بناء نظام مناعي للكوكب، قيد يمنع وقوع جائحة قادمة

مقال مجاني

بناء نظام مناعي للكوكب قد يمنع وقوع الجائحة القادمة

مقال رأي: نحتاج إلى شبكة معلومات عالمية تمتد عبر الحدود حتى نتمكن من اكتشاف - ووقف - مسببات الأمراض الجديدة قبل أن تهدد الصحة العالمية

في عام 2002، عندما كنت أعمل في برنامج التأهب والاستجابة للإرهاب البيولوجي في مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها، لاحظنا شيئًا غير عادي: في الصين، سعر الثوم - الذي تعتبره العديد من الثقافات الآسيوية علاجًا لجميع الأمراض- ارتفع بمقدار عشرة أضعاف. كانت هذه أول علامة على مرض سارس، سلف كوفيد، وقد اكتشفناه قبل خمسة أشهر من إعلان الصين أنها كانت تعاني من تفشي فيروس كورونا جديد في الجهاز التنفسي. في أواخر عام 2019، أظهرت صور الأقمار الصناعية من الصين أن السيارات تتجه إلى المستشفيات بوتيرة أكثر من المعتاد. في أوائل عام 2020، ارتفع سعر الثوم مرة أخرى. كانت هذه من بين العلامات المبكرة لـظهور فيروس كوفيد-19.

في أغلب الأحيان، نرى علامات تفشي جديدة قبل أن نرى الناس يمرضون. يمكن أن تكون هذه الإنذارات المبكرة لا تقدر بثمن إذا تعلمنا الاهتمام بها والتصرف بناًء عليها. لكنها ليست كافية - نحن بحاجة إلى دمجها كجزء من نظام أكبر يجمع المعلومات من العديد من المصادر المختلفة لتمكيننا من اكتشاف الأمراض الجديدة بشكل أسرع والحد من انتشارها في وقت أقصر.

باختصار، نحن بحاجة إلى جهاز مناعي للكوكب - شبكة من الأدوات التي تبحث عن علامات العدوى الجديدة، وتكتشف وتحلل بشكل مباشر مُسببات الأمراض الجديدة فور ظهورها، وتعمل على تحديد العلاجات (وربما اللقاحات) الفعالة وتطويرها ونشرها بشكل مثالي.  

من المتصور أن  يعتمد "نظام المناعة" على الأدوات المتوافرة بالفعل، مثل مراقبة أسعار العلاجات الطبية والطلب عليها و كذلك صور الأقمار الصناعية لأنماط حركة المرور، كما ينبغي تكثيف الجهود لمراقبة المجاري العامة، حيث غالبًا ما تظهر مسببات الأمراض في مياه الصرف الصحي.

علاوة على ذلك من الممكن أن يشمل النظام المناعي أيضًا استراتيجيات إضافية تمكننا من التدخل في وقت مبكر جدًا في حياة العامل الممرض الجديد. سيكون على هذه الأدوات البحث عن مسببات الأمراض الجديدة في الهواء أو الماء أو التربة، لتقوم بسلسة حمضها النووي، ثم قد تُستخدم أجهزة كمبيوتر عالية الأداء لتحليل الجزيئات، والبحث خلال قوائم العلاجات المعروفة عن علاجات قد تكون قادرة على تحييد العامل الممرض.

يمكن أن تشمل وسائل الإنذار المبكر والكشف تلك، مستشعرات حيوية باستطاعتها اكتشاف مسببات الأمراض الكامنة في الكائنات الحية مثل الحيوانات والنباتات التي تعيش في المناطق الاستوائية الغنية بالتنوع البيولوجي، حيث غالبًا ما تنشأ الأمراض المعدية الجديدة فيها.

من المتصور  أن يتم ربط هذه المستشعرات بشبكة حوسبة فائقة تميز مسببات الأمراض الجديدة. ليست كل الميكروبات المكتشفة ضارة، لذلك سيتعين على النظام تطوير نماذج حسابية تعتمد على مسببات الأمراض المعروفة للتنبؤ بما إذا كانت الميكروبات المكتشفة حديثًا يمكن أن تتسبب في أي أزمات للبشر.

بمجرد اكتشاف العامل الممرض الضار، يمكن للحاسوب العملاق مسح قوائم العلاجات المتوافرة بحثًا عن ما قد يقاومه. من الناحية المثالية، يمكن للنظام يومًا ما أن ينتج تلقائيًا لقاحاً من الحمض النووي الريبي الرسول  mRNA المصمم بشكل خاص لاستهداف ذلك العامل الممرض، على غرار بعض لقاحات كوفيد-19 التي يتم استخدامها حاليًا.

