في حين يتنافس العلماء والباحثين للتوصل إلى اكتشافات واختراعات تنفع البشرية وتقربهم من حلم الوصول إلى جائزة نوبل، يتبارى آخرون للحصول على جوائز من نوع آخر. ففي سبتمبر من عام 1991، تقرر لأول مرة منح جائزة سنوية لعشرة من الدراسات العلمية والأعمال الفنية التي تتسم بأنها "تجعل الناس يضحكون ثم يفكرون" ليُطلق عليها "جائزة نوبل للحماقة العلمية". فمن شرب الدماء إلى التعرض عمدًا للدغات النحل المتكررة، لم يخل التاريخ من التجارب العلمية الغريبة، التي كشفت بعضها عن ظواهر علمية نادرة، في حين انتهى البعض الآخر بخسائر فادحة.
اثنتا عشرة عملية شنق في سبيل العلم!
عني العديد من الباحثين في مجال الطب الشرعي بدراسة تأثير الشنق على وظائف الجسم، عن طريق تدوين الملاحظات عند حضور تنفيذ أحكام الإعدام شنقًا. لكن، لم يكتفِ "نيكولاي مينوفيتش" أستاذ الطب الشرعي بجامعة "بوخارست" برومانيا بمجرد تدوين الملاحظات، بل إنه قرر تجربة الأمر بنفسه.
بدأ "مينوفيتش" تجاربه الأولى باستخدام حلقة، يُدخل فيها رأسه بعد استلقائه على سرير منخفض، ثم يشد نهاية الحبل بقوة لإحكام الحلقة على عنقه. في بداية الأمر، لم يستطع "مينوفيتش" الصمود لأكثر من 6 ثوان، ليفقد بعدها الوعي، ويرخي نهاية الحبل رغمًا عنه لتنفرج الحلقة عن عنقه ويبدأ في استعادة الوعي مرة أخرى. لاحظ "مينوفيتش" قبل فقدانه للوعي تشوش رؤيته، كما أشار إلى سماعه طنينًا مزعجًا في أذنيه.
لم يكتف "مينوفيتش" بنتائج التجربة الأولى، بل قرر الاستعانة بمساعدين لتطوير التجربة، وتسجيل الملاحظات عند فقدانه الوعي، وفي هذه المرة أدخل رأسه في حلقة المشنقة، وسحب المساعدون الحبل لرفعه بالكامل عن سطح الأرض. لم يلبث "مينوفيتش" كثيرًا حتى شعر بانقطاع أنفاسه، وأشار مسرعًا إلى مساعديه لإفلات الحبل. استمر "مينوفيتش" في محاولاته، حتى استطاع الصمود في حلقة المشنقة لأكثر من 25 ثانية، بعد 12 محاولة شنق كادت تنهي حياته.
لسعات النحل المتكررة
لا شك أن لسعات النحل مؤلمة إلى الحد الذي يجعلك تتفادى التواجد في أي مكان قد يتصادف فيه وجود تلك الحشرات، لكن بالنسبة لـ "مايكل سميث"، أستاذ علم الحشرات والباحث في جامعة "كورنيل"، فإن التعرض عمدًا للسعات النحل المتكررة يستحق العناء في سبيل إضافة الجديد إلى علم الحشرات.
بدأ الأمر عندما تعرض "سميث" للسعة نحل في خصيته في أثناء تأديته لبعض المهام الميدانية المتعلقة بدراسته لعلم الحشرات، ليُفاجأ بأن الأمر -على عكس- المتوقع لم يؤلمه إلى حد بعيد.
أخذ "سميث" يفكر في تلك الحادثة التي تركته يتساءل عن اختلاف استجابة أجزاء الجسم المختلفة للسعات النحل، ليبدأ تجربته الفريدة للإجابة عن هذا التساؤل، وتحديد أكثر أجزاء الجسم إيلامًا عند التعرض للسعات النحل.
العجيب في الأمر أن "سميث" قرر أن يكون هو المشارك الوحيد في تلك التجربة، وأن يتعرض على مدار 38 يومًا إلى لسعات النحل في 25 جزءًا من جسمه. استعان "سميث" في تجربته بمؤشر "جاستن شميدت" الذي يعتمد على الأوصاف الدقيقة لقياس شدة الألم الناتج عن لسعات الحشرات المختلفة.
مؤشر "شميدت" لقياس شدة ألم اللدغات
وعلى غرابة هذه التجربة، إلّا أن "سميث" أوضح عدم تعارض مبادئها مع أي من المبادئ البحثية الخاصة بجامعة "كورنيل"، وهي إلى ذلك، لا تتعارض مع إعلان "هلسنكي"، الذي يمثل الوثيقة الرسمية الأساسية التي ترسي القواعد الأخلاقية لإجراء التجارب على البشر.
كان "سميث" يستخدم الملقاط في الإمساك بأجنحة النحل لتوجيهها إلى لسع جزء محدد من جسمه، وبمعدل 5 لسعات يوميًا على مدار 38 يومًا متتاليًا، وبعد تقييم شدة تلك اللسعات، أوضح "سميث" أن جميع لسعات النحل كانت مؤلمة إلى حد بعيد، لكن بعضها كان أشد إيلامًا من الأخرى.
