يبدو أن الطاقات المتجددة هي طريق الطاقة الأمثل إلى مستقبل مستدام منخفض الانبعاثات، إلا أنها خيار غير مجدي أحيانًا، حيث تتطلب آلية تخزين خاصة نظرًا لتذبذبها، فماذا إن توقفت الرياح لفترات أو احتجبت الشمس لأشهر خلف السحب في نهارات الشتاء الطويل؟
وبسبب ندرة عناصر تخزين الطاقة وارتفاع أسعارها، توجهت المساعي إلى إيجاد حلول أكثر استدامة، ولجأ العلماء إلى البحث عن مصادر طبيعية رخيصة ومتوفرة لتخزين الطاقة، بعيدًا عن الليثيوم أو غيره من المواد المكلفة، التي تصنع معظم البطاريات منها.
بطارية رملية
تُجري العديد من الدول تجارب وأبحاث حول استخدام الرمال لتخزين الطاقة، ومؤخرًا طرحت شركة فنلندية ناشئة بطارية رملية -هي الأولى تجاريًا- لتخزين الحرارة تعمل بكفاءة عالية، حيث يمكنها توفير طاقة نظيفة ومستقرة وبأسعار معقولة خاصة للقرى والمناطق النائية.
تتكون البطارية من حوالي 100 طن من رمل البناء منخفض الجودة، مكدس داخل صومعة فولاذية إسطوانية الشكل، بارتفاع سبعة أمتار، وقطر أربعة أمتار، بالإضافة إلى مبادل حراري بسيط مدفون في منتصف الصومعة.
تُمرّر الكهرباء المولدة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح عبر منظومة من عناصر المقاومة الكهربائية، لتعمل على تسخين الهواء المحيط بالرمال، ويتم تدوير هذا الهواء الساخن عبر شبكة من أنابيب التبادل الحراري داخل الخزان الفولاذي، مما يؤدي إلى تسخين الرمال إلى حوالي 500 درجة مئوية.
وتبلغ سعة تخزين البطارية حوالي 8 ميجاوات في الساعة من الطاقة الحرارية، تستخدم لتدفئة وتسخين المياه التي يتم توزيعها بعد ذلك من خلال أنظمة تدفئة المبانى في فصل الشتاء، عندما تكون مصادر الطاقة أكثر تكلفة وأقل توفرًا.
لماذا الرمل؟
استخدم الباحثون الرمل كوسيط للتخزين نظرًا لقدرته الفائقة على تخزين الحرارة بشكل فعال، فالبطارية يمكنها الاحتفاظ بالرمل عند 500 درجة مئوية لعدة أشهر، كما أن عمرها الافتراضي طويل، يصل إلى عقود.
وبمقارنة بطارية الرمل ببطاريات الليثيوم، أكد الباحثون أن إنتاج كل طن من الليثيوم المكرر ينبعث عنه ثلاثة إلى تسعة أطنان من ثاني أكسيد الكربون، ما يعني أنها أكثر صداقة للبيئة.
وعلى الرغم من أن البطارية الرملية تخزن طاقة أقل من 5-10 مرات لكل وحدة حجم من البطارية الكيميائية، إلا أنها تعد حلاً أكثر فعالية من حيث التكلفة. يشير الباحثون إلى أن "إنتاج 8 ميجاوات من الطاقة باستخدام البطارية الرملية يكلف حوالي 200 ألف دولار، بينما تكلف بطارية أيون الليثيوم التي تخزن 8 ميجاوات/ ساعة من الطاقة، ما لا يقل عن مليون و600 ألف دولار".
ومع كل هذه المزايا إلا أن التحدي الذي يواجه هذه التقنية، هو عدم قدرتها على تخزين الطاقة الكهربائية.
ثمة أبحاث عديدة لدراسة إمكانية الاستفادة من خاصية الرمال كنظام تخزين للطاقة الحرارية لا سيما في دول الخليج حيث تنتشر الرمال بكثرة.
سبق وأن تمكن معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا في جامعة خليفة- أبو ظبي، من استخدام رمال الصحراء لتخزين الطاقة الحرارية في مرافق محطات الطاقة الشمسية المركزة، وأظهرت التجارب أنه من الممكن استخدام رمال الصحراء كمادة لتخزين الطاقة الحرارية بدرجة حرارة تصل إلى 800 – 1000 درجة مئوية.
ولا يعد استخدام الرمال لتخزين الحرارة الوسيلة الوحيدة لهذا الغرض، ورغم كفاءته وفعاليته إلّا أنّ اللجوء لوسائل طبيعية وغير مكلفة أخرى للتخزين أمر مطلوب.
هاهي شركة فاتنفال للمرافق الألمانية، شارفت على الانتهاء من بناء خزان عملاق على ارتفاع 45 مترًا، يستوعب 56 مليون لترًا من الماء لتوفير مياه التدفئة للعاصمة الألمانية برلين في محاولة لتخفيف أزمة الطاقة الأخيرة.
ستبلغ الطاقة الحرارية للمنشأة 200 ميجاوات، وهو ما يكفي لتلبية معظم احتياجات برلين من الماء الساخن خلال فصل الصيف ونحو 10٪ مما تتطلبه في الشتاء.
ويمثل استعمال المواد المحلية والطبيعية مثل الرمال في نظم تخزين الطاقة الحرارية، نهجًا جديدًا للطاقة المستدامة لتحقيق التنمية الاقتصادية لنظم الطاقة في المستقبل، لا سيما في المنطقة العربية التي تذخر بصحاريها التي تشكل جزءًا كبيرًا من مساحتها.