هذا المستقبل ليس بعيدًا كما قد تعتقد. في العام الماضي، لعبت أجهزة الكمبيوتر العملاقة دورًا رئيسيًا في مكافحة كوفيد-19، حيث سلطت الضوء على العديد من التفاصيل حول المرض وسلوك الفيروس، بما في ذلك المدة التي يمكن أن تبقى فيها قطيراته في الهواء، وتحديد جين (F8A2) قد يفسر جزئيًا لماذا قد يكون بعض الناس أكثر عرضة للإصابة بـ كوفيد من غيرهم.

اقرأ أيضاً:  السجائر الإلكترونية: فوز أم خسارة للصحة العامة؟

حددت فرق البحث التي تستخدم الحواسيب العملاقة عقارين حاليين قد يكافحان كوفيد، بعد مسح مكتبة رقمية تضم حوالي 1600 عقار، بالإضافة إلى المركبات الموجودة في النباتات الطبية التي قد يكون لها خصائص مضادة للفيروسات.

بمجرد أن تحدد نماذج الحواسيب العملاقة المستقبلية العلاجات المحتملة لقمع تفشي الأمراض المستقبلية، يمكنها المساعدة في تحديد أفضل طريقة للاستجابة - إما عن طريق الوسائل التقليدية، مثل الأدوية الفموية أو اللقاحات، أو المزيد من الأساليب التجريبية.

لتوزيع العلاجات بسرعة وبشكل عادل، قد يكون من الأفضل يومًا ما إضافتها إلى مياه الأمطار أو مياه الشرب، جنبًا إلى جنب مع العقاقير الكيميائية للإسراع في عملية العلاج. ذلك أيضًا ليس بعيد المنال، على الأقل في غضون فترة زمنية تتراوح من 5 إلى 10 سنوات: سوف تجرب العديد من الولايات الأمريكية ما يُسمى بالبذر السحابي - حيث يضيفون جزيئات صغيرة من يوديد الفضة إلى السحب - لتعزيز هطول الأمطار.

يشرب معظم الأمريكيين الماء المضاف إليه الفلوريد، وغالبًا ما يتم إثراء منتجات الحبوب بحمض الفوليك. هذه الحلول الآلية قد تخرج البشر من الحلقة المفرغة. وفي حالة كوفيد، يمكن أن تقلل بشكل كبير الوقت الذي يستغرقه التخفيف من التهديد البيولوجي، وبالتالي إنقاذ الأرواح والممتلكات والاقتصادات الوطنية.

بالطبع يمكن أن يثير مثل هذا التوسع الكبير في المراقبة والعلاجات مخاوف بشأن الخصوصية والحرية الشخصية. لذلك سنحتاج إلى اتخاذ خطوات للتأكد من أن نظام المناعة الكوكبي هذا لا ينشئ دولة مراقبة. أحد الاحتمالات هو البدء بتجربة أولية، وربما مراقبة تفشي مرض كوفيد في المستقبل في مجتمع واحد يتبنى الفكرة. سيكون المشروع شفافًا تمامًا، وسوف يتم تحديد معايير الاستخدام الأخلاقي للبيانات، مع ربما مجموعة من المواطنين تشرف على جميع القرارات. إذا نجح البرنامج التجريبي وشعر الناس بالراحة، فيمكن أن تتوسع التجربة لتشمل مجتمعات أخرى. 

إذا نجح هذا النوع من أنظمة المراقبة العالمية في مقاومة تفشي الأمراض، يمكن استخدامه لمعالجة المخاوف الصحية العالمية الأخرى، مثل نقص الغذاء. لماذا لا نستخدم الذكاء الاصطناعي لتطوير مؤشرات وتحذيرات وخطط لتحديد نقاط الضعف في إنتاج الغذاء العالمي، مثل القمح، والمساعدة في جعل النظام أكثر مرونة واستدامة؟

ما اقترحه هو مهمة ضخمة، أعلم ذلك، لكن لك ان تتخيل ما إذا كان شيء من هذا القبيل قد حدث خلال كوفيد - ما مقدار المعاناة والخسائر التي كان يمكن تجنبها. إن كوفيد لم ينته بعد، ونعلم أن الوباء القادم سوف يأتي- لا نعرف متى أو من أين. إذا بدأنا بخطوات صغيرة، وعملنا في منطقة واحدة ثم توسعنا انطلاقاً منها، يمكننا أن نثبت أن نظام المناعة الكوكبي من الممكن أن ينجح، ويحافظ على سلامتنا.

تم نشر هذا الموضوع بتصريح من Knowable Magazine، التي تصدرها مؤسسة Annual Reviews، وهي مؤسسة غير ربحية تعنى بأمور النشر العلمي، حيث تقوم بانتاج المحتوى المعرفي الذي يسهم بتطور العلوم المختلفة وبالتالي الارتقاء بالمجتمع. سجل الآن للاشتراك في نشرة Knowable البريدية من هنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share