احترس! قد تكون لملابسك آذان

احترس! قد تكون لملابسك آذان

ماذا لو كانت الألياف المكوِّنة للأقمشة تمتلك قدرات أكثر من مجرد تغطية الأسطح؟ ماذا إن كان توني ستارك الشهير بالرجل الحديدي واقعيًا عند حديثه إلى بدلته الخاصة وأن الأمر ليس مجرد خيالًا علميًا؟

إن الملابس التي نرتديها هي مُلازمنا اليومي الذي يشاركنا كافة أنشطة حياتنا، وهي المراقب الصامت لأنفاسنا، لنبض قلوبنا، حتى للدم الذي ينفث في عروقنا. وانطلاقًا من تلك الحقيقة، اهتم العلماء في العقود الأخيرة بتطوير تكنولوجيا صناعة الألياف، ليضيفوا إليها المزيد من الخصائص، ويرتقوا بها من مجرد أقمشة بسيطة وظيفتها تغطية الأسطح إلى أداة أكثر عملية.

ألياف صناعية أذكى مما تظن

ظهرت مؤخرًا العديد من المنسوجات المحملة بتقنيات مختلفة لأغراض متعددة، ففي عام 2016، طور باحثون نسيجًا ذاتي التنظيف من خلال استخدام أجزاء نانوية (متناهية الصغر)، من النحاس والفضة في أثناء تصنيع ألياف القطن، بعد تهيئتها بغمسها في محلول حمضي، لتقوم بتنظيف نفسها من البقع في أقل من ست دقائق بمجرد تعرضها للضوء.

وفي العام نفسه، نجح فريق بحثي آخر في ابتكار نسيج يمكنه الاحتفاظ بالطاقة من ضوء الشمس والحركة، حيث نسج الفريق خيوطًا من الصوف والخلايا الشمسية سويًا، لتكون بمثابة مولّد صغير يستغل الحركة الميكانيكية وضوء الشمس في توليد الطاقة الكهربائية، التي قد تكفي لشحن هاتفك المحمول.

وانطلاقًا من التوجه العالمي لترشيد استهلاك الطاقة، ولأن استخدام مكيفات الهواء والمراوح الكهربائية للتبريد يمثل ما يقرب من 20٪ من إجمالي استهلاك الكهرباء في المباني حول العالم، توجه الباحثون إلى دراسة آلية صنع أقمشة تقلل شعور مرتديها بالحرارة. وفي عام 2020، قام فريق من الباحثين بتطوير تقنية تمكّن الأقمشة من عكس أكثر من 95% من الأشعة فوق البنفسجية.

وقد تسمعك أيضًا

وفي شهر مارس الماضي، نشرت دورية "نيتشر" دراسة تكشف أحد أبرز التقنيات الحديثة في تكنولوجيا الألياف؛ حيث توصل باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا بأمريكا، إلى آلية صنع ألياف صناعية بإمكانها سماع الأصوات المحيطة بشكل يحاكي آلية سماع آذاننا للأصوات من حولنا.

بطبيعة الحال، ينتقل الصوت عبر الهواء في صورة ذبذبات خفيفة تختلف شدتها باختلاف تردد وقوة الصوت. وفي حين أن هذه الذبذبات يتم قياسها بالنانومترات -ما يعني أنها متناهية الصغر-، إلا أن آذاننا تستطيع التقاطها بدقة، بل وتحويلها إلى إشارات كهربائية تنتقل إلى الدماغ، ما يسمح لنا بتفسير الأصوات من حولنا.

بالطريقة نفسها، عمل الفريق البحثي على ابتكار ألياف كهروضغطية يمكنها التقاط الاهتزازات الميكانيكية متناهية الصغر، الناتجة عن الصوت وتحويلها إلى إشارات كهربائية، ومن ثم نقلها إلى جهاز خارجي لمعالجة تلك الإشارات وفك شفراتها.

آلية عمل الألياف الكهروضغطية

ومن أجل تجربة تلك الألياف عمليًا، قام الباحثون بخياطة القماش المعدَّل في شكل قميص، واختبار قدرته على تمييز الأصوات المختلفة؛ من أبسطها، في مكتبة يسودها الهدوء، إلى أكثرها صخبًا، في شارع يضج بازدحام السيارات، ليجدوا أن لتلك الألياف قدرة بالغة على تمييز كل من تلك الأصوات على حدة.

