يبدوا أن أفراد لجنة جائزة نوبل أصبحوا مهتمين بتكنولوجيا الليزر في الآونة الأخيرة، لأنه وبعد فوز فريق رصد موجات الجاذبية العام الماضي بالجائزة عن طريق اتعمادهم على أشعة الليزر في رصد الموجات، تذهب جائزة هذا العام إلى 3 علماء قاموا بتطوير اختراعات رائدة في مجال فيزياء الليزر أيضًا.
تذهب نصف الجائزة إلى «آرثر آشكن»، العالم الأمريكي الذي أصبح أكبر فائز بجائزة نوبل في التاريخ عن عمر يناهز 96 سنة، لاختراعه «الملقط البصري» وتطبيقاته على الأنظمة البيولوجية. بينما يتقاسم النصف الآخر «جيرار مورو» و«دونا ستريكلاند» - أول سيدة تحصل على جائزة نوبل منذ 55 عام-، لابتكارهم طريقة لتوليد نبضات من الضوء عالية الكثافة وقصيرة جدًا.
عندما يصبح الخيال العلمي حقيقة!
https://www.facebook.com/nobelprize/photos/a.164901829102/10155906570059103/?type=3&theater
لا تخلو أفلام الخيال العلمي من مشاهد تؤثر فيها أشعة الليزر بقوة على الأجسام كأن ترتفع الطائرات إلى الهواء باستخدام تلك الأشعة، إلا أن الأمر لم يعد محض خيال.
فقد استطاع آرثر آشكن الاستفادة من أحد خصائص الضوء ليتحكم بالجزيئات الصغيرة، حيث قام باختراع «ملقاط» ضوئي أو أصابع من أشعة الليزر يمكنها تحريك الجزيئات والذرات والفيروسات والكائنات الحية الجزيئية الأخرى.
الليزر ما هو إلا أشعة ضوء مركزة، فوتونات كثيفة جدًا تتحرك في نفس الإتجاه فتخلق لنا خطًا من الضوء. علم آشكن أنه إذا استطاع زيادة تركيز الضوء سيتمكن من خلق ضغط، بمعنى آخر سيصبح لشعاع الليزر قوة مؤثرة. وعن طريق هذه العملية تمكن من توجيه الأجسام لتتحرك في نفس اتجاه تحرك أشعة الضوء.(1)
لكنه لم يعتبر هذا كافيًا، فقد أراد تثبيت الجسيمات في مكانها ليحركها كيفما يشاء. هنا قام بتطوير فكرته ليصبح الملقاط عبارة عن شعاعيين متعاكسين، عند وضع جسم ما بينهما تصبح القوى عليه من الناحيتين متساوية فيثبت مكانه.
بدأت هذه الفكرة عام 1619 عندما افترض عالم الفلك «يوهانس كيبلر» أن ضغط ضوء الشمس هو ما يتسبب في إبعاد ذيول المذنبات بعيدًا عن الشمس. من ثم جاء الفيزيائي «جيمس كليرك ماكسويل» عام 1873 وأظهر أن الضوء نظريًا بإمكانه الضغط على الأجسام استنادًا على نظريته عن الكهرومغناطيسية.(1)
لم يتم التأكد من وجود ضغط الضوء حتى بدايات القرن العشرين، عندما استطاع العلماء رصد قوة ضعيفة للضوء، لكن ظل الأمر بلا أي تطبيقات إلى أن تطور العلم، وظهرت أشعة الليزر في ستينات القرن الماضي. هنا عمل آرثر آشكن على أبحاثه في الليزر، حتى تمكن من إيجاد اختراعه.
كانت تستخدم الملاقط الضوئية في التحكم بالذرّة، لكن سرعان ما أدرك آشكن مدى أهمية هذا الاختراع في الأنظمة البيولوجية، وعلى الفور أظهر كيف يمكن لاختراعه التقاط وحبس الفيروسات والبكتيريا والخلايا الحية، ودراسة الميكروبات دون تدميرها، بل وصل الأمر إلى التمكن من تعديل آليات عمل الخلايا الحية.
نبضات قوية قصيرة من أشعة الليزر
https://www.facebook.com/nobelprize/photos/a.164901829102/10155906489839103/?type=3&theater
منذ أن اخترع العلماء آليات صنع أشعة الليزر، انتشر استخدامه في الكثير من المعامل البحثية والعمليات الطبية.
فقد استطاع فائزو نوبل العام الماضي الحصول على نتائجهم باستخدام أشعة الليزر، وحاليًا يستخدم الأطباء أشعة الليرز في عمليات جراحية عديدة، بل إن العلماء يستخدمونه أيضًا في دراسة الجسيمات متناهية الصغر والتفاعلات الكيميائية السريعة.
وكلما أصبح شعاع الليزر أكثر كثافة وأقصر، كان أقوى وذو فائدة أكبر في الأبحاث. إلا أن الأمر لم يكن بتلك السهولة في الماضي، فقد حاول الكثير من العلماء صنع أشعة ليزر كثيفة ذات قوة عالية إلا أن النتائج كانت تنتهي بتحطم الأجهزة نظرًا لكونها تحتاج إلى طاقة شديدة لا تتحملها تلك المعدات، حتى جاء «جيرار مورو» و «دونا ستريكلاند» بورقة بحثية عام 1985 أحدثت ثورة في هذا المجال.(2)
كانت «ستريكلاند» طالبة دكتوراه تحت إشراف «مورو» في جامعة روشستر عندما اكتشفوا سر جديد من أسرار الليزر. فعندما تتمدد أشعة الليزر تقل قوتها، هذا يعني إمكانية تضخيمها، ومن ثم إعادة ضغطها لحجمها الأصلي للحصول على الأشعة القصيرة ذات الكثافة العالية.
يطلق على هذه الآلية «تقنية تضخيم النبضات - chirped pulse amplification»، وقد فتحت الطريق للكثير من التطبيقات في مجالات عديدة.
يمكن استخدامها لإنشاء نبضة ليزر لا تدوم سوى «أتوثانية» واحدة، أي واحد من مليار من مليار من الثانية. في تلك المقاييس الزمنية الصغيرة جدًا، أصبح من الممكن دراسة التفاعلات الكيميائية، بل ودراسة ما يحدث داخل الذرة نفسها أيضًا.
توسعت تطبيقات هذه التكنولوجيا لتشمل جراحة العيون، صنع قطع دقيق للغاية في رقائق مثل أشباه الموصلات، تخزين البيانات في محركات الأقراص الصلبة، وتصنيع الدعامات الطبية لتوسيع وتعزيز الأوعية الدموية.
نوبل هذا العام ليست للأبحاث ولكنها للاختراعات
إلى جانب الليزر، تقر نوبل هذا العام بجزء لا يحصل على الكثير من التقدير في العمل العلمي: إنه صنع الأدوات. لم يشرع آشكن و مورو و ستريكلاند للعمل على كل هذه التطبيقات المذكورة، ولكنهم عملوا على وضع حجر الأساس الذي سيمكن جميع العلماء فيما بعد من الوصول لتطبيقات في مجالات عديدة بناءً على أبحاثهم وأدواتهم.
إنه نوع من البحوث الأساسية التي تتطلب الكثير من الاستثمار دون معرفة إذا ما سيكون هناك مقابل فيما بعد. لحسن الحظ، وضع هؤلاء العلماء ثقتهم في هذه العملية، وأفنوا عمرهم فيها، وفي النهاية تكلل مجهودهم بحصولهم على جائزة نوبل في الفيزياء.
اقرأ أيضاً نساء حصلن على جائزة نوبل.