التلاعب بالعقول - جازلايت - gaslight

هل أنت ضحية للتلاعب العقلي؟ | 10 علامات تؤكد لك

في عام 1944 صدر فيلم الإثارة النفسية الأمريكي "gaslight" والمقتبس عن مسرحية تحمل الاسم نفسه. تدور أحداث الفيلم عن امرأة شابة يتلاعب بها زوجها ليقنعها بمرور الوقت بأنها مصابة بمرض عقلي يقودها للجنون، عن طريق تعتيم مصابيح الغاز -المستخدمة حينها- لإقناعها بأنها تهلوس. 

استغل عدد من علماء النفس اسم الفيلم لاحقًا لتوصيف حالة نفسية معروفة، يتلاعب فيها شخص ما بآخر، محاولًا إقناعه ببعض الآراء أو الأفكار مثلما فعل البطل بالفيلم، ليبدأ استخدام مصطلح "التلاعب بالعقول - gaslighting" في المجال الأكاديمي عام 1980.

قد تتخيل أن التلاعب العقلي يحدث فقط في العلاقات العاطفية، لكن في الواقع قد يكون المتلاعب أحد أفراد عائلتك أو أن يكون صديقك المقرب، فيستغل ثقتك به ليتلاعب بك ويخضعك لأفكاره، كما قد يكون المتلاعب مديرك في العمل أو أستاذك في الجامعة، الذي يشعرك دائمًا أنك مُقصر في أداء واجباتك. 

لا ينتهي الأمر عند ذلك، لربما يكون المتلاعب طبيبًا تثق به وتلجأ إليه، فيشكك فيما تشعر به من أعراض، أو يتهمك بالمبالغة في وصف ألمك، وربما ينصحك ببعض النصائح العامة دون تشخيص ما تشعر به أو وصف العلاج المناسب، ما قد يعرض حياتك للخطر.

التلاعب بالعقول والأذى النفسي 

يُعد التلاعب بالعقول أحد أشكال الإساءة النفسية، حيث يدفع شخص أو مجموعة شخصًا ما إلى التشكيك في عقله وإدراكه للواقع أو الذكريات. غالبًا ما يشعر الأشخاص بعد التلاعب بعقولهم بحالة من الارتباك والقلق وعدم القدرة على الثقة بالنفس.

يميل البعض للتلاعب بعقول الآخرين بغرض السيطرة عليهم، حيث يشعر المتلاعب بأحقيته الكاملة في التحكم بالآخرين، أو لإيمانه بأهمية آرائه ومشاعره مقارنةً بمشاعر الآخرين، كما يعاني بعض المتلاعبين من اضطرابات شخصية مثل اضطراب الشخصية النرجسية

تقنيات التلاعب بالعقول 

غالبًا ما يتم التلاعب دون أن يلحظه الضحية، فالمتلاعب شخص ذكي يعتمد على تشكيك الضحية في نفسه تدريجيًا، بل ويستخدم تقنيات مختلفة لإقناع الضحية، مثل: 

  • التشكيك في الذاكرة: يتعمد المتلاعب تشكيك الضحية في ذكرياته، فيردد أشياء من قبيل "أنت لا تتذكر بدقة" أو "هل أنت متيقِّن من روايتك؟ أعتقد أن لديك ذاكرة ضعيفة"
  • التجاهل والإهمال: في بعض الأحيان، يتجاهل المتلاعب الضحية، كأن يرفض الدخول معه في محادثة أو يتظاهر بأنه لا يفهم ما يعنيه الضحية بكلامه وذلك ليتجنب الرد على أسئلته المستمرة. 
الجدير بالذِكر أن التعرض للتلاعب يترك الضحية في حالة من الارتباك والقلق، ما يدفعه دائمًا للتساؤل حول علاقته بالآخرين وسلوكياته تجاههم، ولثقته الشديدة في المتلاعب، قد يلجأ في كثير من الأحيان إلى سؤاله ومواجهته، فيستخدم المتلاعب تلك التقنية للهروب من الإجابة، وزيادة شك الضحية في نفسه بكلمات من نوع "أنا لا أعرف ما تتحدث عنه" أو "هل تحاول الإيقاع بي وإرباكي؟"
  • التقليل من الأهمية: عادةً ما يستخف المتلاعب بمشاعر الضحية أو يتجاهلها. يبدأ الضحية في التعبير عن مشاعره تجاه ما يحدث، فيرد المتلاعب بأحد أشهر الاتهامات وأكثرها قسوة على نفسية الضحية بقول "أنت مفرط الحساسية" أو "لا تبالغ كثيرًا في رد فعلك، فالأمر لا يستحق"
  • الإنكار: غالبًا ما يلجأ المتلاعب إلى الإنكار، فيدّعي نسيان أحداث أو تفاصيل معينة بهدف تشكيك الضحية في نفسه، وقد يمتد به الأمر إلى إنكار قول أو فعل شيء معين، واتهام الضحية باختلاق تلك الأقوال والأفعال. 
  • تحويل المناقشة: يستخدم المتلاعب هذه التقنية لتحويل محور المناقشة إلى الضحية، ويلجأ إليها المتلاعب حين يواجهه الضحية بأفعاله ويطالبه بتفسيرات واضحة، فيبدأ المتلاعب في إلقاء اللوم على الضحية، وتغيير محور الحديث كأن يقول مثلا "من أين أتيت بهذا الكلام، ومن أقنعك به" أو "ها أنت تردد كلام أصدقائك عني". 

