كتب: عادل الدغبشي
[صنعاء] ينتهي واقع البحث العلمي في اليمن إلى حقيقة محبطة، تمتد جذورها إلى موازنة مالية ذات أرقام هزيلة جدًّا لا تُجدي في شيء، وفق حسين حازب، وزير التعليم العالي والبحث العلمي في الحكومة التي أعلنها الحوثيون.هذا هو الواقع قبل سنوات الحرب الثلاث التي شهدها اليمن ولا يزال، أما الآن ”فالحال أنكى“ على حد وصف حازب؛ إذ يقول لـشبكة SciDev.Net: ”خصوصًا بعد توقُّف 66 مركزًا بحثيًّا عن العمل من أصل 96 هو عدد المراكز البحثية الحكومية والخاصة المقيدة رسميًّا في سجلات الوزارة“.
ويضيف حازب: ”استمرار الحرب يهدد بانهيار كامل لقطاع البحث العلمي في البلاد، والذي هو بالأساس ركيك جدًّا، فنحو 30 مركزًا بحثيًّا تصارع من أجل البقاء وليس لها أي مخرجات؛ فمعظمها كان يعتمد على منظمات مانحة قطعت تمويلاتها وغادرت البلاد تدريجيًّا على مدى سنوات الحرب“.
على الجانب الرسمي، يؤكد صادق الشراجي، وكيل وزارة التعليم العالي لقطاع البحث العلمي، أن الوزارة تعكف حاليًّا على إعداد تقرير إحصائي رسمي بحجم الخسائر المادية التي تَكبَّدها القطاع نتيجة الحرب، في محاولة للملمة الأوراق وإنعاش القطاع من وضعه المتردي، على حد وصف الشراجي.
يوضح الشراجي أن الكثير من المشروعات التي كانت مدعومة خارجيًّا توقفت، على سبيل المثال ’مشروع تحسين جودة التعليم العالي‘ الممول بنحو 13 مليون دولار أمريكي بمساعدة الحكومة الهولندية، ”كان المشروع يضم أكثر من 300 بحث علمي، ولو استمر لكان بإمكانه دعم التعليم العالي في اليمن بشكل كبير“.
ليس ذلك كل الداء؛ فبعض مراكز البحوث الخاصة توقف بعد تعرُّضه للاقتحام من قِبَل مسلحين ونهب محتوياته، مثلما حدث مع مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، وفق رئيسه مصطفى نصر، الذي أكد للشبكة انتقال المركز للعمل من خارج البلاد، ولعله يعني القاهرة، حيث يقيم نصر وعدد من زملائه منذ بدء الحرب.
ناهيك بتوقف البحوث العلمية الأكاديمية، في الوقت الذي تصارع فيه الجامعات للاستمرار في العمل والتدريس، يقول الشراجي: ”لدينا المئات من البحوث المتنوعة، لكنها بلا قالب أو رؤية، ولم تجسد للتطبيق كي تصب في خدمة المجتمع“.
توقفت أنشطة مراكز عدة وعجزت عن إصدار أية بحوث خلال الأعوام الثلاثة الماضية، بعد توقف موازناتها تمامًا، بما في ذلك أجور الموظفين، واقتصرت مهماتها على تقديم بعض الاستشارات الفنية والمنهجية للباحثين.
والحديث عن البحث العلمي مع مسؤولين في الجامعات الحكومية يتحول إلى كثير من الفكاهة، فالصراع على البقاء بات هو أولى أولوياتهم، خصوصًا مع انقطاع المرتبات والتردي المادي الراهن؛ ”فقد رصدت آخر موازنة للقطاع عام 2014 -قبل أن تتوقف كليًّا- ما نسبته 3% من مخصصات الجامعات للبحوث العلمية“، وهي لا تجدي نفعًا، وفق حازب.
عبد الخالق طواف، نائب رئيس جامعة عمران لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي، يقول لشبكة SciDev.Net: ”زادت الأمور فداحةً منذ العام 2015، فأكثر من 30 شخصية بحثية وأكاديمية في مجال الطب والهندسة والتجارة هاجرت إلى الخارج“.