اقرأ أيضاً:  خزانة ملابسك تؤثر على بيئتك

كذلك تم اختبار قدرة النسيج المعدَّل على تحديد اتجاه الأصوات عن طريق التصفيق اليدوي من زوايا مختلفة، وقياس قدرة الألياف على التقاط وتحديد تلك الزوايا، ليثبتوا قدرته الدقيقة على تحديد اتجاه الأصوات.

والجدير بالذكر، أنه لا يستلزم صناعة الملابس بأكملها من ذلك القماش للاستفادة من التقنية؛ حيث أنه لتعزيز خصائص تلك الألياف وحساسيتها للصوت، يتم تغليفها في كسوة مطاطية كثيفة ومرنة، ليُمكّن خيطًا واحدًا مدمجًا في سترة كاملة من تحويل السترة بأكملها إلى جهاز إنصات دقيق يمكن ارتداؤه، ليصبح بمثابة أذن اصطناعية متنقلة في ملابسك.

وبهدف جعل المنتج النهائي أكثر عملية، ومن أجل تعزيز إمكانية دمجه مع نسيج الأقمشة العادية، يتم ضغط الألياف سويًا بحيث لا يتجاوز سمكها بضعة ملليمترات.

رعاية صحية بيد ملابسك

لعل أول ما تبادر إلى ذهنك هو أن تطبيقات ذلك النسيج المعدّل لا تتجاوز توفير سبل أكثر عملية لضعاف السمع، إلّا أنه في الحقيقة يمكن تسخير ذلك الابتكار وتطبيقه في مجالات أخرى عديدة.

يشير الباحثون إلى قدرة ذلك النسيج المعدّل على رفع كفاءة الرعاية الصحية، فهو يعد بمثابة مراقب شخصي يستطيع متابعة المؤشرات الحيوية، وخاصةً ضربات القلب التي يمكن لذلك النسيج تحديدها بدقة، بل والتقاط بعض الاضطرابات التي قد تطرأ على إيقاع ضربات القلب، ما يضمن سرعة التشخيص والتدخل الطبي.

واستنادًا إلى قدرة النسيج المعدّل على متابعة المؤشرات الصحية لمرتديه، فإنه -نظريًا- يمكنه التقاط المؤشرات الحيوية للجنين، ما يمكّن النساء الحوامل من متابعة صحة جنينهم لحظةً بلحظة، إلّا أن ذلك التطبيق ما زال يحتاج إلى بعض التطوير في التقنية الحالية حتى يصبح جاهزًا لذلك الغرض.

تطبيقات واعدة للأقمشة الذكية

تمتد تطبيقات تلك التقنية إلى رحلات الفضاء واستكشاف أعماق المحيطات ورحلات الصيد، حيث يمكن استخدامها في صنع شِباك ذكية تستطيع التقاط الاهتزازات البسيطة الناتجة عن حركة الأسماك.

واستنادًا إلى قدرة تلك الألياف المعدّلة على تحديد اتجاهات ومصادر الأصوات بدقة، فإنه يمكن لضعاف السمع الاستفادة منها لتعزز إدراكهم للعالم من حولهم. كما يمكن الاستفادة من تلك الخاصية أيضًا في القضايا الجنائية، حيث تُمكِّن المحققين في تلك القضايا من الكشف عن مصدر الطلقات النارية.

مستقبل الأقمشة الذكية

يمثل هذا الابتكار خطوة نحو تغيير الصورة النمطية للأجهزة الرقمية التي بدأت بأجهزة الكمبيوتر صندوقية الشكل، ومرورًا بالهواتف المحمولة التي لا تخلو منها المنازل اليوم، ووصولًا إلى دمج تلك الأجهزة الرقمية في ملابسك.

إن مستقبل الأقمشة الذكية يبدو واعدّا إلى حد كبير، خاصةً بعد تبني كبرى الشركات، مثل شركة ميكروسوفت فكرة دمج التكنولوجيا بعالم الموضة.

فهل سيصبح حلم اقتنائك سترتك الخارقة الخاصة واقعًا ملموسًا؟ لا يبدو الأمر ببعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات مرتبطة
Total
0
Share