لمتلقيه، ما ينعكس بالطبع على المانح أيضًا، فتنتقل هذه الحالة من السعادة والرضا من خلال محاكاة الخلايا المرآتية لهذه المشاعر. 

  1. الرغبة في المزيد من العطاء

يؤدي العطاء إلى زيادة إفراز الأوكسيتوسين، بما له من تأثيرات جيدة تعزز من الحالة المزاجية، كما يساعد في مواجهة تأثيرات هرمون الكورتيزول (هرمون التوتر)، بالإضافة لتحفيز زيادة السيرتونين والدبامين. 

من المثير للاهتمام، أنه كلما زادت مستويات الأوكسيتوسين، زادت الرغبة في تقديم المساعدة للآخرين، وزادت القدرة على العطاء، ما يؤدي إلى دورة متكررة من العطاء والشعور بالسعادة والرغبة في المزيد من العطاء وهكذا. 

عطايا العيد وتعزيز العلاقات الاجتماعية

دائما ما يرتبط العيد بالهدايا، سواء في شكل مادي متمثل في العيدية التي يمنحها الأهل للأبناء والأحفاد، أو في صورة هدايا نتبادلها خلال الزيارات العائلية. 

في الواقع، يرتبط الإنسان بفكرة تقديم الهدايا منذ قديم الأزل، فبما أن الإنسان كائن اجتماعي بامتياز، فهو يسعى دائما وبصورة فطرية، لتوطيد علاقاته بكل من حوله، ولذلك فإن لتقديم الهدايا بعدًا اجتماعيا لا يقل أهمية عن البعد النفسي والعاطفي للأمر. 

تاريخ الهدايا لدى البشر

عطايا العيد - تاريخ الهدايا

لماذا نقدم الهدايا في الأعياد والمناسبات؟

إن عادة تقديم الهدايا في الأعياد والمناسبات، سواء في صورة مادية أو عينية لا تقتصر فقط على ثقافتنا العربية، فهي ثقافة إنسانية بالأساس، قد تختلف طرق تقديمها من مكان لآخر ولكن تبقى الأسباب واحدة لدينا جميعًا. 

ذلك أنها طريقة ممتازة لتعزيز العلاقات الاجتماعية والتواصل الإنساني، ودعم الروابط العائلية، كما أنها طريقة معبرة لإظهار الحب دون الحاجة إلى الكثير من الكلمات، إنها طريقة رمزية نستخدمها فيما بيننا للتعبير عن مشاعرنا. 

كما هو الحال مع العطاء والتبرع لمساعدة الفقراء والمحتاجين، فإن منح الهدايا يعطينا شعورًا مماثلًا بالسعادة، فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن منح الهدايا يؤدي لزيادة الشعور بالرضا والسعادة والأثر الطيب في نفوس الآخرين. 

كذلك يمنحنا تبادل الهدايا علاقات أقوى، ويدخلنا في حلقة متواصلة من استقبال ومنح الهدايا، بما لذلك من أثر نفسي جيد للغاية، فالهدايا تشعرك بتقدير الآخر لك، وتسمح لك بالتعبير عن منزلته ومكانته عندك، وعليه فهي تساهم بصورة غير مباشرة في تصفية أية خلافات ومد حبال الود بين طرفي العلاقة بصورة مستمرة. 

في النهاية، دومًا ما يمنحنا العيد حالة من السعادة التي تفيض علينا جميعا، فهو عيد الخير والعطاء اللامحدود، وهو فرصة لمساعدة الآخرين وإدخال السرور والبهجة ليس على قلوبهم فقط ولكن على قلوبنا جميعا، فسواء كنت مانحا أو مستقبلا للهدايا والعطايا، فأنت في الحالتين سعيد. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share