ويستطرد طواف: ”نحن بحاجة إلى أكثر من 10 ملايين دولار أمريكي للعودة إلى ما كنا عليه قبل الحرب“.
أدى استمرار التدهور الأمني في المحافظات التي تشهد صراعًا متواصلًا إلى توقُّف كلِّي في جامعاتها، وولَّد الكثير من الصعوبات في العمل البحثي، يقول حازب: ”جامعة تعز معطلة كليًّا، وأمام الطلبة والباحثين خياران: إما التوجه شمالًا نحو صنعاء، أو جنوبًا نحو عدن، وكلاهما صعب في ظل الانقسام السياسي الحاصل والصعوبة الكبيرة في المرور والتنقل“.
هذا إلى جانب أن ما تعترف به إحدى الحكومتين، ترفض اعتماده الحكومة الأخرى، ما يضع الباحثين في مأزق توثيق أبحاثهم العلمية وحفظها.
يشار إلى أن جماعة أنصار الله وحزب المؤتمر أعلنا حكومةً، يترأسها الآن عبد العزيز بن حبتور، ويهيمن عليها الحوثيين، وهي لا تحظى باعتراف دولي، لكنها تسيطر على الأمور، في حين لا وجود على الأرض للحكومة المعترَف بها دوليًّا، وعلى رأسها أحمد عبيد بن دغر، ويشغل فيها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حسين عبد الرحمن باسلامة.
وبالمثل، فإن خالد باسليم -وكيل وزارة التعليم الحالي والبحث العلمي لقطاع الشؤون التعليمية في حكومة بن دغر- يقول لشبكة SciDev.Net : ”إن الجانب البحثي في اليمن معطل حاليًّا، حتى إن قطاع البحث العلمي في الوزارة لم يُعيَّن له وكيل حتى الآن“، مشيرًا إلى أن القطاعات كلها غير مكتملة بعد.
يؤكد باسليم أن خسائر القطاع البحثي بسبب الحرب بلا شك كبيرة، ومن أبرزها محطة الأبحاث الزراعية- الكود، وهي أول محطة أبحاث زراعية على مستوى الجزيرة العربية أُسست عام 1955، ”والتي دُمِّرت بشكل كامل“؛ إذ تعرضت للحرق والنهب وإتلاف وثائقها وأبحاثها وأجهزتها، وتم السطو على مزارعها التجريبية البحثية.
بطبيعة الحال هناك محاولات لإعادة تأهيل القطاع، لكن الإمكانيات والموازنات الحالية غير كافية لذلك، ويقتصر العمل البحثي حاليًّا على المتاح في المراكز البحثية بالجامعات.
وفيما يتعلق بالعمل الأكاديمي في الجامعات، يقول باسليم: ”تحاول الوزارة الوفاء بأهم المتطلبات، فبعد أن كانت العملية التعليمية معطلة بالكامل والجامعات مغلقة، هي الآن شبه منتظمة ومستقرة في المناطق المحررة، وأصبح هناك إشراف من الوزارة على الجامعات ولجان مراقبة خاصة في الجامعات الخاصة، ونولي اهتمامًا بالمبتعثين في الخارج“.
كذلك يقرر حازب (الوزير الحوثي) أن الحرب على بلاده أدت إلى هجرة العقول وضعف الإقبال على البحث العلمي، ويقول: ”لم يعد هناك أي نشاط للبحث العلمي بمعناه الحقيقي، وما يجرى حاليًّا مجرد دراسات أو بحوث أكاديمية فردية“.
”لقد بتنا نفكر في السلاح أكثر من العلم“، على حد قول حازب.
ويسعى القائمون على البحث العلمي في اليمن حاليًّا إلى إنشاء صندوق خاص لدعم البحث العلمي، يعتمد على ما نسبته 1% من الدخل القومي للبلاد، غير أن الوضع الراهن يجبر الباحثين على البحث عن تمويلات ذاتية ومساهمات محلية أو منح خارجية، وفق الشراجي.
للإطلاع على الموضوع الأصلي عبر موقع SciDev.Net اضغط هنا