أشار "سميث" أن أعلى الذراع وأطراف الأصابع وأعلى الرأس كانوا أقل إيلامًا، في حين أن أكثر اللسعات إيلامًا كانت في أنفه، حيث وصفها بالصعقة الكهربائية التي يقشعر لها الجسم كله، إلى الحد الذي جعله يفكر بإنهاء التجربة برمتها من شدة الألم.
أوضح "سميث" أن كونه المشارك الوحيد في تلك التجربة، يجعل نتائجها ذاتية إلى حد كبير، ولا يمكن تعميمها سوى بإعادة التجربة على عدد أكبر من المشاركين.
مصاصو الدماء: ليسوا مجرد أساطير
يعُد قياس نسبة بروتين "الكالبروتكتين" في البراز إحدى الوسائل التشخيصية لداء الأمعاء الالتهابي. وفي محاولة لاختبار فاعلية هذا التحليل، قرر الباحثون إجراء دراسة فريدة من نوعها، حيث شرب 16 مشارك دماءهم بمعدل (100-300) ميلليلتر، وبعد تحليل نسبة بروتين "الكالبروتكتين" في البراز، ومقارنة النتائج بتحاليل ما قبل التجربة، لاحظ الباحثون ارتفاعًا ملحوظة في نسب هذا البروتين نتيجة شرب الدماء.
يشير د. "ستيفان فافريكا" مدير مركز الجهاز الهضمي وأمراض الكبد بمدينة "زيوريخ" السويسرية، والمشارك في تلك التجربة التي أسماها "دراسة مصاصو الدماء"، إلى أن نتائج التجربة لا تنفي فاعلية تحليل "الكالبروتكتين" في تشخيص التهابات الجهاز الهضمي، لكنها تلفت أنظار مقدمي الرعاية الصحية إلى إمكانية ارتفاع نسب هذا البروتين في حالات أخرى مثل وجود نزيف بالجهاز الهضمي.
أيهما أشد تأثيرًا: شرب الخمر أم استخدام الهاتف؟
في عام 2006، نشرت مجلة "Human Factors" دراسة تثبت التأثيرات البالغة التي تحدث نتيجة استخدام الهاتف أثناء القيادة. وفي تجربة تبدو غريبة إلى حد بعيد، استخدم الباحثون جهاز عالي الدقة يحاكي تجربة القيادة الحقيقية، لمقارنة أداء مجموعتين من السائقين، أحدهما في حالة سكر بعد الإفراط في شرب الخمر، والأخرى في أثناء إجراء مكالمات هاتفية أو محادثات نصية أثناء القيادة.
أشارت نتائج التجربة إلى أن استخدام الهاتف أدى إلى تأخير ردود أفعال السائقين -بشكل ملحوظ- فيما يخص استخدام المكابح، في حين أن القيادة في حالة السكر تسببت في أسلوب قيادة أكثر عنفًا، لينتهي المطاف بتورط كلا المجموعتين في الكثير من حوادث المرور، ولتخلص تلك التجربة إلى أن استخدام الهواتف في أثناء القيادة لا يقل خطورة عن حالة السكر.
جثث الموتى وإصبع الحضارة
على غرابة التجارب السابقة، إلّا أن جميعها يتفق في شيء واحد، أن المشاركين كانوا أحياءًا. أما في هذه التجربة، اعتمد الباحثون كليًا على جثث الموتى.
تتميز اليد البشرية بإبهام أطول، مع سعة أكبر في مجال الحركة مقارنة بيد القرد. يعتقد العديد من العلماء بأن الغرض الرئيسي من تلك الاختلافات هو تعزيز براعة اليد، حتى نتمكن من الإمساك بالأدوات المختلفة واستخدامها، في حين يعتقد آخرون بأن هناك سببًا آخر لتلك الاختلافات، وهو تعزيز القدرة على استخدام قبضة اليد المحكمة في القتال.
وفي سبيل إثبات ذلك الاعتقاد، نشرت مجلة "علم الأحياء التجريبي" دراسة تبدو مخيفة إلى حد ما، حيث استخدم الباحثون جثث الموتى لإجراء التجارب، فبعد تثبيت الذراع على لوح خشبي، وتعليقه على جهاز يشبه "البندول" للتمكن من توجيه اليد إلى ضرب أسطح معينة، اختبر الباحثون قوة تلك الضربات، وقارنوا بين قوة الصفعات الموجهة عن طريق راحة اليد واللكمات الموجهة بقبضة اليد، ليجدوا أن قبضة اليد أقوى مرتين من الصفع براحة اليد.
خلصت تلك التجربة إلى أن الاختلافات الجوهرية في اليد البشرية تدل على تطورها لغرض قتالي، لضمان حماية عظام اليد من الكسر في أثناء توجيه ضربات قوية بقبضة اليد المحكمة.
أخيرًا، يزخر التاريخ العلمي بمئات التجارب التي تبدو غريبة بل مخيفة إلى حد بعيد، منها ما ساهم في تفسير العديد من الظواهر العلمية، ومنها ما انتهى بخسائر فادحة كادت تنهي حياة المشاركين.