غالبًا ما يكون الغرض من هذه التقنية تشكيك الضحية في نوايا أصدقائه والمحيطين به، لضمان سيطرة المتلاعب عليه، كما يهدف إلى تشتيت أفكار الضحية والتطرق لمناقشات جانبية لا فائدة منها، بغرض إنهاك قواه وضمان عدم استمراره بالمناقشة. 

  • التنميط: قد يلجأ المتلاعب إلى وضع الضحية في قوالب نمطية سلبية بغرض التأثير على ثقته بنفسه؛ واستغلال النوع أو العرق أو الجنس للتلاعب بعقل الضحية وإقناعه بأفكاره. على سبيل المثال قد يقلل المتلاعب من مشاعر شريكته فقط لكونها أنثى، مدعيًا أن جميع النساء غير عاقلات وتتحكم فيهن المشاعر والهرمونات، ويستمعن لآراء غيرهن ويتبعنها دون تفكير. 

مراحل اقتناع الضحية بأفكار المتلاعب

يختلف التلاعب العقلي عن الأفعال الواضحة التي يمكن تمييزها بسهولة، مثل أن يكذب شخص عليك أو يقول أنك مخطئ بشأن رأي ما، فالمتلاعب قد يفعل ذلك ولكن بشكل خفي، كأن يكذب عليك عن طريق التشكيك في ذاكرتك، أو أن يدّعي أنك مخطئ عن طريق التقليل من شأنك أو مشاعرك، ولذلك يصعب تمييز التلاعب بسهولة. 

مع ذلك، يمر الضحية بعدة مراحل حتى يقع في فخ التلاعب العقلي ويستسلم له وهي:

مراحل الوقوع بفخ التلاعب العقلي - التلاعب بالعقول - gaslighting

عادةً ما يقتنع الضحية بوجهة نظر المتلاعب تجنبًا للصراع والمواجهات الدائمة بينهما، فيستسلم الضحية أمام تقنيات المتلاعب للحصول على رضاه. كما يتجلى الأذى النفسي الواقع على الضحية في هذه المرحلة، فالإنكار يستنزف طاقة الضحية ويفصله عن نفسه وأفكاره، ويتركه ضعيفًا يائسًا في مواجهة واقع مفروض عليه، وربما يؤدي للإصابة بالاكتئاب واضطرابات القلق وغيرها من الأمراض العقلية. 

اقرأ أيضاً:  العنف ضد المرأة| لماذا تستمر بعض النساء في علاقات مؤذية؟

علامات خضوعك للتلاعب العقلي

إذا كنت تشك في تلاعب أحدهم بك عقليًا، فيمكنك التأكد بسؤال نفسك عن بعض علامات الخضوع للتلاعب العقلي ومدى استجابتك لها، وهي: 

  • الشك في مشاعرك وأحكامك: تحاول إقناع نفسك أن المعاملة التي تتلقاها من المتلاعب ليست بهذا السوء، أو أنك فقط حساس للغاية، كما تفضل عدم التعبير عن مشاعرك، لأنك تعلم تمامًا أن الأمر يزداد سوءًا بعد المناقشة.
  • الشعور بالضعف وفقدان الأمان: غالبًا ما تشعر في هذه العلاقة بعدم الأمان، وكأنك بالتعبير الدارج "تسير على قشر بيض"، فتشعر بالقلق الدائم من كل كلمة أو فعل قد يصدر عنك. 
  • الشعور بالوحدة: تحت الضغط المستمر الذي يمارسه المتلاعب، تجد نفسك مؤمنًا بما يقول، فتصدق أنك مجنون أو غريب الأطوار أو أنك شخص لا يُحتمل، فتنعزل عن الناس ظنًا منك أنهم يرونك بنفس الطريقة.
  • فقدان الثقة بالنفس: دائمًا ما يهدم المتلاعب ثقة الضحية بنفسه، فيتركك متسائلًا عن حقيقتك وقدراتك، وهل أنت حقًا بهذا السوء، كما قد تشعر بخيبة أمل لأنك تحولت إلى نسخة سلبية وضعيفة من نفسك التي عرفتها سابقًا.
  • الاعتذار طوال الوقت: يجعلك التلاعب تشعر بالذنب دائمًا، مع الرغبة في الاعتذار عن كل أفعالك وأقوالك. 
  • الشعور بالدونية: تشعر دائمًا أن ما تقدمه ليس كافيًا، وأنك كشخص لست جيدًا بما يكفي، فتحاول دائمًا أن ترقى لمستوى توقعات الآخرين ومتطلباتهم منك، حتى ولو كانت تلك التوقعات غير منطقية.
  • إعادة التفكير في الماضي: يجعلك التلاعب متشككًا في نفسك وفيما مررت به سابقًا، فتتساءل هل ما أتذكره حدث فعلًا، أم أني فقط أختلق أحداثًا كما يقول المتلاعب، وربما تتوقف مع الوقت عن البوح بما تتذكره خوفًا من أنه خطأ.
  • الشك في سلامة العقل: مع استمرار التلاعب العقلي، قد تشعر أنك تعاني مرضًا عقليًا ما، وقد يقنعك المتلاعب أنك من تحتاج إلى الذهاب لطبيب نفسي، حتى تشفى مما أنت فيه. 
  • صعوبة اتخاذ القرار: عندما تفقد الثقة بنفسك، ستجد صعوبة كبيرة في اتخاذ القرارات وخاصةً المهمة، لتجد نفسك لاجئًا للمتلاعب أو غيره لاتخاذ القرارات بالنيابة عنك، ودون أن تشاركه رأيك. 
  • الشعور بالتهديد: دائمًا ما تشعر بأن شيئًا مريعًا قد يحدث في أي وقت وأنت بصحبة المتلاعب، فقد أدركت تمامًا وبشكل لا واعي أن مخالفتك له في الرأي دائمًا ما تكون لها عواقب وخيمة؛ تبدأ بالإيذاء النفسي وقد تنتهي أحيانًا بالإيذاء الجسدي. 

إليك بعض أشهر العبارات التي يستخدمها المتلاعب:

بعض العبارات الشهيرة التي يستخدمها من يقوم بالتلاعب العقلي

التخلص من التلاعب العقلي 

عند الشك في خضوعك للتلاعب العقلي، عليك اتخاذ بعض الخطوات اللازمة لمواجهة تلك العلاقة المسيئة واستعادة سيطرتك على نفسك وعقلك، وذلك عن طريق: 

  • اللجوء لأهل الثقة

إذا كنت تشك في تلاعب أحدهم بك، فلن يضرك اللجوء لشخص تثق في حكمه لتعرض عليه المشكلة، وتستفيد من رؤيته المحايدة للأمر، كما قد يوضح لك بعض النقاط الغائبة عن تفكيرك، والأهم أنك ستتلقى في الأغلب دعمًا عاطفيًا يساعدك على تجاوز هذه المرحلة الصعبة. فقط أختر من تلجأ إليه.

  • تسجيل المشاعر والأحداث

غالبًا ما يكون تسجيل المشاعر والأحداث في وقتها دليلًا واضحًا لا يقبل الشك،  فالمتلاعب دائمًا ما يشكك في ذاكرتك أو فيما حدث. يساعدك التسجيل على المواجهة والتأكد من كذب وتلاعب الآخر بك.

  • وضع حدود واضحة

يُعد وضع الحدود أحد أهم طرق الدفاع عن النفس في مواجهة التلاعب، حيث يوفر لك  فرصة للابتعاد عن المتلاعب وإعادة التفكير وحدك، دون السماح له بممارسة تقنياته المعتادة والمُنهكة لنفسيتك. 

على سبيل المثال: لا توافقه الرأي ولكن دون صدام، فقط قل "يبدو أننا لا نتذكر الأشياء بنفس الشكل، دعنا من هذا الآن" أو "إن وصفتني مرة أخرى بالجنون، فسأغادر الغرفة فورًا" أو "يمكننا الحديث عن ذلك إن أردت، ولكن إن صرخت فلن أكمل هذه المناقشة" - ما أن تفعل ذلك وبشكل متكرر وواضح، سيشعر المتلاعب أنك أقوى وأذكى من أن يتلاعب بك، وربما تنتهي تمامًا هذه العلاقة المسيئة بعد وضعك للحدود. 

  • التمسك بالهوية الشخصية

غالبًا ما يسعى المتلاعب لمحو الهوية الشخصية للضحية، ليتمكن من إحكام سيطرته عليه، فيجد الضحية نفسه تابعًا خاويًا لا يستطيع التفكير أو المناقشة بمرور الوقت. ثم أن العيش في حالة مستمرة من التوتر والقلق يستنزف من طاقة الضحية، فلا يلتفت للعناية بنفسه أو الاهتمام بمشاعره وأفكاره. 

لذا، فإن تخصيص الوقت اللازم لتلبية الاحتياجات النفسية والعاطفية يمكن أن يساهم في استعادة الثقة بالنفس والتمسك بالأفكار ومواجهة التلاعب. 

في النهاية، وقوعك في فخ التلاعب العقلي لا يعني أنك ضعيف أو محدود التفكير، فكلنا عرضة لذلك وخصوصًا في مرحلة الشباب والمراهقة، والأهم من توجيه اللوم الدائم لنفسك على ما حدث، أن تنهي هذه العلاقة المسيئة الآن، وإن كنت أنهيتها فعلًا، فكل ما عليك أن تعتني بنفسك وتحيطها بمن تثق بهم، أو ربما تلجأ إلى معالج نفسي إذا تطلب الأمر. 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share